الحالة المعيشية في سوريا تزداد سوءاً، و الأسعار تُحَلِّق في تصاعد مستمر دون أن يستطيع الاقتصاديون في البلد ضبطها. و بالرغم من محاولات المصرف المركزي تعديل و ضبط سعر صرف الدولار، واتخاذ إجراءات مختلفة لمنع انخفاض الليرة السورية إلا أن الوضع الاقتصادي مستمر بالتراجع.. حتى أن محاولة الدولة زيادة رواتب موظفيها , كإجراء إسعافي , لم تؤدِّ إلى تخفيف صعوبات المعيشة على المواطن، لأن الأسعار كانت ترتفع عند كل زيادة للرواتب دون أن يلمس المواطن أي تغير أو تحسُّن في معيشته.. الأثرياء الكُثر في البلد، و الذي ازداد عددهم بعد دخول الأثرياء الجُدد الى طبقة مستهلكي الرفاهية، يحول دون امكانية تحقيق تحسن أو انخفاض في أسعار السوق، خاصةَ و أن طبيعة حياتهم المرفّهة تتطلب شراء السلع باهظة الثمن مهما كان سعرها، إضافة إلى أنهم يطلبون الماركات الأغلى دائماً، ويزداد طلبهم عليها في السوق بشكلِ مستمر. هذا أحد العوامل التي تؤدي إلى بقاء الأسعار مرتفعة، وغير قابلة للانخفاض مادام هناك طلب كبير و متزايد عليها
فهل هناك حلّ آخر؟ هل تعديل قانون الضرائب يمكن أن يساعد في تحسين سعر السوق؟ دعونا نستعرض تجربة السويد خلال الحربين العالميتين الأولى و الثانية، و ماذا فعلت لتنهض البلاد وتتجاوز عقبتي الفقر و الاقتصاد المنهار آنذاك. وهي صورة مشابهة لما حصل في باقي دول غرب أوروبا، وإن كانت لم تقع حرب فعلية على أرضها كما باقي الدول
لقد كان للحرب العالمية الأولى تداعيات كبيرة في مجال الضرائب، ففي الفترة السابقة للحرب كانت الضرائب التي تجبيها الدولة عبارة عن جمارك و رسوم الإنتاج فقط . ذلك لأن أغلبية الشعب ان ذاك كان يعمل في الزراعة ويعيش على إنتاج أرضه. و من مبدأ أن إنتاج الأرض الزراعية من الطبيعة فإن الدولة لا يمكن أن تجبي ضرائب من الفلاحين. الضرائب كانت تستخدم معظمها لتمويل جيش البلاد وحماية الوطن. ثم جاءت الحرب و قرر السياسيون آنذاك أن على الجميع ان يساعد في حماية البلاد فازدادت الضرائب لتمويل الجيش. و قرر السياسيون،آنذاك، أن تكون الضرائب تصاعدية ( حسب دخل المواطن)، و مؤقتة بسبب الحرب، و لذلك كانت تسمى بضرائب “الدفاع عن الوطن”
بعد الحرب حان الوقت لإصلاحٍ ضريبي جديد. فتم وضع نظامٍ ضريبي جديد على الدخل و لكن مَرِن،استطاع أن يقدم إعفاءات أساسية سخية نسبياً، تعتمد على حالة الأسرة وتكلفة المعيشة في المنطقة التي يعيش فيها المواطن . فإن كان الشخص متزوجاً ولديه الأطفال يدفع ضريبة أقل، و إن كان يعيش في منطقة بعيدة تحتاج منتجاتها تكاليف أعلى فإن ذلك يخفف من دفعه الضرائب المتوجبة عليه
ثم جاءت الحرب العالمية الثانية و جلبت معها تغييرات جديدة على نظام الضرائب، و كانت كلها تتمحور حول ضرائب الدخل. مثلاً تم تخفيض حصة الثروة التي كانت تُضاف على الدخل، و ازدادت قيمة الضرائب على الميراث والعقارات
بعد الحرب بدأ قانون “الكشف الذاتي” عن الدخل (التصريح عن الدخل) دون تدخل موظفي الجباية و الضرائب. حيث يقوم كل مواطن سنوياً بملء استمارة تتضمن تصريحاً عن دخله خلال السنة وما دفعه من الضرائب، وبالتالي يضمن أنه مُسجّل عند الدولة في التأمين العام كالطبابة ، التقاعد ، فقدان العمل،المرض والإصابة …… الخ
هذه الشفافية في الكشف الطوعي عن الدخل , ساعدت الدولة و المواطن بشكل كبير في الاتجاه نحو بداية نظام ضريبي عادل. ففي عام 1947 قُدِّمَ أيضاً مايسمى بنظام “الضريبة المقتطعة” ، الذي يعني أن صاحب العمل أصبح مضطراً لخصم الضريبة (الأولية) مباشرة من دخول العمال. ثم يدفع صاحب العمل هذه الضريبة إلى سلطات الضرائب . بينما كان الأمر في السابق يعتمد على العمال أنفسهم، حيث يقومون بدفع الضرائب بأنفسهم، مما يؤدي، في الكثير من الأحيان إلى تأخر في الدفع يتراكم لاحقاً كدَينٍ للدولة, وينقص المال المتوفر في خزينة الدولة
يختلف نظام الضريبة المقتطعة هنا عما هو الحال في سوريا، حيث لا يدخل اشتراك النقابة ضمن الشرائح التي تخضع للضريبة المقتطعة ،إذ يتم دفعه في السويد على حدى و بشكل فردي ، الأمر الذي يُحفز النقابة على العمل بجدية كبيرة لكسب الأعضاء من خلال أنشطتها المختلفة والدفاع عن حقوق أعضائها أمام أصحاب العمل
على عكس الفترة التي سبقت الحرب العالمية ، اتسمت فترة ما بعد الحرب بالتضخم الاقتصادي المستمر. تسبب التضخم الاقتصادي في الضغط على دافعي الضرائب ذوي الدخول المنخفضة. و لم تكن للزيادات الضريبية التي سببها التضخم خلال فترة ما بعد الحرب أن تمر دون أن يلاحظها أحد سلبياً، لذلك قام السياسيون وقتها بخفض ضرائب الدخل ، خاصة لأصحاب الدخل المنخفض
من ناحية أخرى، شهد أصحاب الدخل المرتفع ضرائب هامشية متزايدة . ومع ذلك ، استمرت زيادة التضخم خلال السبعينيات . ازدياد التضخم أدى إلى مطالب بزيادات عالية في الأجور ، مما ساهم في زيادة الحد الأدنى للأجور، و اقتربت وقتها الفئات في المجتمع من بعضها في الدخل المعيشي، و هذا ما ساعد في بدء تبلور مرحلة تحقيق مسيرة العدالة الاجتماعية
كما رأينا أعلاه لقد لَعِبَت الجوانب السياسية والأيديولوجية جنبًا إلى جنب مع زيادة الديموقراطية في المجتمع دوراً في كيفية تغيير النظام الاقتصادي والسير باتجاه المساواة و العدالة. إن إدخال نظام ضريبة الدخل التصاعدية ( كلما ازداد الدخل ازدادت الضريبة مع تحديد سقف معين لذلك طبعاً) و “سلّم الكفاف” للمواطن السوري لمعيشته الذي يعتمد على سعر الليرة، و سعر المنتجات التي تضمن له كرامة العيش، و إعفائه من دفع الضرائب إن لم يتوفر له الدخل الذي يحتاجه للمعيشة، قد يكون هو المدخل الموضوعي لتحسين الوضع الاقتصادي،والنهوض بالاقتصاد
ما الذي جعل المواطن السويدي …يثق بنظام الضريبي و يراه نظاماَ عادلاَ ومفيداَ لمصلحته كفرد؟
عندما يثبت النظام الضريبي للمواطن أنه من خلال التزامه و تصريحه عن الدخل الذي يحصل عليه شهرياً سيحصل على مبلغ مناسب لكل ولد من أبنائه ورعاية لهم في الحضانات والروضات والمدارس ..الخ ، وانه سينال في نهاية المطاف مبلغاً تقاعدياً شهرياً و رعايةً صحيةً مضمونة مع تقدمه في السن، سينخرط المواطن طوعاَ بالنظام الضريبي وهذا ما حصل في السويد
الحصول على الدخل عبر الحساب البنكي يساعد بالطبع في تسهيل العملية، ويجعلها أكثر دقة وموثوقية، وتحت المراقبة المشددة لمنع أصحاب العمل من التلاعب بالأموال و الفساد
النظام الضريبي كان موحّداً و عادلاً تجاه كل اصحاب الدخل سواء كانوا في القطاع العام او الخاص، سواء كانوا تجّاراً وأصحاب شركات، أو كانوا أصحاب أعمال حرّة، فالجميع يضمن أن مستقبله تحميه الدولة لا الجمعيات الخيرية او الدينية، ولا يتكّل على وجود أبناء له،أو يربط مستقبله بوجود أبناء يرعونه في مرحلة عجزه
هل من الممكن الاستفادة من التجربة السويدية ؟ إن تجديد تصميم النظام الضريبي ضروري لزيادة إمكانية الخروج من الفقر، وتوليد عائدات ضريبية يمكن استخدامها لسد الفجوات بين الطبقات و الفئات الاجتماعية، وأيضًا وسيلة فعالة للحد من الآثار البيئية والمناخية
الهدف من النظام الضريبي هو ضمان تمويل القطاع العام والمساهمة في مجتمع يعمل بشكل جيد و عادل لكافة الناس و لكل الشركات والمؤسسات ، إضافة الى مكافحة الجرائم
يجب أن تخلق السياسة الضريبية أيضًا الشروط لـ: التنمية المستدامة والعمالة المتزايدة، توزيع الثروة بالتساوي، مجتمع مستدام بيئياَ واجتماعياَ من أجل التمكُّن من دعم السياسة الاقتصادية بشكل فعال
:يجب تصميم السياسة الضريبية وفقًا لأربعة مبادئ توجيهية
نظام ضريبي مشروع وعادل: يجب أن يتمتع المواطنون والشركات بمستوى عالٍ من الثقة في النظام الضريبي، و يجب فرض الضرائب بطريقة آمنة قانونياَ
قواعد عامة وواضحة متاحة للجميع: يجب أن تكون القواعد الضريبية عامة و واضحة ، مع قواعد ضريبية واسعة، و معدلات ضريبية متوازنة بشكل جيد مع أهداف السياسة الاقتصادية. هذا يساهم في نظام ضريبي شرعي وعادل. ويجب أن لا ننسى نشر التوعية و الثقافة الضريبية كشرط أساسي لنجاح النظام الضريبي، و هذا يتطلب البدء به في المراحل الأولى من الدراسة الابتدائية بالتعريف عن أهمية جمع الضرائب و عدالتها
الضرائب على علاقة وثيقة مع ساعات الدخل: يجب أن يتم فرض الضرائب ، قدر الإمكان ، فيما يتعلق بساعات العمل الفعلي. يؤمن انخفاض وجود الإعفاءات الضريبية في استثناءات محددة مثال عدد الساعات التي لا تتعدى ١٢٠ ساعة سنوياً
:في الجزء الثاني من المقالة سنتناول الأسئلة التالية
١-هل الضرائب و تزايد نسبتها يضرّ الإنتاج و الاستثمار؟
٢- ما هو الأكثر إفادة لي كفرد في المجتمع، ضرائب خفيفة أو ضرائب عالية؟
بقلم المستشارة الإقتصادية فاديا رستم
براي .. لو نفذ هذا النظام بحذافيره .. فلن يكون هناك أي قلق مستقبلي على اقتصاد البلد .. لان نظام قواعد الضرائب في هذا بلد(السويد) كان عادلا من الناحية الاجتماعية و اثبت ان الجميع سواسية في قانون الدولة. و الفرد يستفيد منها عندما يكون الإقتصاد متماسك .ا
وهكذا سيكون هناك قانون الرعاية الصحية التي تضمن توفير الرعاية الصحية وكذلك تكلفة الدواء ستكون اقل للمواطن و تتقارب طبقات المجتمع ويقل الشرخ الكبير بين طبقات الثري جدا و الطبقةالمتوسطة حتى في المستقبل تختفي الطبقة الفقيرة .
مقال مهم جدا.. سأنتظر الجزء المقبل
LikeLiked by 2 people
أشكرك سيدتي على متابعتك و تعليقك هنا. المهم في عرض تجارب الآخرين هو الإستفادة من كيفية تحقيقهم للمشروع. استطاعتهم في تغير سلوك المجتمع إتجاه الضريبة و كسب ثقة الشعب أثناء معاناته من آثار الحرب و الانهيار الاقتصادي تجعلنا نقف قليلاً لنحاول إن كان ممكن إسقاطها على بلدنا بما يتناسب مع الوطن السوري بخصوصياته. و نلتقي أكيد في الجزء الثاني
LikeLiked by 1 person