ذاكرة المستقبل

هناك أحد القواسم المشتركة بين ذاكرة الإنسان والذاكرة الشعبية، هو ذلك الأمر العجيب الذي يمنحهما القوة والصلابة والأمل والتصميم وغيرهم من الصفات التي نحن بأمس الحاجة لها بشكل يومي. ونحن دائما” نخلط بين الفاعل والمفعول في تشكيل ذاكرتنا تلك بشكل يجعلنا أحيانا” نسلم بالأمر الواقع ونترك عملية تطور ذاكرتنا (الشعبية أو الشخصية) أسيرة الزمن ومبادرات الأطراف الأكثر فاعلية في محيطنا. هنا يمكن لكل منا استذكار العديد من الأمثلة التي تؤكد هذه الخصوصية. 

من جهة أخرى، اليوم كما في كل حقبة انتقالية بين واقع وآخر يكون هناك تسارع كبير في ضياع الذاكرة والذكريات، والسبب الرئيس في ذلك هو سعي الأشخاص والمجتمعات الصغيرة نحو التغيير واستبدال الحاضر بالمستقبل.

أبحاث علوم الفضاء الزمني الحديثة تتحدث عن إمكانية تعرف الإنسانية على أبعاد زمنية ومكانية جديدة لم تكن معروفة من قبل. الأمر تطور إلى حد أن هذه الدراسات لم تعد نتاج التفكير الإبداعي للفيزيائيين والرياضيين إنما أصبح جزءا” من التجارب والأبحاث التطبيقية التي تستهلك موارد اقتصادية وبشرية متزايدة. السباق المعرفي في هذا المجال يستهدف بالدرجة الأولى التوصل لأشكال جديدة من الطاقة والإمكانيات مما يزيد في فرص النجاة في عالم غني بالعشوائيات والتناقضات.

في هذا السياق يجب علينا كسوريين البحث أيضا” عن مكان ومكانة قديرتين “تحت الشمس”. 

هناك أمثلة أيضا” من تاريخ الشعوب تتحدث عن إمكانية اختصار طرق الإنتاج العلمي والتطبيقي عبر حصر الموارد، نقل التطبيقات والتنوع بها، تمكنها خلال مدة زمنية وجيزة نسبيا” التقاط موجات التطوير وخلق نبضات اجتماعية واقتصادية تحدث موجات جديدة متميزة.

هنا أصل إلى دور النبضات الإجتماعية المبادرة التي يمكن لأي منا التركيز عليها على اعتبار أنها لا تستهلك أكثر من الإهتمام والوقت الشخصي. من الأسئلة الهامة التي تبحث عن إجابات محلية للشباب المسؤول وكل منفتح مثقف: ماهي ذاكرة الماضي التي ماتزال ذات أهمية لنا اليوم؟ ماهي ذاكرة الحاضر التي علينا احتضانها من أجل المستقبل؟ وكيف نجعل للمستقبل ذاكرة للمضي بنا في الحاضر؟

الإجابات على هذه الأسئلة يجب أن تكون عميقة تتغلغل في علم النفس والإجتماع المحلي لهذه المرحلة، وأن تكون انعكاسا” لأبعد حدود الإبداع في تقديم وإيصال المعلومة.

على سبيل المثال، يمكن لأحدنا المهتم باستعادة واستثمار التاريخ المنسي (والمجهول على الأغلب) أن ينتج أنواعاً من الميديا الثقافية الهادفة تصل الماضي بالحاضر والمستقبل عبر محطات أو قصص وفك ألغاز عجيبة ممتعة تسبح بأذهاننا وتسحر عقولنا لمدة من الزمن فتشغل أفكارنا وأعمالنا ونقاشاتنا واهتماماتنا لتنتقل بها إلى واقع آخر يعيش به أطفالنا، غير ذاك الذي يأتينا عبر الملايين من الشاشات الإلكترونية خلال العقدين الأخيرين.

كل عقد وأنتم بخير وإبداع وتفوق!

د.أحمد رامز قاسو

Dr.Ahmad Ramez Kassou

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

Website Built with WordPress.com.

Up ↑

%d bloggers like this: