كهوف معلولا- شنا، هل سنفقدها؟

سوريا استعادت معلولا لكنها قد تفقد كهوفها الأثرية

مُقدّمة قانونية
يُقرّ قانون الآثار رقم ٢٢٢ بوجوب حماية الآثار الموجودة في كافة أرجاء الجمهوريّة العربيّة السوريّة المنقولة منها والثابتة ، الآثار المنقولة هي تلك التي صُنعت لتكون بطبيعتها منفصلة عن الأرض أو المباني ، والثابتة هي تلك المُتّصلة بالأرض كالكهوف الطبيعيّة أو المحفورة التي كانت مخصّصة لحاجات الإنسان القديم ، والصخور التي رسم أو حفر عليها الإنسان القديم صوراً أو نقوشاً أو كتابات.
وتُعتبر الآثار ، بموجب هذا القانون ، من الأملاك العامّة للدولة ، وواجب الدولة صوّنها والحفاظ عليها بما يتفق والمواد ٥ و٦ و٧ من القانون ، إذ يحقّ للدولة بموجبها إخلاء المناطق الأثرية لقاء دفع تعويض لأصحاب الارض ، وهي تمنع على المالك حق التّصرّف والتنقيب فيها ، بل وتحظر عليه إتلافها أو إلحاق الضّرر بها بأيّ شكلٍ من الأشكال

إضافة إلى ذلك ، ينصّ القانون في مواده ٩ و ١٠ و١١ على ضرورة تحديد المواقع الأثرية بغرض مراعاة حقوق الارتفاق المُتعلّقة بها ، والمنصوص عليها صراحةً في المادّتين ١٣ و١٤ ، وذلك بغرض منع البناء والترميم العشوائيّ فيها

نعلم جميعاً بأن سوريتنا الحديثة ماهي إلا امتدادٌ لحضاراتٍ مُتعدّدة ومُتجذّرة في عُمق التاريخ ، حالفنا الحظُّ باكتشاف بعض معالمها ، وبقي الكثير مدفوناً في باطن الأرض كسرٍّ لم يحن أوان كشفه بعد ، لكن ، هناك مدينة ، لطالما أدهشتنا كأعجوبة سماوية ، تجهر صخورها بكل أسرارها دونما وجلٌ من الزمان ، هناك (الحجر بيحكي ) كما كان يقول أجدادنا ، وهناك تعلّمت أن الزمن يفقد معناه أمام عظمة صخور المكان .. هناك فقط ، يمكنك أن تشهد إلتقاء السرمدي بالأبدي .. هي معلولا ، مدينة معلولا

تقبع معلولا على صخور جبال القلمون كأسطورة محفورة صامدة في وجه الزمن ، وتقع في شمال شرقيّ مدينة دمشق ، وتبعد عنها مسافة ٥٦ كم
في الآرامية تعني كلمة معلولا المدخل أو المعبر ، ويتوافق هذا الاسم وأسلوب الدخول إليها عبر فالق صخريّ ضيق ، يُطلق عليه اسم الفجّ الصخريّ ، ما أن تعبر هذا الفالق حتى ينفتح أمامك عالمٌ من السحر يعبق بالأساطير –عيسى مهنا

بيوتها البسيطة المطليّة بالكلس الأزرق تتعانق وتتراكب بتداخل شديد ، يتوه المُتأمّل لناظر إليها بين تركيبة تلك البيوت والدروب المُفضية إليها ، فالبيت الواحد ليس سوى طبقة واحدة ، وفناؤه ليس إلا سطح بيتٍ ثانّ ، كما أن سطحه معبرٌ لبيت ثالث .. ليس غريباً أن تدخل بيتاً من هذه البيوت و تسند ظهرك إلى جدارٍ صخري في إحدى غرفه ، أو أن تكتشف أن البيت بأكمله عبارة عن كهف محفور في الصخر !! الدروب مُتداخلةٌ ومُتشعّبة تنساب تحت البيوت المُعلّقة على الصخور ، وفوق الكهوف الّتي حفرها قُدامى المعلوليّون واتخذوها مساكن لهم – عيسى مهنّا

بين حنايا الصخرات الثلاث ، المُحيطات بمعلولا إحاطة السوار بالمعصم ، و المُسمّيات محليّاً ” شنا ” ،  وفي تلك الكهوف تحديداً يقبع جزءٌ هامٌّ من تاريخ البشرية والإنسانية ، حيث تتفاعل الطبيعة بجبالها وكهوفها وسهولها ، مع ما تمّ اكتشافه من آثار ثابتة وأحجار وكتابات و رسومات على الجدران وغيرها 
وفقاً للدراسات تمّ العثور في كهوف معلولا على أدلّة تُشير إلى أن المنطقة تُعدّ من أقدم المناطق المأهولة بالسكان في الشرق الأوسط ، في فترة تُقدّر ما بين٥٠ إلى ٦٠ ألف سنة خلت ، حيث سكنها إنسان كرومانيون منذ حوالى ٣٠ ألف سنة على وجه التأكيد وترك لنا شواهد دلّتنا على ذلك ، ومنذذلك الحين ، والتواجد البشريّ فيها لم ينقطع في مختلف العصور الّتي توالت ، حيث واكبت وتأثّرت بمختلف الثقافات الّتي مرّت على المنطقة، من الآكادييّن إلى العمورييّن فالآرامييّن وصولاً إلى الإغريق والرومان فالحضارة العربيّة


في كهوف معلولا حكايات الأولين

بمُجرّد رؤيتك لكهوف معلولا المُعلّقة بالسماء ومغاورها المنحوتّة بروح الإنسان السّوريّ القديم وصبره وعنايته ، تقف خاشعاً أمام عظمة ذلك الإرث الإنسانيّ الذي لامثيل له
معلولا باسمها وصخورها وكهوفها تُمثّل كنز بلدنا النفيس وهديّة للإنسانيّة قاطبة
إن أكثر مايدعونا إلى الحزن هو تعرّض الآثار الّتي تحتضنها تلك الكهوف للخراب ، ونأمل أن نلفت النظر إليها للاهتمام بها وحفظها ، ولعل أهمّها معبد إله الشمس الذي يدلّ عليه عمل نحتيّ على جدار إحدى المغاور ، وهو نقش نصف دائريّ مُنجزٍ بدقّة وإتقان ، إضافة إلى نحت بديع ونادر للعُقاب السوريّ ، مُنفّذٍ بطريقة النفر ، والذي اتخذته الجمهوريّة العربيّة السوريّة شعارً لها ، كما تحتوي هذي الكهوف والمغاور على كتابات مسيحيّة يعود تاريخها إلى عام ١٧٩ ميلادي ، حيث يُرجح أن يكون المكان من أقدم أماكن العبادة المسيحيّة في العالم ، وذلك قبل صدور المرسوم الامبراطوريّ الذي سمح بالحريّة الدّينيّة عام ٣٢٣ ميلاديّ ، كما يضم المكان نقشاً للسيدة مريم العذراء تحمل الطّفل ، حُفر بطريقة النفر أيضاً ، والذي يُعتبر مثالاً حيّاً على تطوّر فن الأيقونات السوريّ عبر التاريخ

تُرى ، أنستطيع إعادة بث الحياة بتلك الكهوف ؟ والاهتمام بها لتبقى كنزاً تملكه الإنسانية عامة وسوريا على وجه الخصوص ، نفتخر بوجوده على أرضنا ، ونستقطب الزائرين والسيّاح من مختلف أنحاء العالم ، ليكونوا شاهدين على هذا المكان المعجزة

هامش

قصة النسر السوري الذي بقي منه أعداداً قليلة في الجبال المحيطة بمدينة تدمر وهو حالياً شعاراً الجمهورية العربية السورية

دمتم و دامت سوريا بخير

بقلم الفريق المؤسس لشبكة أينيسيس

تدقيق لغوي: الاستاذة أميمة ابراهيم

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

Website Built with WordPress.com.

Up ↑

%d bloggers like this: