الملافظ الحلوة تشفي

الملافظ سعد.. الكلمو الحلوة بتشفي.

أجدادنا قالوها عن خبرة، ألم يقولوا: ” إسأل مجرّب ولا تسأل حكيم”

رغم إدراكنا لصحة هذه الأمثال المنقولة شفاهة ، أثبتت العديد من التجارب البحثيّة العلميّة صحة هذا الكلام ، و تأثيره الإيجابي في تسريع شفاء المرضى و تحمّلهم للألم ، حيث برهنت هذه التجارب على أهميّة الكلمة الطيّبة و طريقة نطقها في بث الشعور بالطمأنينة و الأمان الأمر الذي يُسرّع في عملية تماثل المريض للشفاء . حديثاً ، تُجرى العديد من الدراسات المُتعلّقة بأهمية “الترحيب” اللطيف ، و تأثيره ليس في مجال خدمات التسويق والبيع فقط ، إنّما في مجالي الرعاية الصحيّة والعمل الاجتماعيّ . الترحيب الذي “ربما” اعتدنا على تلقّيه في مراكز الرعايّة الصحيّة الخاصّة التي تسعى لمراكمة الأرباح عبر استقطاب زبائنها من المرضى ، لكن ، وحتى في المراكز الصحيّة الحكوميّة ، تشدد الدول المُتحضّرة على أهميته و تشجعه ، وتعتبر استخدامه مؤشّر إلى للجودة

غالباً ما تجمع آلية الترحيب بين شرف و أخلاق المهنة والعلاج ، و لذلك يُعَدّ الترحيب و استخدام الكلام الطيّب مع المريض ، مُؤشّراً مُهمّاً على رُقيّ خدمة الرعايّة الصحيّة وسمو روحها

تتعامل أخلاقيّات المهنة مع العلاج بشكل بديهي و لكنها تفتقر أحياناً إلى الأسلوب المناسب لإيصال الفكرة و تقديمها للمريض بطريقة لطيفة ولبقة . الأبحاث الحديثة تُقدّم مُقترحات بنّاءة حول آلية التفكير ودوره في سلوك الفرد، وكيفية تطوير دوره المهني اجتماعيّاً

على سبيل المثال ، يجب وضع لائحة مكتوبة تتضمن أخلاقيات المهنة يتعهّد باتّباعها، كل الأشخاص تحت التدريب ، أو كل عامل في القطاع الاجتماعيّ ، وهذا يشمل المدراء والمعلمين ، و العاملين في مجال العلاج والرعايّة والدعم والخدمة أيضاً ، كالمعالجين المهنيين والأطباء وضباط الشرطة والممرضات والأخصائيين الاجتماعيين ، أيّ كل من يعمل في مجال الرعايّة

و إضافة الى ذلك فعلى العاملين أيضاً في هذا المجال أن يتدربوا و يتعهّدوا بإنتقاء لغة التعامل مع المرضى و اهمها لغة الترحيب و الاستقبال للمريض. فاللغة و انتقاء مفرداتها عامل مهم آخر أثناء لقاء المريض و أهله مع طاقم الرعايّة الصحيّة. و هنا نعني كيف يختار طاقم الرعاية الصحية التعبير عن أنفسهم وما الذي يخلقه اختيار الكلمات من شعور بالرضا لدى المرضى و جودة الخدمة . نظرًا لأنّه يمكن فهم الكلمة نفسها بطرق مختلفة من قبل أفراد مختلفين و لكن التدريب على استخدام المفردات الملائمة و استبعاد كل ما يؤذي شعور المريض يساعدنا على تقديم أجود خدمة طبية. فالباحثون إيريكسون و سڤيدلوند (2007) يسلطون الضوء على أهمية أن يكون طاقم الرعاية الصحية متفهماً و يستشعر ردود أفعال المرضى التي تنتج عن اللقاء. فالتعاطف هنا لا يعني الشفقة و يجب التفرقة بينهما و تدريب الطاقم الصحي على التعامل بتعاطف لا بشفقة

تقدم الباحثة Croona (2000) مصطلح “المعاملة الجيدة” كمفهوم صعب يرتبط بشكل فردي وثقافي للغاية. يتميز اللقاء و الترحيب الجيد في الرعاية الصحية بحقيقة أن طاقم الرعاية عند اللقاء يعتني بنزاهة المرضى واستقلاليتهم. و لذلك تقترح كروونا أن يعمل اختصاصيو الرعاية الصحية على تعزيز علاقة التواصل الجيدة مع المرضى من خلال ترحيبهم به و إظهار اهتمامهم بما يقوله او يريد قوله و اتقان لغة الحديث و التواصل البنّاء بينهم و بين المريض

فمن خلال استبيان لآراء المرضى، تَبَيَّن و جرى تأكيد أنّ تخصيص الوقت الكافي للجلوس مع المريض والحوار معه من قبل الموظّفين المُختصّين ، كان له انعكاس مُهمّ تبدّى بشعور عام بالرضى لدى المريض ، ممّا عزز ثقته و تجاوبه مع العلاج ، و أظهر تفهّماً أكبر لرغبات المريض واحتياجاته، وبالتالي شعر المرضى لدى لقائهم بطاقم الرعايّة الصحيّة بأنّهم يُعاملون كأشخاص ذوّي قيمة . تظهر نتائج الأبحاث أيضاً ، أهمية إيمان طاقم الرعايّة الصحيّة بالمريض ، وإظهار تفهمهم للمريض ولوضعه الخاص كفرد، والنظر إليه كقيمة لا مجرد رقم غرفة و عدد ضمن الإحصائيات

فالترحيب و الاستقبال الجيد يعتمد بالدرجة الأولى على التعاطف واحترام الاستقلاليّة والقدرة على الاستماع إلى المريض . يُؤثر الترحيب و الاستقبال الجيد من قبل الممرضة ،على سبيل المثال، في طريقة فهم المريض لحالته الصحيّة و طبيعة مرضه ، ما يؤثّر بدوره على تفاعل المريض مع الرعايّة المُقدّمة من قبلها بشكل إيجابيّ ، كما و يعمل على تعزيز علاقة مبنيّة على الثقة بين الممرضة والمريض . يوفر هذا التفاعل البنية الأساسيّة المطلوبة لتحديد احتياجات الرعايّة والتخطيط المثالي لتلبيتها ، بحيث يتمّ تكيّيفها بشكل فردي، لكل مريض على حدى

المرضى، وإنّ وثقوا بالعلم والدرايّة التي تمتلكهما الممرضة ، والتي يمكن أن تنقلهما إليهم ، إلّا انّهم لن يشعروا بالرضا التام تجاه خدمة الرعايّة الصحيّة إذا تمّ تقديم المعلومات بطريقة مُهينة أو مزعجة . و قد أثبتت التجربة أنّ الاستقبال و الترحيب بطريقة مثاليّة تمنحك حالة شعوريّة شاملة بالرضا ، و تُحفّز استجابتك للعلاج حتى لو كانت معلومات الممرضة أو الطبيب مغلوطة ( الأمر الذي تصعُب معرفته مُسبقاً ، لذلك تٌعدّ طريقة الترحيب و لطافة الحديث و وضع المريض بصورة خطة علاجه هي الأمثل)

لقد وجد الباحثون أنّ التعامل مع مرضى السرطان بلطف و تعاطف ( ولا نقصد هنا الشفقة على الإطلاق) من قبل طاقم الرعايّة الصحيّة ، و السماح للمريض بالمشاركة في خطة علاجه أيضاً ، يخلق مشاعر إيجابيّة تُقلّل معاناة المريض ، على المقلب الآخر ، لوحظ أنّه عندما يُسيء أخصائيو الرعايّة الصحيّة استخدام سلطتهم وذلك عبر حجب المعلومات / أو التعامل بطريقة غير مباليّة / أو غير محترمة ، تتوالد مشاعر تتراوح بين فقدان الثقة وعدم التجاوب ، ممّا يؤديّ إلى صعوبة رعاية المريض ، وهي معاناة كان من الممكن تجنّبها

كمواطنين سوريّين، نسمع الكثير من القصص عن معاناة معارفنا في المشافي الحكوميّة، و شعورهم بالمهانة نتيجة الطريقة التي يتمّ التعامل بها معهم أحياناً، و عدم الإنصات لحاجاتهم أو ربما تجاهلها سواءً أكان ذلك عمداً أو سهواً، و كذلك كيفيّة استقبالهم عند دخول المشفى أو المستوصف طلباً للخدمة الصحيّة أو بحثاً عن مساندة أو مساعدة لفهم حالة يستعصي عليهم فهمها. تُرى، هل يتوافق هذا الاستقبال و أخلاقيات المهنة ؟ و هل يعي العاملون بالحقل الطبيّ مدى الأذيّة التي ستتسبب بتباطؤ استجابة المريض للعلاج نتيجة أسلوبهم الفظّ بالحديث مع المريض و أهله

و ما الذي يتوجب علينا فعله، كإدارييّن و مسؤولين في المشافي و المراكز الصحيّة الحكوميّة ، لزرع الثقة عند مرضانا و مساعدتهم على الشفاء بأسرع وقت؟

كيف نستطيع أن نُعبّر عن عمق اهتمامنا الحقيقيّ بمعالجة مرضانا ؟ هل نستطيع خلق مُؤشر واقعي يدلّ على رُقيّ روح الخدمة الصحيّة لدينا ؟

أليس أسلوب الترحيب اللطيف بمرضانا ، في مشافينا الحكوميّة ، عندما يحتاجون إلى مساعدتنا يُؤكّد على حفاظنا على كرامة وحقوق المواطن بأفضل طريقة ؟

ألم يحن الوقت لجعله معيار و مؤشر يلفت الانتباه إلى العلاج عندما يتراجع بشكل عام ويحتاج إلى تحسين؟

كيف لنا أن نَجد مُؤشرات الجودة بهذا الخصوص ومؤشراتنا لاتُشير إلى أنّ حالة مرضانا آخذة بالتحسن؟

هل لديك اقتراحات بهذا الخصوص ، و أي مؤشرات جودة تعتقد أنّها الأفضل ، وبالتالي يتعيّن على وزارة الصحة السوريّة أن تتابعها ، من خلال تجربتك الشخصيّة مع مشافي/ مستوصفات الدولة؟

بقلم المستشارة الاقتصادية فاديا رستم

تدقيق لغوي الاستاذة أميمة ابراهيم

إدارة التغيير لتحقيق التطوّر

التغيير – ما هو ؟

نسمع كثيراً عن القيام بعمليات تطوير و تجديد في مواقع العمل.. والتجديد تحديداً، يتطلًب تغييراً بالضرورة بينما العكس ليس صحيحاً، أيّ أنّ التغيير لا يقودنا دائماً نحو التحديث و التطوير. ووفقاً للفيلسوف پول ڤالتزافيتش Watzlawick فالتغيير نوعان ، تغيير من الدرجة الأولى و تغيير من الدرجة الثانية

يٌقصد بالتغيير من الدرجة الأولى “انتقال النظام الداخلي للعمل دون تغيير النظام بأكمله، بينما التغيير من الدرجة الثانية يحصل عندما يتمّ تغيير النظام بأكمله “، إذ يطرأ تغيّر نوعيّ على نمط التفكير والعمل التنظيمي حين ذاك. غالباً ، تتولّد مقاومة كبيرة ،من قبل البعض، إزاء كلّ قرار تغييريّ

لكن ، لماذا تنشأ لدى “هذا البعض” هذه المقاومة العنيفة ؟ والتي قد تتكرّر عدّة مرات أحياناً ، دون أن يُدرك الشخص المعنيّ سبب سلبيته تجاه التغيير ؟. في الحقيقة، بالنسبة للبعض، يلجأ البعض إلى المقاومة كآليّة دفاعية، فمن خلال موقفك السلبيّ تجاه التغيير، تقوم بحماية نفسك من أيّ خيبة أمل في حال لم تسر الأمور على النحو الذي تريده. بالنسبة للكثيرين، المقاومة ردّ فعل صرف ولا فكرة أو رأيّاً مدروساً، فأنا مُتيقّن ممّا أملك لا ممّا قد أحصل عليه. يمكن أن تتجلّى هذه المقاومة بعدّة طرق وبآليّات دفاع مختلفة

من أجل الوصول إلى التطوّر و التحديث المطلوبين ، علينا أن نبدأ بتغيير نمط تفكيرنا والنظام المُتّبع معاً.. و من أجل أن نحصد ثماراً سليمة من عمليّة التغيير و ننجح في سلوك طريق التغيّر الصحيح، علينا أن نعي سيكيولوجيّة التغيير عند الافراد و نفهم الأسس النفسيّة للتغيير .

عند حدوث أيّ تغيير ، يُبدي نحو ٢،٥٪؜ من الطاقم المعنيّ تأييده الكبير ومردّ ذلك أن فكرة التطوير و الإبداع تكون قد نشأت لديه أصلاً ، ومن ثمّ ، يتم تبنّيها من قبل ١٣،٥٪؜ من المقتنعين و الراغبين بالسير قُدماً .. هنا تبدأ عملية الحوار و التخطيط و الإقناع لبقيّة المعنيين ضمن منظومة العمل ، فيلتحق بمشروع التغيير مباشرة ، نحو ٣٤٪؜ لتبدأ عملية التغيير ، بينما تبقى هناك دائماً فئة ، تقارب نسبتها ال ٣٤٪؜ ، متأخرة على الالتحاق بركب التغيير ، و تُفضّل الانتظار لعدّة اسباب ، لكنها تلتحق بالنهاية ، ليتبقّى مانسبته ١٦٪؜ من مُقاومي و رافضي التغيير ، و هي النسبة التي علينا ألّا نبذل جهداً أكبر في محاولة جذبها و إقناعها ، وإنّما علينا صرف جلّ تركيزنا وجهدنا إلى المُلتحقين الجُدد ، و الثناء على إنجازاتهم و على عملية التغيير ..

علينا إذاً ، نحن من يقود عمليّة التطوير و يعمل في إدارة التنميّة ، إدراك طبيعيّة وحتميّة وقوع الغالبيّة في حالة النكران والاستنكار عند نشوء فكرة التغيير .. لتتحوّل حالة الإنكار هذه إلى غضب و رفض يتجلّى لاحقاً بالإحساس بالخوف و القلق.. في هذه المرحلة ، تكون المؤسّسة قد وصلت إلى ملامسة قاع الشعور بالرغبة بالتغيير ، الذي تتبعه، بعد محاولات الإقناع و المشاركة، مرحلة القبول و البدء بممارسة الأفكار الحديثة و تفعيّل النظام الجديد في العمل، بعدها يُشرق فجر يوم جميل على الجميع، و كأن هذا التغيير وليد منظومة راسخة تٌمارس بكل أريحيّة منذ زمن بعيد

لذلك ، و لأنّنا نُدرك تفاصيل ما ذكرناه أعلاه، علينا ألّا نتوقّف عن تحليل كل خطوة و مشاركة نتائجها مع الفريق الذي يعمل معنا على التغيير، وذلك من أجل تعديل الخطوات في الوقت المناسب، و بمشاركة الجميع. و لأنه ليس من السهل اختراق ثقافة عمل راسخة منذ زمن في منظومة ما.. لأنّ الثقافة القديمة عادة تلتهم كلّ جديد دون أن تمنحه فرصة ليُعطيّ أفضل مالديه، و لذلك فإنّ بناء ثقافة جديدة مُتطوّرة يحدث أثناء التغيير وبمشاركة الفريق في تصحيح المسار كما أشرنا في الفقرة السابقة

إضافة إلى ما أوردناه أعلاه، علينا أن نفهم و نتعلّم سيكيولوجيّة التغيير

يُوفّر علم سيكيولوجيا التغيير رؤًى حول كيفيّة تفاعل الناس مع عمليات التغيير. “كلما ازدادت معرفتنا بالمراحل المُختلفة لعلم سيكيولوجيا التغيير ، اكتسبنا أدوات تحليل جيدة لتوجيه عمليات التغيير صوب تحقيق الأهداف المُحدّدة”, يقول پيتر دراكر – أحد أوائل المُستشارين الإدارييّن ، حتى قبل اختراع مُصطلح المُستشار الإداريّ . كتب العديد من الكتب حول ثقافة الشركات والقيادة ، ويُطلق عليه أحياناً اسم والد إدارة الأعمال الحديثّة

عند كلّ تغيير علينا مراعاة ثلاثة تحدّيات

* سويّة الموظف (كيف يُدير الأفراد داخل المنظمة التغيير ، و ماهي إمكانيّاتهم الخاصّة)

* مستوى الفريق (تحديد المجموعات التي تحتاج إلى التغيير قبل غيرها، وتقديم الدعم لها أثناء العملية)

* المستوى التنظيميّ (نهج الشركة ككلّ، و تحديد القسم، ضمن المؤسّسة أو الشركة، الذي يجب بدء عملية التغيير انطلاقاً منه)

علم سيكيولوجيا التغيير ضروريّ لفهم سبب تصرّف بعض الأشخاص، بالطريقة التي يتصرّفون بها، فور سماعهم بقرار التغيير، يجب علينا فهم الأسس النفسيّة للتغيير أوّلاً. تشمل سيكيولوجيا التغيير معرفة السبب الذي يجعل الناس رافضين للتغيير، و ذلك بالاعتماد على آليّة ردّ فعل الفرد عبر ما يفعله أو مالا يفعله على صعيده شخصيّاً، وفي الموقف الذي يجد نفسه فيه. من الأمثلة على الظروف النابعة من إرادة الفرد والتي تُؤثّر على سلوكه : الشخصيّة ومفهوم الذات والثقة بالنفس والمواقف والقيّم والمعرفة والمهارات والاحتياجات والمشاعر، بينما يمكن ضرب أمثلة دالّة على ظروف خارجة عن إرادة الفرد و تُؤثّر في سلوك، كالقيادة والنظام ومجموعة العمل والمهام والعلاقات الشخصيّة والظروف الخاصّة الأخرى. يتأثّر الفرد بالموقف الذي يُوضع فيه، لكنّه بالمقابل، يُؤثّر في هذا الموقف عبر التجربة الذاتيّة. غالباً ما يتمّ الخلط بين مُصطلح “التعلّم” و بين الحصول على المعلومات، ومع ذلك، يتمكّن الفرد من استيعاب المعرفة الجديدة، عندما يستطيع نقلها إلى الآخرين فقط. لن يُسمح بالتغيير في المؤسّسة أو الشركة قبل أن يتمّ نقل المعرفة الجديدة إلى عدد من أفرادها، الذين يأخذون على عاتقهم مسؤوليّة تطبيق التغييرات والاستفادة من الخبرة المُكتسبة. التعلّم هو، إلى حدّ كبير، مسألة اتصال وتفاعل، أيّ بطريقة أخرى هو عمليّة تعلّم الفرد بمشاركة الآخرين

كما أشرنا سابقاً ، لفهم سبب اختلاف نتائج مشروع التغيير، يجب على المرء أن يفهم الآليات النفسيّة التي تظهر بمجرد أن تُعلن الإدارة أن التغييرات قد باتت وشيكة. ما الذي يحدث لمُتلقي هذه المعلومات سواء على الصعيد الشخص أو على صعيد المجموعة ، ولماذا يحدث ما يحدث في أغلب الأحيان

صورة من محاضرة حول علم التحسين و التطوير مع التغيير، إعداد المستشارة فاديا رستم ( اقتصاد و ادارة موارد بشرية) على قناة آينيسيس على اليوتوب قريباً

شاركونا تجاربكم حول التغيّرات في مجال عملكم ! هل وجدتم صعوبة بتقبّل التغيير ؟ و كيف استطعتم تجاوز الصعوبات ؟

بقلم المستشارة الاقتصادية: فاديا رستم

تدقيق لغوي: الاستاذة أميمة ابراهيم

الفاقد الكهربائي، مصادر هدر الكهرباء و تخفيض التكلفة!

يقدم فريق شبكة الخبراء السوريون آينيسس في هذا المقال، لمحة سريعة عن نتائج بحث علميّ، يتوخّى الإفادة في موضوع تنظيم الاستهلاك، والحدّ من الهدر الطاقيّ، على اعتبار أنّ التوجّه العالميّ اليوم يُركّز على الحدّ أو التخفيف من إنتاج الطاقة للحفاظ على الموارد البيئيّة، الأمر الذي سنعكس فائدة على الأفراد بطبيعة الحال.

و كنّا سابقاً قد نشرنا مقالة تضمّنت عدّة أبحاث حول الطاقة المُتجدّدة، و وجدنا في هذا البحث الحديث ما يُكمل ويُغني الأبحاث السابقة.

يهدف مشروع الماستر المُعنون “دراسة هدر الكهرباء في المنزل”. إلى تقدير ما يستهلكه المنزل من الكهرباء، عن طريق حساب ما يستهلكه تشغيل الأجهزة الموجودة فيه عادة من طاقة، بناءً على دراسة استخدام الطاقة وكفاءة هذه الأجهزة، تمّ تقدير كمية فاقد الكهرباء وتحديد أسبابه وإظهار إمكانيّة الحدّ منه عن طريق تقديم حلول .

كتب المهندس خليل محمد لآينيسيس :

في هذا البحث الأكاديميّ، قمنا بتقسيم مكامن الهدر الكهربائيّ، بشكل أساسيّ، إلى جزئين رئيسيّين، هما الجزء الذي ينشأ جزئيّاً ضمن الكابلات، والجزء الناتج في وحدات التحويل ، كما قمنا بتضمين الطاقة الكهربائيّة التي تُنتجها الألواح الشمسيّة الموضوعة في المنزل ضمن الدراسة، و قد قمنا كذلك بقياس الطاقة التي تمّ إنتاجها بواسطة الخلايا الشمسيّة لمدّة عام، ثمّ قارنّا إجمالي استهلاك الكهرباء الناتج عن تشغيل أجهزة المنزل في حال خلوّه مُطلقاً من الألواح الشمسيّة.

في الواقع، تُعدّ الأبنية السكنيّة مُستهلِكًا مُهمًاً للطاقة ضمن نظام الطاقة الكهربائيّة، وبحسب هيئة الطاقة في السويد، فإنّ الحصة الأكبر من الطاقة تستهلكها المنازل الصغيرة، و الأبنية السكنيّة والمباني. على سبيل المثال، في عام 2016، تمّ استخدام 80.5 تيراواط ساعي من الطاقة للتدّفئة وتوفير المياه الساخنة، حيث تمّ استهلاك 40٪ من الطاقة الكهربائيّة في المنازل الصغيرة، و 33٪ عبر تزويد الأبنية السكنيّة بالطاقة، واستهلاك 27٪ في أماكن العمل. و لأنّ كلفة فاقد الكهرباء الناتج عن الاستخدام في المبنى قد تكون كبيرة، كان من المهمّ معرفة كيفيّة تمديد الكابلات، والأجهزة واستهلاكها للطاقة، لتحديد مكمن الهدر الحاصل و تكلفته.

يُثبت البحث أنّ مصادر فاقد الطاقة قد ازدادت خلال عملية نقل الكهرباء واستهلاكها في الآونة الأخيرة، وذلك على الرغم من التوجّه نحو استخدام الطاقة الشمسيّة وتخزين الكهرباء المتولّدة عنها في بطاريات، ضمن المباني الحديثة، الأمر الذي بات مطلباً رئيسيّاً في الأبنية الحديثة. و مع ذلك، وحتى عند استخدام الطاقة الشمسيّة وتخزين الكهرباء في البطاريات ، يبقى ثمّة هدر للكهرباء في هذه المنشآت الحديثة. هناك مصادر مختلفة للهدر الكهربائيّ، كتلك التي تحدث عند نقل الكهرباء، عبر المُحوّلات، وكذلك في المعدّات الأخرى المُتّصلة بالشبكة الكهربائيّة. إنّ توليد الكهرباء عبر الألواح الشمسيّة، على شكل تيار مباشر، يُقلّل الفاقد الكهربائيّ، و يتمّ تخزين فائض الطاقة في بطاريات . الميزة الرئيسيّة لتركيب الألواح الشمسيّة تكمن في قدرتها على تخفيض تكلفة الكهرباء، إذا كانت الألواح الشمسيّة كبيرة بدرجة كافية، يُمكن للطاقة الكهربائيّة الناتجة عنها تزويد منزل بأكمله بالطاقة، كما تساعد الألواح الشمسيّة على تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ، ووفقاً لـ “صندوق توفير الطاقة”، يُمكن لنظام الخلايا الشمسيّة المنزليّ النموذجيّ تقليل الانبعاثات بنحو 1.3 إلى 1.6 طن سنويّاً.

الغرض من البحث تقدير فاقد الطاقة في المنزل، عبر استخدام الخلايا الشمسيّة جزئيّاً، ودون خلايا شمسيّة في الجزء الآخر، والإبلاغ عن حجم الخسارة في الكهرباء، من خلال معرفة مقدار الطاقة الكهربائيّة التي تستهلكها الأجهزة الكهربائيّة وجمع البيانات وملفات تعريف الحمولات وحساب استهلاك الكهرباء في أوقات مختلفة .

الأسئلة المطروحة في البحث:

ما مصادر هدر الكهرباء في المنزل ؟

للهدرعدّة اشكال لكنّ أهمّ ما تمّ أخذه بعين الاعتبار في هذا التقرير كان مقطع الكابلات والموصلات في المنزل ، حيث تلعب دوراً رئيسيّاً في رفع كميّة الخسائر الكهربائيّة في أيّ بناء سكنيّ، كذلك تلعب المحوّلات دوراً في الخسائر الكهربائيّة من خلال تحويل التيار التردّدي ( المُتناوب) إلى تيار مُستمر و العكس بالعكس

من أجل تقليل الخسائر في وحدات التحويل وفي الكابلات، وفقاً لدراسة أجريت في RISE، من الممكن تنفيذ أنظمة LVDC (التيار المنخفض للجهد المباشر) من أجل تجنّب خسائر معينة. هناك عدة أنواع من LVDC يمكن استخدامها.

______________

ما الطرق الكفيلة ، عند استخدامها، بتقليل فاقد الكهرباء؟

توجد عدّة طرق للتقليل من هدر الكهرباء في المنزل نذكر منها : تغيير مساحة المقطع العرضيّ للكابلات والموصلات في المنزل، فكلما كانت مساحة المقطع العرضي للكابلات كبيرة، كلما قلّ فاقد الكهرباء عبر الكابلات، والتي تتجلّى على شكل خسائر حراريّة ناتجة عن مرور تيار كهربائيّ عالٍ عبر مساحة ضيّقة في الكابلات. كذلك يمكن تقليل الفاقد الكهربائيّ عن طريق اعتماد نظام توزيع موحّد.

إنّ فكرة التوليد والاستهلاك باستخدام التيار المستمر هي نتاج فكرة نظام التوزيع الموحّد، و بالتالي تكلفة أقل عند استخدام الأدوات الكهربائيّة وطاقة مهدورة أقلّ، مما يساعدنا على الحصول على الكفاءة المطلوبة. ويمكن تنفيذ هذه الأفكار في الابنية القديمة أيضاً، فهي ليست حكراً على الأبنية الحديثة، وذلك من خلال وصل وسائل الطاقات المُتجدّدة (كالطاقة الشمسيّة مثلاً) بأجهزة الاستهلاك مباشرة، أيّ من المنبع إلى جزء الاستهلاك، و هذا يتّضح من خلال تقليل التحويلات الناتجة عن التيار المتردد و التيار المستمر. هناك مشاكل قد تطرأ على نظام التحويل المُوحّد كأن يكون لدينا جهد عالٍ في بعض الحالات ، و نستطيع حماية الاجهزة التي نستخدمها مثل التلفزيون و الكومبيوتر والتي تستهلك ما بين ٥٠ إلى ١٠٠ واط ( جهد قليل) ، من خلال استخدام محطة توزيع مُتعدّد على شكل كابل ، تُوزّع على تيار عالٍ و تيار مُنخفض وموصلات ذات ثلاث أسلاك ثنائية القطب، وهو خط يُوزّع للجهد العالي والجهد المنخفض معاً .

————————————

كيف يبدو تأثير الفاقد الكهربائيّ مع وجود الخلايا الشمسيّة ومن دونها ؟

لاستخدام الطاقة الشمسيّة أثر كبير في تخفيف الهدر الكهربائيّ ضمن المنازل، وذلك من خلال توصيل التيار الكهربائيّ المُستمر إلى أجهزة الاستهلاك مباشرةً، بنظام التوزيع المُستمر، حيث تُجنبنا هذه العملية حدوث تحويلات كهربائيّة من شأنها زيادة الفاقد الكهربائيّ

بقلم: المُهندس خليل محمد

تدقيق لغوي: الاستاذة أميمة ابراهيم

LVDC = Low Voltage Direct Current التيار المباشر منخفض الجهد للمنازل

ثقافة الاستهلاك

الافتقار إلى القدرة الشرائيّة للكماليّات يُعدّ أولى المؤشرات على الأزمات الماليّة التي قد تعصف بالبلاد، أو تلك التي تترافق والحروب، وهو أمر مؤلم بالفعل، خاصّة إذا ما امتد الأمر ليشمل أطفال العائلة و احتياجاتهم التي لا يمكن غضّ النظر عنها كالملابس مثلاً ! لكن، لو ألقينا نظرة على مُحيطنا لرأينا شعوباً تعيش الرفاهيّة إلى حدّ ما، وتتوافر لديها القدرة الشرائيّة، لكنها، ولأسباب عدّة، اتجهت نحو التقليل من شراء الملابس، وذهبت أبعد من ذلك إلى حدّ الامتناع عنه. هل سمعتم عن الصيام عن شراء الكماليّات لمدّة سنة مثلا؟! ما هو السبب يا ترى !؟

مُؤخّراً، طرحت شركة الألبسة العملاقة هينّيس و موريتز لزبائنها،

أكياساً ورقيّة خاصّة لحمل مُشترياتهم من محالها، حيث ستُلاحظ مدى الذكاء الذي ينطوي عليه تصميم هذا الكيس، فهو يجذبك فوراً للبحث عن لغتك الأمّ بعد اكتشافك لوجود كتابات بلُغات مُختلفة. بعد البحث، ستجد تلك الجملة التي تقول : ارتد الملابس، و اعتني بها، ثمّ قمْ بإعادة تدويرها .

التوجّه الأن، وحتى في الدول الغنيّة، نحو التّقليل من الاستهلاك و ردع ثقافته التي تُفسد متعة التّواجد الذهني الآني في هذه الحياة، الأمر الذي يُعدّ مؤذياً للطبيعة و مناخ كوكب الأرض، وذلك بسبب ما تُنتجه هذه الصناعات من نفايات و غازات مُدمّرة لحياة الأرض.

الأيدلوجيا الخضراء :

وفقًا لمبدأ الأيديولوجيا الخضراء، يجب أن يتمّ دعم عملية تغيير سياسات المجتمع الاقتصاديّة بكافّة الأشكال، فالمجتمع الحالي الذي أدمن الاستهلاك، لا زال لا يأخذ بعين الاعتبار محدوديّة موارد الأرض، و التي باتت اليوم شبه مُهدّدة بالزوال. على سبيل المثال، غالباً ما يتمسّك مؤيدو الأيديولوجية الخضراء بالسلبيّة تجاه الاستخدام غير المُستدام للموارد الطبيعية، مثل إزالة الغابات أو صيد الأسماك بمعدّل أعلى من مُعدّل النمو الطبيعيّ لهذه الموارد، لذلك فإن أتباع الأيديولوجية الخضراء غالباً ما يُؤيدون القيود المفروضة على استخدام الموارد الطبيعية، فوفقاً للأيديولوجيا الخضراء، يجب السماح للطبيعة باستعادة مساحاتها التي سُلبت منها لحساب النشاطات البشريّة، ولذلك، على البشر التقليل من طمعهم بالطبيعة، الأمر الذي سيُساعد على الحدّ من آثار البشر السلبيّة على محيطهم البيئيّ بشكل جذريّ.

ما الذي يٌمكننا عمله كأفراد لأداء الأدوار المُناط بنا القيام بها من مواقعنا، دون انتظار إملاءات المسؤولين البيئيّين أو الاقتصاديّين، أو حتّى السياسيّين ( وهم غالباً آخر القوى الفاعلة التي تعكس في نهاية المطاف ردّ فعل المجتمع ) ؟.

ثقافة الاستهلاك :

تُمثّل صناعة الأزياء مصدر ما يصل إلى عشرة بالمئة من انبعاثات الغازات المُسببة للاحتباس الحراري العالمي ، وفقاً لـ forskning.se.

وقد صرحت أليسيا أغنيسون، مُمثّلة “الفايكنج” مُؤخّراً، بأنّها لم تشتر ملابس مُنتجة حديثاً خلال العامين الأخيرين، وأردفت أنّها تُريد المُضي قُدماً بالانسحاب من الموضة الاستهلاكيّة السريعة، وصولاً إلى الموضة المُستدامة. خزانة ملابس اليسيا أغنيسون مليئة بالملابس القديمة والمُستعملة ..

تأمل أليسيا أغنيسون الآن في أن تكون مصدر إلهام للآخرين، لإعادة التفكير في سياسة الاستهلاك عندما يتعلق الأمر بالملابس .

“أتلقّى العديد من الرسائل من أشخاص حول العالم، يخبروننّي فيها كيف بدأوا بإتباع سياسة استهلاكية بشكل أكثر استدامة .

إنّه لشعور رائع أن تكون قادراً على المساهمة في مثل هذا التغيير” .

تقول الخبيرة في صناعة الأزياء هيلينا واكر، الرئيس التنفيذي لشركة Trade Partners للأزياء في استوكهولم :

– لقد فعلت ذلك بالتأكيد، لطالما كانت اليد العاملة موجودة ، لكنّها اليوم أكثر من مُجرّد متاجر تقليديّة للأشياء المُستعملة .

وفقاً لـ واكر، يُمكنك العثور على أزياء مُستعملة في كلّ مكان، بدءاً من مجموعات الفيسبوك وبعض المتاجر – مثل فيليپا كي و نودي – وصولاً إلى خزانات الأصدقاء والأقارب .

ووفقاً لتقرير صادر عن موقع Thredup الأمريكي للأشياء المُستعملة ، واستناداً إلى أرقام صادرة من شركة التحليل Global Data، فقد نما سوق السلع المُستعملة بمُعدّل 21 مرة أسرع من نمو سوق متاجر الملابس العاديّة في السنوات الثلاث الماضية .

و تقول السويدية يوهانّا غوستافسون : “على مدار العام الماضي، طوّرت فكرة عمل، حيث أقوم بخياطة وبيع مآزر ملابس الأطفال المُلوًنة، وذلك بفضل منحة حصلت عليها من مركز الثقافة في مدينتي، وقد تمكّنت من بدء المشروع ، حيث يذهب نصف الدخل لصالح صندوق سرطان الطفولة. الفساتين التي أُُخيطها تخضع لمنهجيّة الاستدامة. والآن، بدأت في خياطة ملابس الخريف و الملابس الواقية من المطر، حيث يمكن قلبها

على وجهها الداخليّ لتبدو قطعة مختلفة، كما بالمقدور إطالة الأكمام بما يتناسب ونمو الأطفال. أريدها أن تتناسب مع أحجام عدّة، وأن تدوم لفترة أطول.

يُفضّل مُستهلك اليوم بوعيه الجودة على التصميم، إذا كان عليه الاختيار بينهما .. مقياس الجودة يرتبط غالباً بالاستدامة، أي أنً على المُنتَج أن يحتفظ بمواصفاته الأصليّة على المدى الطويل، فلا يحتاج المُستهلك إلى استبداله أو رميه بعد فترة قصيرة من الاستخدام.

ما أنتجتُه خلال السنوات العشرين الأخيرة ، مما يمكن تسميته ب fast fashion، لم يكن ُمتمتّعاً بصفة الاستدامة، فكان ُمنتجاً استهلاكيّاً جدّاً ، بحيث يتمّ رميه وشراء غيره بعد فترة وجيزة ، الأمر الذي أدّى إلى حدوث مُشكلة تراكم نفايات من الأقمشة المصنوعة من الألياف الصناعيّة غير القابلة للتّحلّل .. تنبّهت كُبرى شركات الملابس الاستهلاكيّة إلى هذه المُشكلة، و تبنّت توجُّهاً جديداً للعمل على تخفيف تراكم نفايات مُنتجاتها ، وذلك عن طريق استعادة ملابس ماركاتها التالفة من المُشتري، وإعادة تدويرها وتصنيعها بعد إتلافها… لكن هذا لم يكن كافياً للكثيرين، لضمان الجودة والاستدامة المطلوبتين، فماذا عن تدوير الملابس قبل إتلافها؟! ولا نقصد بذلك إعادة بيع الملابس المُستعملة فقط بل تغيير الملابس والأقمشة التي ما زالت مُحافظة على جودتها ، وتحويلّها إلى مُنتج جديد بالكامل .. هذا الاتجاه الجديد لاقى صدىً طيّباً خلال السنوات الأخيرة، وذلك على خلفية البحث الدائم عن الاستدامة وتخفيف خطر تلّوث المياه العذبة بالكيميائيّات التي تُستخدم في الصناعة، والمياه المالحة التي تنقل السفن بحمولتها الضخمة من أقاصي الأرض، حيث تتوافر اليد العاملة الرخيصة، إلى أسواق أوروبا وأميركا. إنّ عملية إعادة تدوير الملابس upcycling لا تتطلّب عملاً يدوياً حرفيّاً فقط، بل وجمالياً يتمّ تنفيذه غالباً في مشاغل محليّة تجمع ببن ظهرانيها عدداً من الخيّاطات والخيّاطين الذين يقومون بالعمل والإشراف على كلّ قطعة على حدى ، بدءاً من التصميم وحتى آخر درزة .. وبهذا، يضمن هذا النوع من الأعمال، لاحماية الأرض من تبعات الإنتاج المتعسف فقط، وإنّما الحفاظ على مهنة الخياطة ومُزاوليها المحليّين أيضاً، يُضاف إلى ذلك إنتاج قطع مُميّزة وفريدة لا تُشبه غيرها على الإطلاق …

إليكم بعض الأمثلة عن شركات اعتمدت هذا النوع من العمل ، وحققّت نجاحاً عالميّاً :

http://www.aluc.eu Aluc

Manomama http://www.manomama.de

SuperFashion Rainbow Camp superfashionrainbowcamp.de/

Water to Wine berliner-stadtmission.de/water-to-wine/

milch.tm/milch-boutique/ Milch

المطلوب توافر رؤية مُشتركَة ، إذا أردنا النجاح في تغيّير ثقافة الاستهلاك. يُمكننا الاجتماع معاً، لخلق ما يكفي من الحركة لتغيّير الطريقة التي نعيش وفقّها، إذا فهمنا فقط ما هو على المحكّ. الوعي آخذٌ بالازدياد، لكنّه غير كاف ِ دائماً. يبدو أنّ انعدام الأمن الاقتصاديّ، والخوف من البطالة والمشاكل الصحيّة يُهيمن على تفكيرنا، ويُثير مخاوفنا الآنيّة ، لذلك دعوّنا نختبر أنفسنا مع كلّ قرار نتّخذه عندما نشتري مُنتجاً! ولنسأل أنفسنا هل يُمكننا إعادة تدوير ما اعتدنا على شرائه ؟ هل يُمكننا البحث في السوق عن ما هو قديم ومناسب لفكرتنا الخاصّة بإعادة التدوير؟

بقلم الفريق المؤسس ل آينيسيس

تدقيق لغوي: الاستاذة أميمة ابراهيم

الطاقة الشمسية و الكهروضوئية


تُعدّ الطاقة الشمسية إحدى أنواع الطاقات المُنتجة لعصب الحياة (الكهرباء)، والتي شاعت تحت مُسمّى الطاقات البديلة لأشكال الطاقة التقليدية كالنفط والغاز، وفي بعض البلدان الطاقة النوويّة. لكن يختلف الأمر بالنسبة للبلدان النامية، حيث يصحّ تسمية هذه الأشكال الجديدة من الطاقة بالطاقة المُساعدة، ذلك أنّها غير قادرة بسبب الظروف الصعبة المحيطة، أن تكون بديلاً كاملاً عن النفط والغاز، على الأقل في المدى المنظور والمتوسط، هذا يُدلل على أهمية السير بهذا الطريق لخلق طاقات مُساعدة ومتنوّعة من أجل تقليص الاعتماد على مصادر لاتزال السبب في خوض حروب إقليميّة ودولية باهظة الكُلفة على مستهلك الطاقة الأخير، أي المواطن

عندما يتعلّق الأمر بالطاقة الشمسيّة، فإنّنا نرى توافر الفرص لأيّ دولة في ثلاثة مجالات رئيسيّة : حقول شمسيّة واسعة النطاق، تطبيق الطاقة الشمسيّة اللامركزيّة والعملاء من القطاع الخاص الذين يقومون بتركيب الألواح الشمسيّة على أسطح منازلهم. هناك طرقٌ مُختلفة لمساعدة المواطنين على هذا الانتقال إلى مشهد طاقة أكثر لامركزيّة و إتاحة الفرصة لإنتاج الكهرباء المُتجدّدة الخاصّة بهم

حقول شمسيّة واسعة النطاق

تتمثّل الفرصة الأولى في تطوير حقول كهروضوئيّة واسعة النطاق، خاصةً وأنّه يمكن الاستفادة من الوضع الحاليّ حيث تتوافر النيّة للقيام  بإعادة الإعمار، و تمكين البنيّة التحتيّة الحاليّة بما يتناسب و إيجاد  حقول كهروضوئيّة، من الأمثلة على ذلك حقول الطاقة الشمسيّة ٥ ميغا واط في مزرعة الرياح پارك ساينوغ في ويلز، والتي أصبحت  في عام 2017 جاهزة للعمل

مثال آخر هو تطوير حقول هارينغڤليت في هولندا، وهي حديقة هجينة للطاقة المُتجددة حيث يتّم تطوير ستة توربينات رياح وألواح شمسية وبطارية معاً، وربطها بالشبكة عبر نفس الوصلة، وقد تمّ تشغيل هذه الحقول المُختلطة للطاقة المُتجدّدة في عام 2020

مثال أخر من بولندا، حيث تمّ إنشاء طريق للدرّاجات الهوائيّة وغيرها، يعتمد على مبدأ تخزين الطاقة الشمسيّة وتحويلها لمصدر إنارة بلون أزرق ناعم خفيف وكافٍ لإنارة الطريق ل10 ساعات

إنتاج الطاقة اللامركزيّ

بالإضافة للاستثمار في الطاقة الشمسيّة على نطاق واسع، تستطيع الدول بمؤسساتها الخاصّة بإنتاج الطاقة، تسهيل إنتاج الطاقة اللامركزيّة على مستوى الاستهلاك للعملاء من الأفراد والشركات، الأمر الذي سيخلق خدمات طاقة جديدة حيث تُقدّم الدول حلولاً تلبي احتياجات العملاء وتُمكّنهم من إنتاج واستهلاك كهرباء عبر الخلايا الشمسية الخاصة بهم

العملاء ينتجون الكهرباء الخاصّة بهم

اعتماداً على الألواح المحليّة، ويمكن دمج أنظمة التخزين المنزليّة مع أنظمة الألواح الشمسيّة، الأمر الذي سيُقلّل من استخدام الكهرباء اعتماداً الشبكة بأكثر من 30٪ غالباً، ومن هنا أصبحت مؤسسات الدولة الخاصّة بإنتاج الطاقة في البلدان الأوربية لاعباً مُهمّاً في مجال مُساعدة عملائها المحلييّن على إنتاج الكهرباء المّتجدّدة الخاصّة بهم مباشرة من خلال أسطح منازلهم، وذلك عبر ارشادات و نصائح يتّبعونها لاختيار أنظمة الألواح الصحيحة

تنمية إنتاج الطاقة الشمسيّة

في عام 2017، تم تركيب ألواح تُنتج أكثر من 100 غيغا واط من الطاقة الشمسيّة حول العالم، حيث أصبح إنتاج الكهرباء يعتمد على  حصّة مُتزايدة من الطاقة الشمسيّة. و هذا أمر مُبَشِّر لإنّه يُشير إلى توافر خبرات و نتائج نستطيع الاستفادة منها عمليّاً لا نظريّاً فقط، وذلك عبر زيارات استطلاعيّة و بحثيّة لأماكن تواجد تلك التجارب مثلاً

كيف تُؤثر الطاقة الشمسيّة على البيئة ؟

ينشأ التأثير البيئي، بشكل أساسي، عند تصنيع الألواح الشمسيّة، فتشغيل محطات الطاقة الشمسيّة خالٍ من الانبعاثات، وبالتالي فإن إنتاج الألواح وزيادة الاعتماد على الطاقة المُتجدّدة سيؤدي إلى تأثير  أقل سلبيّة على البيئة، ولكن يوجد أيضاً استخدام للموارد أكثر كفاءة وعمليات إنتاج أكثر جودة، وكمثال على أسلوب و طريقة يعتمدها خبراء ناجحين في مجال إنتاج الطاقة الشمسية، قيامهم بدراسة وتحليل دورة الحياة، وذلك لمراقبة الجوانب والآثار البيئيّة للطاقة الشمسيّة، ما يمنحنا بيانات بيئيّة لكل من الأنظمة الكهروضوئيّة الحاليّة للاستخدام الخاص والمُتغيّرات واسعة النطاق

لذلك ينبغي على كلّ مؤسسة معنية بإنتاج الطاقة في أيّ دولة  أن تضع العديد من الشروط الصارمة لدى اختيار مُورّدي الألواح الشمسيّة والمُحوّلات. إن التشديد على المُطالبة بالجودة والديمومة هو أحد تلك الشروط، وينطبق الشيء نفسه على الظروف التجاريّة والقانونيّة. يجب على المُورّدين الامتثال لقواعد السلوك الأخلاقيّة الخاصّة والتي تضمنها الدولة لمواطنيها و شركاتها أيضاً

إنّ اعتماد الطاقة المُتجدّدة كمصدر لتوليد الطاقة على نطاق واسع، مطلوب لتحقيق هدف البيئة النظيفة، و تحقيقه يتطلب توافر مساحات واسعة، سواء على الأرض أو في البحر

تتناوب الألواح الشمسية وخطوط الزراعة – مثال من هولندا

– يتكوّن الحقل من صفوف من الألواح الشمسيّة تتخلّلها خطوط مزروعة بمحاصيل مختلفة ، تعتمد أسلوب الزراعة العضويّة، الأمر الذي يعني تركيب ألواح الشمسيّة بعدد أقل بكثير من المعتاد لكل هكتار ، كما تقول آن ماري شوتين ، رئيسة قسم تطوير الطاقة الشمسيّة في هولندا. نحن نستخدم الألواح الشمسيّة من كِلا الوجهين للتأكّد من الاستفادة الكاملة والكافية من مصدر الضوء . يلتقطون الضوء المُنعكس من التربة والمحاصيل والصفوف المُجاورة، ويستخدمونه لإنتاج الطاقة الشمسيّة، بالإضافة إلى ذلك، يتمّ تدوير الألواح بحيث تتبع أشعة الشمس، ما يؤدي إلى تعاظم الإنتاج. من المُتوقع أن تبلغ سعة الحقول 0.7 ميغا واط

تتبّع الشمس

خلال أربع سنوات من المشروع سيمبزون الهولندي المذكور اعلاه، تمّ تطوير خوارزميّة لتتبّع الطاقة الشمسيّة، وذلك من قبل منظمة الابتكار، والغرض من ذلك هو متابعة الإنتاج الزراعي وإنتاج الطاقة ودراسة تأثير خطوط الزراعة والتنبّؤات الجويّة ( التغيّرات المناخية ) وأسعار الطاقة وظروف التربة، وإذا أمكن، سيتمّ تحسين الخوارزميّات بالتعاون مع الشركة السويدية الوطنية لإنتاج الطاقة ڤاتينفال مع آيريس هوغيسكول 

بالإضافة إلى ذلك، تتمّ مراقبة تأثير نظام التتبّع الشمسيّ على المحاصيل والأمراض وقابلية استخدام المزارع من قبل آيريس هوغسكول، أكبر مزرعة عضويّة في هولندا، و هيموس، وهي مؤسّسة تعمل من أجل الانتقال إلى الزراعة التي تأخذ حماية البيئة في عين الاعتبار أكثر . يتمتّع الطرفان بخبرة واسعة، بالفعل، في مجال زراعة الخطوط

الطاقة الشمسيّة في مجال انتاج الوقود

حقّقت الصين ابتكاراً مُذهلاً وذلك بتحويل الطاقة الشمسيّة إلى وقود سائل، من خلال مشروع يُنتج منتجاً سائلًا يحتوي على 99.5٪ من الميثانول ، وفقًا للتلفزيون الصيني. النجاح،الذي تحقّق في يناير عام 2020 ، وحصل مُؤخرًا على تغطية الاعلامية، هو المحاولة الأولى، على النطاق العالمي،  للتجميع المباشر للوقود الشمسيّ. وقال التقرير، نقلاً عن خبراء، أنّ المشروع، إذا تمّ تشغيله بكامل طاقته، يُمكنه إنتاج 1500 طن من الميثانول سنويّاً، وأنّه يستهلك 2000 طن من ثاني أُكسيد الكربون ويُولّد 15 مليون كيلوواط / ساعي من الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسيّة

والجدير بالذكر أنّ الطاقة الإنتاجيّة السنويّة للميثانول ، تبلغ في الصين حوالي 80 مليون طن، وفي عام 2019، شكّلت انبعاثات ثاني أُكسيد الكربون من الصين  29 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية.  إذا تمّ استخدام الوقود الشمسيّ لتصنيع الميثانول، فيُمكن تقليل انبعاثات مئات الملايين من الأطنان من ثاني أكسيد الكربون كل عام

بعد هذه الجولة السريعة والبسيطة حول العالم، والتي تناولت مجال تطوير استخدام الطاقة الشمسيّة، يهمّنا كفريق آينيسيس أنّ نُشدّد على أهمية حوكمة الدولة لهذا القطاع، و تعاونها مع القطاع الخاص بحيث تُقدّم للمواطنين أفضل الأنظمة، و تمنع  توريد الألواح الرديئة

فعندما تحتكم الدولة إلى القانون في مجال إنتاج الطاقة، تستطيع  تقديم الخيارات الأفضل للسوق الوطنيّة، و تعطي الخيارات الصحيحة للمواطن،  مما يُعزّز الثقة بين الحكومة و المواطن، ويمنع السوق الفاسدة من خداع المواطن و هدرالمال العام،  بالإضافة لحماية المستهلك

هذا ويجب التنويه إلى أن الخبراء في مجال الطاقات المتجددة يتضاربون بآرائهم حول جدوى الإنتقال المباشر والسريع من استخدامات أنواع الطاقة التقليدية إلى الطاقات المتجددة على اعتبار أن الثانية تستخدم الأولى في دورتها الإنتاجية (تصنيع البطاريات، والألواح وغير ذلك من المواد التي يجب تصنيعها بالمعامل والتقنيات المعهودة). هذا يعني أن الجدوى البيئية قد تكون غير مثبتة بشكل كامل وعلى المدى الطويل

دمتم و دامت سوريا بكلّ خير

الفريق المُؤسّس لآينيسيس

تدقيق لغوي: الاستاذة أميمة ابراهيم

ماذا عن المهارة السورية بالنفخ في الزجاج؟

قد انتابتني السعادة وغمرني شعور بالفخر كسورية عندما قرأت في عدة مجلات علمية خاصة بصناعة الزجاج السويدي، ذلك أن موطن حرفة صناعة الزجاج الأول هو سوريا. وهو ما شجعني للقيام برحلة سياحية لمنطقة مشهورة بمعامل صناعة الحرف اليدوية للزجاج على الطريقة السورية الأولى (النفخ في الزجاج)، في مقاطعة سمولاند. في سمولاند، المجتمع الذي بُنيت فيه هذه الحرفة و توسعت اكتسبت إسم مملكة الزجاج، فيها أقدم معمل لصناعة الزجاج في السويد “كوستابودا” ولا تزال تستخدم الطريقة الحرفية اليدوية الأولى. المنطقة واسعة تقع في جنوب وسط السويد غنية بالبحيرات و رمالها و غاباتها التي استغلت منذ القدم لصناعة الزجاج كما قام سكانها على استغلال الطبيعة و شلالات المياه فيها لتوليد الطاقة للمعامل فيها.

فكرة بناء معمل صناعة الزجاج بالنفخ تبلورت في عام 1736.. بعد استكمال شروط البناء و الموافقات نشأ أول مصنع في السويد عام 1742.  تستمر هذه الصناعة حتى يومنا هذا بالتوسع  و يصل عدد زوارها الى مليون زائر سنوياً فقط في فصل الصيف. عند زيارتك للمنطقة التي يقع فيها المعمل تستطيع زيارة المعمل الأول وفيه قسم يعد كمتحف لاولي الادوات و المكاتب التي تم استخدامها و للزجاج المصنوع.  تستطيع زيارته دون آجر.ولمن يرغب من الزوار بمعرفة أعمق  يستطيع حجز موعد مخصص  لجولة معرفية حيّة داخل المعمل مقابل دفع أجر بسيط.  يرافقك في الجولة مرشد/ة سياحية تتلو عليك معلومات غنية عن تاريخ المعمل و طريقة عملهم، بينما أنت تستمتع أثناءها في مشاهدة حية لصنع قطعة زجاجية من بداية  مراحلها وحتى نهايتها ( انظر الى الصور المرفقة) .  في قسم أخر تستطيع أيضاً حجز موعد خاص لك مقابل أجر لتتعلّم قليلاً مبادئ الحرفة و تجرّب بنفسك يوماً أو يومين صنع الزجاج كنوع من الاستجمام و صناعة الفن و ربما تتشجع على دخول مدرسة مهنية لتتعلم الحرفة فعلاً.  و لمَ  لا؟!  ففي السويد يوجد ثانوية لتعليم حرفة صناعة الزجاج و فنّه.. تستطيع أيضاً حجز ساعة مقابل أجر لصنع قطعة زجاجية تحت إشراف و مساعدة أحد الحرفيين و تنفخ زجاجتك بنفسك و تشكل الشكل الذي يروق لك لتأخذ لاحقاً قطعتك الفنية التي صنعتها كذكرى من هذه الزيارة.. كنت ارى العائلات و الأطفال خاصة يستمتعون في هذه المشاركة وأعلم أن الأجور التي دفعوها تدعم الحرفة و نقابة الحرفيين و تسعد الزوار لتقرّبهم من منتجات بلدهم للحفاظ على إرثهم الوطني.. وإلى نفس المساحة الجغرافية في سمولاند  تستطيع الدخول دون أجر لمشاهدة غاليري يُقام فيها على الدوام عروض اعمال فنية لفناني الزجاج السويدين

في نفس المنطقة و التي كانت مجتمع وقرية صغيرة و بسيطة تحوّلت الى اجمل مكان سياحي يكتظ بالأفكار الجميلة التي تستثمر المكان لدعم الحرفة. فهناك محلات لبيع الزجاج بأسعار منافسة  لباقي الأسواق في المدن السويدية وهناك سفاري بالقرب منها تقصده العائلات التي تود  ترفيه أطفالها و التعرّف على حيوانات الغابة عن قرب في نفس وقت زيارة معامل الزجاج و هناك هوتيل كل مافيه من الزجاج و كأنك تسكن في غرف زجاجية و إقامته مميزة و جميلة. إضافة إلى محلات أخرى افتتحت لتعرض منتجاتها بأرخص من باقي المدن، كعامل جذب للزوار الذين سيشترون منتج المنطقة بسعر أقل من بقية الأسواق مما يوفّر على الزائر و تمنحه مكسب أكبر من خلال زيارته للمعمل

تحدثنا المقالات المعرفية كما  شرحت أيضاً لنا المرشدة السياحية هناك، أنه أثناء الثورة الصناعية و دخول معامل اوتوماتيكية لصناعة الزجاج تراجعت الحرفة صناعة الزجاج، كما غيرها من الحرف التي تتطلب جهداً و وقتاً للصناعة. فكان الزجاج الصناعي أرخص. هذا دفع نقابة الحرفيين بالتعاون مع الدولة على ايجاد افكار ابتكارية لدعم الحرفة واستمرارها لتنافس الصناعي. فجلبوا فنانين مشهورين من بلدهم و أعطوهم مهمة خلق أساليب جديدة لتقوية هذه الحرفة فقام هؤلاء الفنانون بوضع رسمهم على الزجاج و توقيعهم وخلق أشكال و صناعات تدخل في منتجات جديدة مما ساعد على خلق لهفة عند الشعب لاقتناء هذه المنتجات و منها ما أصبح سعره مقبولاً لاقتنائه  في منزل سويدي بسيط 

طوال زيارتي هناك سكنني تساؤل تلقائي عن وضع هذه الحرفة في بلدي الأم  وكيفية انتشارها و الدعم القائم لها. خاصة ان ذاكرتي عنها لا تحمل الا صور الزجاج المنتشر في الأسواق من الصناعة المستوردة أو الخزفيات التي تُعرَض في اماكن الخمس نجوم التي يرتادها السياح، وقد يقتنون منها ربما قطعة زجاجية سورية للذكرى، فسارعت عند عودتي لقراءة و معرفة المزيد عن هذه الحرفة في سوريا! ا

صدمت  عندما علمت أنه لا توجد في سوريا الا عائلة واحد من ثلاث إخوة  تعمل في مشغلها القائم في أطراف دمشق الشرقية، في خان الزجاج. عائلة الحلاق هي العائلة الوحيدة التي بقيت تتوارث  هذه المهنة وهي  تصارع اليوم لبقائها بالرغم أن أطفالهم يرفضون تعلمها، فهي لم تعد مجدية مادياً

صحيح أن الحرب على سوريا دفعت هذه المهنة للتراجع لعدم توفّرالطلبات الكافية. و لكن الحقيقة ايضاً أن هذه الحرفة أُهملت تماما حتى قبل الحرب ولم تتلقِ الدعم الكافي الذي يضمن استمرارها او تنشيطها و توسعها.. هناك الكثير من التصريحات التي نقرأها في الصحف السورية المحلية أو من تصريحات المسؤولين في وزارة الصناعة خلال فترة الحرب واليوم تتحدث عن اهتمام  الحكومة بدعم الصناعة و الحرف اليدوية و لكن بالرغم من كل هذه التصريحات لم تلمس  صناعة الزجاج التقليدي أي دعم او تطوير ولا حتى الآلي الذي أصبح الآن  يطالب الوزارة في تسهيل عملية استيراد الزجاج للصناعة.. أتوقف هنا و أتساءل أين تذهب نفايات الزجاج إن لا تُستثمر في إعادة تدويرها و تساهم في صناعة الزجاج؟ و ماذا  ينقص بلد كسوريا لإحياء صناعة الزجاج الحرفية و استثمار الخبرات السورية لتزدهر هذه الحرفة و تنافس الزجاج العالمي مجدداً، و تنشط السياحة الداخلية والخارجية للقدوم الى ورشات الزجاج كما السويد؟

و عند سؤال السيد “طلال معلا”، وهو الفنان التشكيلي والباحث في الجماليات، اضافة الى نجاحه في تسجيل تراث مسرح الظل في منظمة اليونيسكو باسم سوريا بدعم من الأمانة السورية للتنمية، عن حال هذه الحرفة و كيفية توثيقها و الحفاظ عليها كما فعلو مع مسرح الظلّ، أضاف: حاولت كثيراً الالتفات لدعم صناعة الزجاج اليدوي بإعادة تشغيل أفران التكية السليمانية وتم وضع مخططات لمشروع متكامل للتشغيل لكامل المنطقة بما فيها الصناعات الزجاجية اليدوية لكن عوامل كثيرة حالت دون تحقيق المشروع ليست الحرب اولها ولا التشريعات آخرها.  لقد هجر المهنيون مواقعهم للعمل في لبنان (صيدا) ومواقع أخرى لعدم وجود سوق لبيع المنتجات في سوريا مع توقف الحركة السياحية وبفعل الحصار الاقتصادي … الخ

القصة تمتد لمحاولات إيجاد قوانين تحمي الحرفيين، وخاصة المهن التراثية والثقافية، وقد أنجزنا جزءاً هاماً  فيها لكنها لم تعتمد لعدم صدور قانون التراث الثقافي الجديد الذي عملنا عليه لسنوات

و لهذا تتراكب فان عوامل كثيرة في عمليات صون هذه المهن والحرف التقليدية وقد اشرت أنتِ الى ان الامر يحتاج الى توثيق و تسجيل الحرفة في اليونيسكو كما قمنا به في خيال الظل، فالعملية متكاملة لنقل المهنة من جيل الى جيل بأسلوب معاصر وضرورة دعم المتدربين لايجاد محترفاتهم من جهة، وتحقيق اسواق لمنتجاتهم التي لابد ان تأخذ لمسات عصرية

أن تنمية جزئية لموارد التراث الثقافي الوطني لاتكون ناجعة إلا في إطار سياسة ثقافية واضحة تركز على استثمار التراث الثقافي دون الإخلال بأصالته وقيمته الإنسانية والمجتمعية، فحرفة الزجاج اليدوي مرتبطة بمجاوراتها من الحرف والمهن الثقافية واذا كان قد تم تحويل اساليب استثمار الزجاج اليدوي من مكمل جمالي وثقافي واجتماعي الى كماليات تزيينية، فإن ذلك يقتضي التعمق في دراسة الموقع التنموي الذي يمكن ان تشغله هذه الحرفة على المستوى الإبداعي وضرورة الربط بينها وبين مهن صاعدة ومؤثرة كالتصميم الفني والمعماري وسواهما من مجالات استخدام المتج وابتكار أسواق معاصرة داخل البلاد وخارجها.. كما ان الربط بينها وبين حرف تزيينية أخرى يجري استخدامها في الديكورات كالعجمي والتصديف والمحفورات الخشبية وسواها من الحرف التراثية التي تعاني هي الأخرى من الهجرة والنزوح، ستشكل النظرة الرشيدة للسياسة الثقافية التي يمكن أن  توليها وزارة الثقافة طريقاً مهماً لاقتراح صون هذه المهن التراثية وطنياً قبل وصولها الى الصون العاجل في اليونسكو أو سواها

أصل صناعة الزجاج

في البداية تم استخدامه للزخرفة و للأعمال الفنية. و وفقاً لما دوّنه المؤرخ الروماني القديم، بليني الأكبر، فإن التجار الفينيقيين إكتشفوا مرّة عندما رست سفينة لهم محملة بالنيتروم على الشاطئ السوري وقاموا باستخدام كتل النيتروم لدعم أواني الطعام أثناء طهي طعامهم و إشعال النار من تحتها. دمجت النار النيتروم بالرمال و تدفق سائل شفاف تحوّل الى زجاج عندما برد

تقول مصادر أخرى أن مصر آيضاً دولة أخرى اشتهرت فيها صناعة الزجاج في وقت مبكر، يُعتقد أنّ أقدم جسم زجاجي تمّ إنشاؤه حوالي (3500) قبل الميلاد في مصر وشرق بلاد ما بين النهرين، أقدم عينات الزجاج من مصر وتعود إلى (2000) قبل الميلاد، في عام 1500 قبل الميلاد، كانت الصناعة راسخة في مصر، بعد 1200 قبل الميلاد تعلّم المصريون ضغط الزجاج في قوالب.

في القرن الأول الميلادي اكتشف السوريون أن الزجاج يمكن تشكيله بالنفخ في أنبوب نفخ زجاجي مجوف. مما ينتج عنه بهذه الطريقة كميات كبيرة من الزجاج الشفاف

 بما أن سوريا كانت تنتمي آنذاك إلى الإمبراطورية الرومانية،  انتشر فن نفخ الزجاج أيضاً من خلالها في أوروبا.  تم استخدام الزجاج في أهم المباني في روما وفي الفيلات الفاخرة في بومبي.  حتى العصور الوسطى، كان الزجاج يستخدم بشكل رئيسي في الكنائس والقصور.  في وقت لاحق ، تم استخدام النوافذ الزجاجية أيضًا في المباني العامة والنزل والمنازل التابعة للمواطنين الأثرياء

بقلم السيدة: فاديا رستم

تدقيق لغوي: أميمة ابراهيم

إنتِ من وين؟؟

مع كل مرة كُنت أُسأل هذا السؤال اتذكر سكيتش غنائي لفيروز في مسرحية جبل الصوان تقول فيه فيروز

بيضلوا يسألوك إنت شو إسمك؟

بتقلن إسمي فلان

ما فيك تكون بلا إسم

بيضلوا يسألوك إنت منين؟

بدك تقول منين

ما فيك تكون مش من مطرح

كانت هذه الأغنية تراودني و أبتسم مفاخرة بالجواب

!أنا من سوريا

بتُّ أدرك تماماً ما يرمون إليه عبر سؤالهم هذا، وأتقصّد من خلال جوابي، لفت انتباههم و إمهالهم، لبرهة من الوقت، ليفكروا بما أقول

نعم من سوريا! فلست أنتمي لقرية، قبيلة، أو مدينة، ولا حتى مدينة أبي، لأنّ لي أمّاً أفتخر بوجودها ككيان هام و أصيل ساهم مع أبي في تكويني، بل ربما لها الفضل الأكبر في ذلك، فأنا أنثى مثلها

فما الذي يدعوني للتعصّب لنسب أبي وطرح نسبها جانباً ؟ و لماذا أتعصّب لانتماء والديَّ و تأثير المدارس و المدن التي عشت فيها عليّ، كان أعظم من تأثير أهلي ؟

لم أتعمق يوماً ولم يشغلني هاجس السؤال الذي دأب السويديّون على طرحه عليّ، منذ بدأت غربتي بعمر صغير (١٩ عام) : من أين أنتِ؟ فالجواب كان سهلاً جداً وبديهياً إنّني من سوريا.. و هل هناك أجمل من جواب ينطلق تلقائياً بكل سلاسة دون حاجة للتفكير فيه، أنا لست من السويد إنّما أنا من سوريا

 بعد إنقضاء بضع سنوات في الغربة، بدأ بعض شعور بالغرابة بالتسلّل إلى نفسي خلال زياراتي للوطن، بدأت ألحظ استغراب البعض من بساطة واختلاف ملبسي، أو من سذاجة أسئلتي -حسب رأيهم- ، حين يبادرني سائلاً : من وين إنتِ؟ 

و كأنّها محاولة لتنبيهي إلى أنّني لا أنتمي إلى هنا …أيّا كان ما يقصده ب “هنا”، فكان الأمر يلتبس عليّ وأبدأ بالتشكّك… ؟ 

هل بت ّلا أنتمي لسوريا حقّاً ؟ 

وهل بدأ أثر البلد الآخر بالظهور عليّ، بشكل  أشدّ  وضوحاً، من أثر سوريتي! ؟ 

عندما كنت أسأل أصدقائي في السويد ذات السؤال، كانت الإجابة تأتي، غالباً، ذاكرة المدينة التي وُلِدوا أو تلك التي عاشوا فيها طفولتهم.. حتى ولو كان أهلهم موُلِدين في مدينة غيرها

عندما انتقلت مع طفلتي الأولى الى مدينة أخرى، وذلك لمباشرة العمل بأولى وظائفي الثابتة، كان زملاء طفلتي الجدد في المدرسة، يتعرفون على بعضهم البعض و يسأل كلٌّ منهم الآخر من أين أنت ؟ كان كل طفل يذكر اسم مدينته التي وُلِد فيها، و يتمازحون قائلين ( واضح من اللهجة ) مُلقين الدعابات حول لهجات بعضهم.. لم يسألها طفل من أين أنتِ أصلاً، بسبب لونها أو شكلها الذي يشي بأنّها ليست سويدية، لم يسألها أحد أو يهتمّ بأصل أبويها، لم يهتموا لنسبها لأنهم أبرياء التفكير و السريرة، و هذا ما يعمل الأهل على الحفاظ عليه تحديداً، وذلك منعاً من خلق حالة تفكّك في المجتمع. فالصديقة الجديدة هي كما هي إنسانة لها هويتها الخاصّة، و ستنضمّ إلى ذات المدرسة و تأخذ نفس الدروس، و هذا مايهمّهم .

توارت آثار السؤال الغريب إيّاه مع استقراري في المكان، وازدياد الوعيّ المدعوم بالتقدم في السّن … واستمر ذلك  لفترة طويلة، ولم أكد أرفل في نعيم الاعتقاد بأنّ المراحل الهادئة للتأمّل و التعمّق في الحياة قد حانت، حتي بدأت الحرب في سوريا، وحَملت إليّنا فيما حَملَت، صغائر لم يكن في الحسبان أنّها جديرة بالتعمّق بالتفكير، خاصّة بظروف الحرب العصيبة من تدمير وتشرّد وتيه وضياع انتماء

وعاد ذاك السؤال ليُطرح عليّ من جديد، لكن هذه المرّة، كان مطروحاً من السوريّين أنفسهم

 من وين إنتِ ؟ و كنت أجيبهم كالعادة، أنا من سوريا، وفي خضمّ إعادتهم لطرح السؤال، مع إصرارهم على استحصال بعض التفاصيل أو الكثير منها، عبر عبارات من نوع : منعرف إنّك من سوريا قصدي أبوكي من وين ؟ أصلك أصلك من وين؟ شو خايفة ندبحك إذا عرفنا إنتِ من وين؟ ماحدا رح يوصلّك إنتِ بالسويد ؟ جزعتُ

فقد تكشّف لي أنّ الكثير من الخوف، بات يُسيطرعلى حياة أبناء بلدي حتى وهم خارج حدوده، وأنّ ما عانوه في هذه الحرب البغيضة، التي ارتدت أثواب كل الحروب التي خيضت على مرّ التاريخ، قد لا يزول بسهولة، ولست أُنكر أنّ التاريخ قد حمّل هذه المنطقة ما لا تُطيق من بطش الحروب وصنٌاعها.. فكانت ذاكرة التاريخ الأسود تُعيد نقل ذات المشاهد في كل حرب، ناشرة الخوف ذاته 

ومع تيقُّني وعلمي بكل هذا… إلّا أنّني، وفي لحظة إجابتي عن السؤال حول انتمائي، كنت أطرد عتمة التاريخ من رأسي و أُجيب بما يتماشى مع قناعاتي و مبادئي، وقد يكون مردّ ذلك محاولتي الحثيثة دعوة السائل للتفكير خارج الصندوق .. إيّاكم والانصياع لضيق الأفق، الذي حُمِلتُم عليه بحكم كل ما يُحيط بتلك البقعة، ودعوا الإرث الأسود ليندثر.. تعلّموا الانفتاح على الحياة والمستقبل جميعاً، وتشبّثوا بما يُغني عقولكم وأرواحكم

تعلّمت، في سنيّ غربتي، كيف أصنع نفسي وأُعيد صياغة هويتي …. من   دراستي، إلى المجتمعات المختلفة التي عِشت فيها فأثّرت بي وأثّرت بها كذلك، فقراءاتي و اختلاطي بجنسيات وقوميات عديدة ومختلفة، وصولاً إلى عملي و خبراتي، تربيتي لأطفالي ….إلخ

هويتي أنا من يصنعُها، و ثقافتي هي هويتي

لا أعلم أين ومتى تحديداً، بدأت بعض الثقافات بربط هوية الطفل وتقيّيدها بهوية الأب

هويتي مطبوعة بأثر ذاكرتي وذكرياتها التي لا تُمحى، تلك التي أحملها معي أيّنما ذهبت وحيثما أقمت … فأنا أنتمي لمكان ولادتي و للنسيم المُحمّل بعبق الياسمين الدمشقيّ الذي تنشقته في بيتنا الشاميّ العتيق ؟ 

و أنتمي إلى حلب القلب التي نشأت و ترعرعت فيها، وكان لها الأثر الأكبر في تكوين شخصيتي حيث المجتمع الذي احتضن نشأتي، إذ غالبا ما يكون لذلك المجتمع الأثر الأكبر على الإنسان و تكوين هويته، وفقاً لعلماء الاجتماع

كلّنا يعلم أنّ لكلّ مدينة سوريّة خصائصها التي تسم بها أولادها بالإضافة إلى اللهجة

أنا لا لهجة محدّدة لي، أنا مزيج  سوريّ بامتياز .. والدي -الذي أُقدّس-حملت طباعه الكثير من طباع أبناء ساحلنا، وعاش، بحكم عمله ، مُتنقّلاً بين مختلف مدن سوريا، حيث اكتسب من خصال أهلها ما أحبّ وترك ما لم يتوافق وهواه، و أُميّ المولودة في زحلة، و التي عاشت بين حمص و حلب، ثمّ تنقّلت مع أبي وحلّت حيثما حلّ ..  ذلك التنوّع كان ما يُوجّهني منذ البداية، ومنه بدأت أتعلّم كيف يمكن للإنسان  أن يصنع هويته الخاصّة به دون الإلتصاق بجغرافيا منطقة مُعيّنة. فالإنسان نتاج مراحل عدّة و يحمل الوفاء و الإخلاص لكلّ بقعة عاش فيها، يُشبه في ذلك الأُمّ التي تُكِنّ الحبّ لجميع أطفالها بالتساوي غير قادرة على  تفضيل أحدهم على الآخر، فكلّهم أجزاء منها و تنتمي لهم مجتمعين، نضجت معهم وأصبحت  ماهي عليه بفضلهم جميعاً،  في سرّها فقط،  تعي حقيقة أن أحدهم يًشبهها إلى حدٍّ كبير، فلا تجعله الأثير عندها وإنّما تفخر بهذا التقارب والشبه … كما أفخر أنا، في جهري و في سرّي، بأنّ حلب هي طفلي الذي يُشبهني 

هويّتي هو ما حملته معي من عطرٍ سوريٍّ مُكثّف من كلّ مدينةٍ أحببتُها، و مزجّته بالمجتمع الجميل الذي كبرت فيه و اكتسبت أجمل خِصاله ..وما زلت اكتسب العطر وأنثره في محيطي يوماً إثر يوم ….! أليس أجمل جواب يُمكن أن يُقال بعد كل هذا الشرح أنّني ..من بلد الشبابيك المزروعة بالحبّ المفتوحة عالصدفة، من بلد الحكايات المحكيّة عالمجد المبنيّة عالإلفة ..بأنغام الرحابنة و شدوِّ فيروز ؟

هذه هي هويّتي

بقلم فاديا رستم

تدقيق لغوي: الاستاذة أميمة ابراهيم

اللوحات المرفقة ادناه للفنانة و المعلمة سلام برهوم

مبادئ و أدوات التطوير الإبتكاري و الإبداع الموجه-الجزء الثاني

تحدثنا في الجزء الأول عن أنماط منهجيّات التَّطوير بشكل عام، وعن المبادىء الرئيّسية لمنهجيّة التّطوير الإبتكاري والإبداع المُوجّّّه (سنسميها مجازاً “الإنوڤاتية “) بشكل خاصّ

نُتابع في هذا الجزء الكشف عن وسائل العمل بها، عبر استعراض أنواع المشاريع وخارطة الطريق لتنفيذها. لكن قبل هذا وذاك من الجدير اولاً الفصل بين خمس درجات أو مستويات للنتاج الفكري وذلك لصعوبة المسائل التي يمكن تناولها

   المستوى الأول – الحلول الظاهرية : حلول بسيطة لمسائل مُتكرّرة بطرق تقليديّة. 30% تقريباً من المجموع العام

  المستوى الثاني – التحسينات الثانوية : تصحيحات ثانوية لنظم موجودة باستخدام طُرق مُعتمدة في مجالات ما. 45% من المجموع العام

  المستوى الثالث – التحسينات الرئيسية : تحسينات رئيسية تمّ التوصّل إليها عبر حل التناقضات في أنظمة تقنية أو إدارية. 20% من المجموع العام

  المستوى الرابع – الحلول الجديدة: حلول اعتُمد في استخدامها على مبادىء علمية جديدة. حوالي 4% من المجموع العام
  المستوى الخامس – الإكتشافات : حلول ابتكاريّة أساسها اكتشافات علمية لم تكن معروفة من قبل. أقل من 1% من المجموع العام

تّحدّد هذه التصنيفات مدى الإمكانيات البشرية في مجال استخدام طُرق التحليل الإبتكارية (تتراوح على الأغلب بين المستويات 2-3-4). في يومنا هذا، تنبثق عملية الإنتاج الفكري من منطق تنفيذ مشاريع التطوير، بينما تتوزّع طرق وأدوات التحليل  بين مراحل تنفيذ هذه المشاريع. و كلما انتقلت من مستوى الى أخر تطلّب الامر معرفة اكبر وآليات ذهنية استثنائية. لهذا يجب فهم أنواع المشاريع الإنوڤاتية وخارطة الطريق المعتمدة فيها:

مشاريع حل المشكلات وإزالة العيوب

مشاريع تقليص التكلفة

مشاريع تقنية التوقعات

مشاريع الاستراتيجيات الإبتكارية

وغيرها…

تنفيذ أي نوع من هذه المشاريع يخضع لعملية تخطيط مسبق لطرق التحليل التي يتوجّب استخدامها، وتتوزع على مراحل دورة حياة المشروع، والتي تتألف بشكل عام من

مرحلة التحضير وجمع المُعطيات: في هذه المرحلة يجب تكوين صورة متكاملة عن دواعي وغايات طرح المسألة والمشروع. من خلالها يقوم المنفذون بسبر المعلومات المبدئية المرتبطة بالأطراف المعنية (Stakeholders) بنتائج تنفيذ المشروع. ولهذا الغرض، يجب تحضير واستخدام نماذج استبيان واستطلاع متخصصة بكل نوع من أنواع المشاريع، ومن المهم أن تتحقق في هذا العمل عوامل المصداقية والموضوعية  لأن تدقيق خارطة الطريق وأدوات المشروع الإنوڤاتي جزء لا يتجزأ من التنفيذ

يمكننا هنا استخدام عدد من أدوات جمع المعطيات وتحليلها، منها تحليل MPV والذي يعني تحصيل القيم الرئيسة للعوامل و المؤشرات المدروسة أثناء تطوير المنتجات أو الخدمات. هذه القيم تترتب بتسلسل هرمي وتمتلك تفرعاتها أوزان معينة، و تصبح فيما بعد دليلاً وأساساً مشتركاً لمُنفذّي المشروع والأطراف المعنية بنتائجه. لفهم أفضل عن كيفية العمل بهذه وغيرها من الأدوات سنخصص مقالات قادمة أخرى تحكي عن أمثلة حية تم تناولها في مشاريع سابقة.

مرحلة الدراسة التحليلية: هذه مرحلة واسعة وعميقة هدفها الوصول لمفاتيح أو جذور المسائل، والتي قد تختلف عن صياغتها الأولية مع بداية المشروع، مما يعني إعادة النظر وتغيير زاوية فهم المشاكل أو العقبات القائمة أمام الأطراف المعنية. كما ذكرنا في الجزء الأول من هذا المقال، فإن هذا يُعدّ أحد المبادىء التي تقوم عليها منهجية التطوير الإبتكاري (أو الإنوڤاتية) التي تمنح بعداً ومساحة جديدين في استخراج الحلول وتجاوز العوائق، كما يميز هذا النوع من مشاريع التطوير عن غيره. صياغة المشكلة بشكلها الصحيح كما نعلم، يعني قطع أكثر من نصف الطريق لحلّها

عدد كبير نسبياً من أدوات التحليل مُتاح أمام مُنفّذي  المشروع في هذه المرحلة وترتيب استخدامها يحدد الإختلاف الحقيقي بين أنواع المشاريع أعلاه، سنقوم بذكر بعض هذه الأدوات، تضم روابط تمكن القارىء من الإطلاع المفصل عليها

صياغة التناقضات الإدارية،،التقنية، الفيزيائية –

Contradictions formulation

تحليل مسببات العيوب

Cause-effect chains analysis

التحليل الوظيفي للنظم

Function modeling

تحليل التوجهات  –

Trends of evolution analysis

تحليل التيارات

Flows analysis

تحليل الموارد

Resources analysis

وغيرها…

3- مرحلة استخراج الحلول: تتبع أدواتها للنتائج التي تم التوصل إليها في المرحلة السابقة، ما يعني الإستخدام النوعي لأي من طرق استخراج الحلول بما يتناسب مع صياغة جذور المسائل. في أغلب الأحيان، يتم استخراج اتجاهات الحلول التي تولد الأفكار والتي تتحول بدورها  إلى صياغة حلول مدروسة وتفصيلية. الدراسة والتفصيل هنا، تعني صياغة المشاكل والعقبات الثانوية وحلها أيضاً، دون ترك مصيرها مجهولا” في أيدي الأطراف المعنية. مدى دراستها وتفصيلها يحدد مدى نجاحها في المرحلة القادمة. من هذه الأدوات نذكر

حل التناقضات

Contradictions solving

البحث الوظيفي

Function-oriented search

مقارنة الأنظمة والنقل التقني –

Benchmarking and Feature transfer

المشغل النظمي

System operator

وغيرها…

مرحلة تنفيذ الحلول: تتسم هذه المرحلة أيضاً بالإستبيانات المتخصصة عن آليات وجودة تنفيذ النتائج من تحاليل وحلول المراحل السابقة. يمكن أيضاًهنا تفعيل مشاريع أخرى قصيرة ومتعددة في إطار المشروع الأكبر. هذه المشاريع القصيرة تركز على دورة حياة التعامل مع المسائل الثانوية التي لا تقل أهميةً بالنسبة للأطراف المعنية

بهذا نكون قد استعرضنا بشكل سريع ومكثف أهم سمات المشاريع الإنوڤاتية وأدواتها، الأمر الذي يتيح للقارىء تشكيل انطباع مُبَسَّط مبسط عن مضمون أنشطة التطوير الإبتكاري والإبداع الموجه. لكن من أجل تفعيل الأدوار والإمكانيات في هذا الإتجاه، يجب ممارسة كل من أدوات التحليل المذكورة والتنقل بين المشاريع بأنواعها. لهذه الغاية، سيتمّ التّحضير لدورات تدريبيّة أونلاين من خلال مجموعة آينيسيس و كتابة مقالات تخصّصيّة لنقل هذه المعرفة واكتساب مهاراتها

i-NESIS

بقلم: الدكتور أحمد رامز قاسو

تدقيق لغوي: الأستاذة أميمة إبراهيم

مبادىء وأدوات التطوير الإبتكاري والإبداع الموجه – الجزء الأول

أعلى مراتب النشاط الفكري للإنسان في حياته اليومية هي الإبداع والإبتكار. في الماضي كانت هذه المرتبة حكراً على المواهب والعباقرة الذين دخلوا التاريخ بتميزهم. في أيامنا هذه أصبحت العملية الإبتكارية والإبداعية بمتناول اليد (في بعض الحالات تحتكرها الشركات) بفضل بروز منهجيات متخصصة يتم التدريب عليها وممارستها المنظمة من قبل موظفين اعتياديين، قيمة عملهم ما ينتجونه من قيم ابداعية وحلول مبتكرة للعملاء، وموهبتهم ما يبذلونه من جهد في تعلم وتطبيق أساليب ومبادىء العمل الإبتكاري التي استخرجت في القرن الماضي وتدرجت من منهجيات تطوير تقليدية إلى طرق ومنهجيات تطوير ابتكارية

المنهجيّات المتوافرة حالياً في عمليات تحديث الإنتاج الفكري والمادي، غنيّة بطرق جمع المُعطيات وتحليلها وتقديم الأفكار والحلول. على الأطراف المعنيّة بتجاوز العقبات والمشاكل على أنواعها أن تهتم بهذا النوع المعرفي فتستخدم الأفضل والأنسب ضمن عملية التطوير اليوميّة في مختلف المجالات. تتنوّع هذه المنهجيات و تتعدد خصائصها، سنستعرض بشكل سريع بعضاً منها لندخل إلى تفاصيل العمل بأهمها، المبادىء والأدوات التي يتم تداولها بشكل مُكثّف في عصرنا هذا

التراكم المعرفي والممارسة والخبرة الانتاجيّة والإداريّة  في مناح متنوعة، تقنيّة، تكنولوجية، إدارة الموارد، إضافة إلى تفكيك وحل المُعضلات التي تواكب باستمرار تقدم الحضارة الإنسانية، أدّى إلى تشكيل عدد من منهجيات التطوير

Lean Manufacturing

تم تأسيسها في شركة تويوتا، وانتشرت بشكل واسع، وتعددت أسماء مشتقاتها في العديد من الدول والشركات. كانت الغاية الأساسية من استخدامها التخلّص من العيوب التي تؤدّي إلى هدر للموارد خلال العمليات الإنتاجية في المعامل والشركات التي تنظم عملياتها الإنتاجية والإدارية المتسمة بدوريّة وتعدّد مراحلها ومستوياتها. تتألّف هذه المنهجيّة من أدوات حساب وتقييم العيوب وأنوع الهدر ثم تقوم بقياس وتقييم القرارات والحلول التي يتم تنفيذها. هناك غايات أخرى موازية، مثلا تحقيق ظروف إنتاجية آمنة ونظيفة. يمكن للمهتمين التوسع بالقراءة بخصوص بهذا الموضوع

Six Sigma 

تتخصص بتحسين نوعية إدارة الأعمال، والتخلص من المشاكل والعيوب عبر طرق إحصائية تراقب وتحدد التشوه والإنحراف الكميّ عن المعايير المطلوبة. تم تأسيسها من قبل شركة موتورولا، ثم تم اعتماد استراتيجيتها لاحقاً من قبل  شركة جنرال إلكتريك ، وبعدها نالت انتشاراًً واسعاً. كأي منهجية أخرى تقسم عملها لمراحل وأدوات، يمكن التعرف عليها أيضاً بشكل مفصّل في مصادر عدة على الشبكة

وهناك منهجيات من نوع آخر، ترتبط بشكل مباشر بالإنتاج الفكري المتميز (الإبتكاري والمبدع)، حيث انتقل مركز ثقلها من نطاق شخصيات موهوبة وعبقرية إلى مجموعات خبيرة ضمن شركات أو هيئات تنظم وتدير هذه العملية عبر استخدام مبادىء وأدوات تحليل العيوب والمسائل، ومن ثم حلها بطرق غير تقليدية. لعلّ أبرز هذه المنهجيات من حيث الشمولية والنوعية والكم المعرفي التي تتطلبها هي منهجية التريز

 TRIZ

التي استُخلصت ومورست لسنوات طويلة في الإتحاد السوفييتي، ثم انتقلت في العقود الثلاث الأخيرة إلى العالم الغربي وانتشرت بشكل واسع في معظم الشركات العملاقة في جميع القارات. يجدر الذكر أن هناك طرق منهجية أخرى اشتقت منها وأيضاً تعددت مسمياتها لخدمة أهداف ومجالات استخدام مختلفة. سندخل بتفاصيل أكبرعنها نظراً لأهمية دورها وطاقاتها الكامنة للمختصين المحليين في سوريا

منهجية التريز هي نظام معرفي نظري وتطبيقي لحل المسائل المعقدة والإبتكارية والتي يصعُب تحقيقها من خلال الأدوات والطرق التقليديّة المتاحة. طبعاً مسألة التعرف على ماهية المسائل والمشاكل الإبتكارية هو أمر في غاية الأهمية قبل الإنخراط في أي عملية تحليل ودراسة بواسطة منهجية التريز، لهذا يجب تصنيف أي مسألة ثم إعادة صياغتها بما يتناسب مع استخدام هذه الأداة أو تلك. باعتبار أن أدوات التحليل في منهجية التريز تكوّنت من خلال تدارس عدد هائل من براءات الإختراع لاستخراج قوانين معرفية عن طرق تفكير المبتكر أو المبدع خلال تجاوزه للمعضلات، فإن اتباع خوارزميات العمل الفكري يمكن لها أن تتيح عملية الإبداع الموجه لأكبر عدد من الناس، دون انتظار لحصول معجزات ما أو انتظار لإلهام أو قدرات ذهنية خارقة. وهذا يعني بأنّه يكفي للمتدرب على هذه الأدوات أن يتقن بعض المبادىء والأدوات المعرفية التي ستجد تفاصيلها في هذا المقال، حتى يتوصل لنتائج مشابهة ومنافسة لما يقوم بها المخترع أو العبقري الموهوب. هذه الخصوصية يمكن لمسها من خلال تنفيذ المشاريع الإبتكارية والتي سنتحدث عنها لاحقاً أيضاً. لكن لنبدأ أولاً بالحديث عن ثلاث مبادىء أساسية تعد قواسماً مشتركة في عمل أدوات التحليل في التريز

المبدأ الأول : التعميم ثمّ التخصّص

 هذا المبدأ يقول أن هناك كماً هائلاً من المعرفة المنظّمة في كل مجال من مجالات الأنشطة الإنساني، حيث يمكن لنا الإستفادة من المعرفة في مجال ما في حلّ مسألة تخصصية في مجال آخر مختلف. وبالفعل، إذا تعمق أحدنا فسيجد أن تلك النُظم المعرفيّة والمعلومات (سواء من مجالات فيزيائية أو تقنية) مُتاحة للإسقاط المُتَجدّد والتطبيق والإنتقال بين مواضيع ومسائل من شتى العلوم كالبيولوجيا والفضاء والنمذجة البرمجية والفكرية وحتى الإجتماعية والأدبية والفنون وغيرها. يتم إغناء أدوات التحليل بالتريز بآليات الدمج المعرفي وقواعد بيانات عن الوظائف والخصائص والنظم في مجالات مُعيّنة بحيث تكون قابلة للنقل والتوظيف في مجالات أخرى. إحدى تلك الأدوات اسمها: تشكيل وحلّ التناقضات

 المبدأ الثاني : الوصول للمثاليّة

هناك حلول ضعيفة وحلول قوية. قوة الحلول ومُدّة صلاحياتها تعتمد على كمية ونوعية خصائصها. عوامل القوة أو المثاليّة يمكن تحديدها بعلاقة بين الوظائف المفيدة والنتائج الضارة التي يقدمها حل مشكلة ما أو تحسين نظام ما آخذين بعين الإعتبار  قيمة التكلفة. كلّما كانت الوظائف المفيدة للمنتج أو النظام تفوق نتائجه الضارة، مع تقليص تكلفته، فإن مثاليته (الحل أو المنتج الجديد) تكون عالية والعكس صحيح. من جهة أخرى، يتمّ تعريف المثالية في منهجية التريز بأنها الحالة  التي يمكن الوصول لها عندما يتم تحقيق الوظائف المرغوبة من دون الحاجة لمنتج أو نظام جديد (مثلاً : المثالية تتحقق بأن تستطيع الملابس تنظيف نفسها دون الحاجة لغسلها بالغسالة أو وسائل أخرى). بالتالي، فإن أي عملية تغيير وتحسين بالنظم أو المنتجات يجب أن تسعى لتوفير عوامل القوة والمثالية

المبدأ الثالث : صياغة مفتاح المُشكلة

جميعنا يعلم أن صياغة المشكلة بشكلها الصحيح هو نصف الحلّ. لكن، ماذا يعني أن تصيغ المشكلة بشكل صحيح؟ من وجهة نظر التريز فإن صياغة المشاكل أو المسائل تمر بعدة مراحل. عادةً، وفي البداية يكون هناك صياغة لعيب أو لمشكلة ظاهرة أو لغاية يراد تحقيقها. من خلال أدوات التحليل يمكن لنا أن ننتقل بين عدد من الصياغات والمسببات الرئيسية لتلك الصياغة المبدئية والتي قد تكون مختلفة تماماً فيما بينها. بالتالي يجب حصر الطاقات والتركيز على حل المسببات الجذرية الرئيسة والتي تسمى بمفاتيح المشاكل أو المسائل (في حال تمّت صياغة مفتاح المشكلة بشكل مسألة). لكل أداة من أدوات التريز هناك طريقة ذهنية وأسلوب تعامل مع صياغة المشكلات، لكنها  نابعة جميعها من المبدأ ذاته

في الجزء الثاني من هذا المقال، سنتحدث عن أنواع المشاريع الإبتكارية وعن أدوات التطوير الإبتكاري وذلك حسب  مراحل العمل في

هذه المشاريع

بقلم د. أحمد رامز قاسو

تدقيق لغوي الأستاذة : أميمة إبراهيم

القطاع الثالث أو القطاع غير الربحيّ

في ظلّ حرب السنوات العشر الأخيرة ، وضعف قدرة أجهزة الدولة على احتواء تداعياتها ، و التّخفيف من وطأتها على المواطن على خلفية العقوبات الاقتصاديّة المفروضة ، يزداد التّركيز اليوم على ما يمكن أن نُطلق عليه مجازاً تسمية “القطاع غير الربحيّ أو القطاع الثالث” ، وهو العنوان العريض الذي تنضوي تحته مختلف أشكال التّنظيمات و المبادرات الاجتماعيّة ، المدنيّة منها والأهليّة والخيريّة ، والتي تهدف إلى تحقيق هدف غايته خدمة المجتمع وبالتالي المواطن ، سواءً بصورة مباشرة أو غير مباشرة .  إن تسليط الضوء على عمل القطاع غير الربحيّ يُعتبر اليوم ضرورة لسببين ، أوّلهما : استنزاف إمكانيّات القطاع الحكوميّ المُتعلّقة بالخدمات الاجتماعيّة إضافة إلى ظروف الاستثمار الطّاردة للقطاع الخاصّ في هذا المجال . ثانيّهما : أنّ صعود القطاع غير الربحيّ بات ظاهرة عالمية سُمّيت في بداية القرن ثورة المتطوعين  

تلك الظاهرة التي لا يمكن غضّ النّظر عنها ، حيث أثبتت نجاعتها في كثير من البلدان المُتقدّمة حتى بات لها دور رياديّ في قيادة المُجتمع ، وكذلك في إعادة تشكيل الإدارة العامّة في القطاع الحكوميّ في كثير من الدول  

تُعدّ مُنظمات القطاع غير الربحيّ اليوم (جمعيّات ، روابط ، نقابات ، مُبادرات ، حركات ، هيئات … إلخ) الضّمانة الأقوى ، والأكثر فاعليّة والأقرب للمواطن ، لتحقيق خدمات اجتماعيّة فاعلة 

لا يخفى على الدّارسين والمُهتمّين أنّ دراسة ظاهرة القطاع غير الربحيّ ، في سوريا كما في دول أخرى ، على درجة عاليّة من الصّعوبة ما قد يمنع تحليلها بشكل دقيق ، فمن جهة ، تكاد تكون الإحصائيّات والأرقام المُتعلّقة بعدد الجهات الفاعلة أو الناشطة و رؤوس الأموال التي تتمّ إدارتها والجّهات المُموّلة ، و التي تُعدّ قاعدة أساسيّة لإنطلاق أيّ دراسة تجريبيّة ، غير مُتاحة ، ومن جهة أخرى ، فإن ارتباط عملها بالتعاون الوثيق مع الجّهات الحكوميّة و الانضواء تحت إشرافها التنفيذيّ والماليّ يُؤدي إلى إصابتها حُكماً بعدوى انعدام الشفافيّة التي تُسيطر اليوم على عمل تلك الجّهات

توصيّف مجال نطاق القطاع الثالث

ليس للقطاع الثالث تعريف مُشابه لما يُمثّله القطاع الحكوميّ والقطاع الخاصّ ، لكن يُمكن فهمه كنموذج إرشاديّ من خلال تحديد المنطقة الاجتماعيّة الخاصة به ، والتي تقع بين الدّولة باعتبارها رأس الهرم ، و بين السّوق من جهة والفرد أو العائلة من جهة أخرى ، باعتبارهما زاويتي قاعدة الهرم كما يُحددّ الشكل التالي

تتميز تنظيمات القطاع الثالث عن مثيلاتها في القطاع الحكوميّ ، بقدرٍ أقل من  الرسميّة ،  وعن شركات القطاع الخاصّ بابتعادها عن مبدأ مُراكمة الأرباح ، فهي تُقيّد نفسها بقيد اللاربحيّة

وهذا لا يعني ألّا تُحقّق المؤسسة أيّ ربح ، إنّما يعني ألّا يُصبّ الرّبح المُتراكم في رأس المال بهدف زيادته ، ولا يذهب لمصلحة الأعضاء أو العاملين فيها ، وإنّما يُعاد استثماره في المؤسّسة ذاتها ، وذلك لتغطية تكاليف الإدارة و لضمان استمراريّة تحقيق الهدف على المدى الطّويل

وتختلف مؤسّسات القطاع غير الربحيّ عن قطاع الأفراد (العائلة ، القبيلة ، العشيرة) بأنّ دافع العمل لأجل الأولى مبنيٌّ على قرار فرديّ يتّخذه المرء بمحض إرادته ، دون دفع من مُحيطه الخاصّ

قد يبدأ العمل في هذا القطاع ، في مجالات وعلى مستويات أهليّة ضيّقة (نوادٍ رياضيّة ، تجمع حضانات أطفال خاصّة بمنطقة أو مدينة مُعيّنة ،  معاهد موسيقيّة ، مراكزٍ ثقافيّة صغيرة ….) وتمتّد لتشمل المؤسّسات الخيريّة والمبادرات التي تهدف إلى حماية البيئة أو التّراث التّاريخيّ والدعم المُجتمعيّ ( مساعدة وتطوير الذّات والمجتمع) . ظهر أول تعريف أو توصيف للقطاع الثالث في سبعينيّات القرن الماضي على يد المُفكّر الاجتماعيّ الأميركيّ من أصل ألمانيّ – أماتاي إتسيوني 

»a third alternative, indeed sector (…) between the state and the market« 

يتبلّور العمل فيها بشكل فرديّ ، من خلال مُشاركة الفرد الفاعلة بصورة عمل طوعيّ أو حتّى على شكل انتسابٍ أيضاً ، ليتحوّل بذلك إلى جزء من منظومة اجتماعيّة مُتكاملة قادرة على أن تُشكّل حجر أساسٍ في بناء البُنيّة التّحتيّة لمُجتمع مدنيّ بوظائف اجتماعيّة قد تتحوّل ، مع توّفر البيئة المناسبة ، إلى قاعدة لمنظومة اجتماعيّة ديمقراطيّة مُستدامة . تزداد الحاجة إلى إبراز دور وأهميّة هذا القطاع بشكل مُطّرد مع ازدياد النقاش حول : ١. حاجة المواطن والمُجتمع إلى المشاركة المدنيّة  ٢. مفهوم المُجتمع المدنيّ ٣. الرأسمال الاجتماعيّ وهو ما بتنا نلمسه خلال السنوات الأخيرة في سوريا . يُميّز مؤسّسات القطاع غير الربحيّ ما يلي

الهيكل الشكليّ-

الاستقلاليّة التنظيميّة عن الدّولة-

غير هادفة لتحقيق الأرباح-

الإدارة الذاتيّة المُستقلّة-

النّشاط مبنيّ على مفهوم الطوعيّة بشكل أساسي-

وقد تشمل نشاطاتها مفاصل مختلفة تمسّ المجتمع مثل ما يلي

الثّقافة والتّراث-

التّعليم والأبحاث-

الصّحة والاستشفاء- 

الرّياضة والطفولة-

الخدمات الاجتماعيّة-

حماية البيئة و الطّبيعة-

الإسكان والتّشغيل (التّطوير الاقتصاديّ المحلّيّ) تمثيل مصالح المواطن والمُستهلِك-

الأوقاف- 

الروابط الاقتصاديّة و روابط العمل والنقابات العُمّاليّة والمهنيّة وأيّ هدف أو مجال آخر لا يتعارض مع الأعراف أو القوانين-

 أمثلة من ألمانيا ما بعد الحرب: لطالما تلازمت الفترات التي تلي الحروب الكُبرى مع نهضات ملحوظة في مجالات عدّة، كردّ فعل على الدّمار الذي لحق بالبلاد في كافّة الجوانب ، السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة ، ما تلبث أن تتطوّر إلى شكل من أشكال التّنظيم في ظلّ أحد عاملين ، إما بفعل التّعبئة البشريّة (رغبة الشعب في إحداث تغيير أو تحقيق تطوير) ، أو بسبب الحاجة الماسّة ، التي تفرِضُها الوقائع على الأرض ، لتغيير ما ينسجم مع حالة ما بعد الحرب مع عدم توفّر حلول بديلة ، كما في خُطط الطّوارئ للسّياسات الاقتصاديّة أو التّعليميّة أو تلك  المُتعلّقة  بالرعايّة أو الاستشفاء ، كذلك الأمر بالنسبة للعمل في المُنظّمات أو المبادرات اللاربحيّة ، وهو ما حدث فعليّاً بعد الحربين العالميّتين الأولى والثانيّة في معظم دول أوروبا . إذ أنّ إحساس الشعب بمسؤوليته عن انقاذ نفسه أو انقاذ ما تبقّى تعاظم إلى حدّ أخْذ زمام المبادرة بنفسه ، حيث تركّزت الأهداف على إعادة الإعمار التي بدأت بمبادرات أهليّة لتنظيم وتشغيل القادرين على العمل

  بعد موت قرابة ستّة ملايين مواطن ، جلّهم  من الرجال ، في الحرب العالميّة الثانيّة ، قامت النساء بتنظيم روابط حضانات الأطفال على نطاق محليّ ، بسبب اضطّرارهن للعمل لساعات مُتأخّرة ، بحيث تمّ تقسيم العمل بين مُربيّات للأطفال أو عاملات خارجيّات ، وبذلك ، تمّ بشكل تلقائيّ تقاسم الأجور الشّهريّة فيما بينهنّ (المثال ينطبق على معظم دول أوروبا بعد الحرب) ، وتمّت المُحافظة على الأنشطة التي كانت تُمارس قبل الحرب ، مثل المسرح والرّياضة والفّن إلى جانب حمايّة البيئة ، وانتشرت مُبادرات الحدائق والتي تقوم على شراء أراضٍ خضراء في مُحيط المدن لتحويلّها إلى حدائق صغيرة يُمكن للعائلات استخدامها ، مقابل مبالغ رمزيّة ،  لزراعة الخُضار المنزليّة ، وهو ما حققّ نوعاً من الاكتفاء  الذاتيّ الغذائي لدى الكثير من تلك العائلات تمّ تدعيم هذه المبادرات وغيرها بشكل تدريجيّ ، وذلك نتيجة لتأثيرها الإيجابيّ على المُجتمع والدولة في آن . و بعد أن أُُشبعت سبعينيّات و ثمانينيّات القرن الماضي بدراسات إداريّة واجتماعيّة وقانونيّة مُعمّقة ، فتحت الأفق واسعاً أمام تخلّي الدّولة عن بعض وظائفها و مجالات عملها لصالح جهات شبه حكوميّة مُستقلّة و لصالح الخصخصة غير الربحيّة ، تمّ تثبيت القوانين النّاظمة ، تلتها مرحلة هي مرحلة الإجابة عن الأسئلة التّالية : ما شكل المؤسّسات المطلوبة لهذه المهمّة ، كيف يتمّ تنظيمها إداريّاً وكيف يمكن تمكينُها من أداء مهامها بتكاليف أقل و فاعلية أكبر ؟. وهنا ، تمّ بالفعل تفعيل مبدأ القطاع الثالث كما عرّفه (أماتاي إتسيوني) أعلاه ، استناداً إلى قدرة مؤسّسات هذا القطاع ، في عملها ، على المواءمة بين الحكوميّ والخاصّ . تبلّور العمل فيها على شكل عمل طوعيّ الأمر الذي يُعتبر اليوم من البديهيّات التي يعيشها المواطن يومياً ، و يتركّز في معظمه ، بشكل أساسيّ ، على شكل خدمات تُقدّم في المناطق التي يعيش فيها مثل : الإطّفاء ، رياضة الأطفال والكبار ، دورات الفنون المتنوّعة، دعم حضانات و رياض ونشاط الأطفال ، كما تمتدّ إلى مجالات أوسع تشمل المجتمع عامّة كالتّعليم والاستشفاء والعمل والبيئة إلخ… . اليوم ، تُؤثّر هذه المُنظّمات بصورة مباشرة وبشكل كبير في عملية تخطيط سياسات الدولة المرتبطة بهذه القطاعات

ما الذي يمنع هذا القطاع من الازدهار رغم توفّر الكثير من المقوّمات، في الوقت الذي تعيش فيه دول العالم المُتقدّمة حالةً فريدةً ومُتطوّرةً من البحبوحة، فيما يتعلق بالقطاع الثالث ، تبدو الإمكانيّات التي يُتيحها قانون الجمعيّات السّوريّ مُتواضعةً أمام التّطوّرات السّياسيّة والاجتماعيّة المُتسارعة على السّاحة

ففي الوقت الذي يتراجع فيه أداء الدولة في تقديم وإدارة الوظائف العامّة ، تُمارس القاعدة الشّعبيّة التي بدأ وعيها بالتبلّور – بشكل يُعتبر حتى اليوم غير مُنظّم- حول أهميّة دور مُؤسّسات المُجتمع المدنيّ ، دافعاً باتّجاه تفعيل عمل هذه المؤسّسات كرديف لمؤسّسات الدّولة ، قد يُشكّل بديلأً للخصخصة الكاملة إنّ تمهيد الواقع لتحقيق عمل فاعل لهذه المؤسّسات ، يجب أن يتمّ بناءاً على قاعدة علميّة تُحتّم وجود دراسات وأبحاث تخصصيّة نقديّة ، تكشف مواضع الضعف والقوّة لمُنطلق عمل هذه المؤسّسات على الجغرافيا السّياسيّة والاجتماعيّة السّوريّة . تُعتبر هذه المهمّة بمثابة تحدٍٍّ بالنسبة للجّهات الباحثة والمُهتمّة والعاملة أو الراغبة في العمل في هذا القطاع ، نظراً لظروف البحث ، غير المُشجّعة ، في هذا القطاع ، لكن ، قد تُشكّل الأسئلة التالية التي نطرحُها على ضوء الاستهداء بالدستور ، بمادّتيه العاشرة والخامسة والأربعين ، دليلاً توجيهيّاً يُحدّد النقاط المفصليّة التي يمكن العمل عليها

ما هو الدور الذي يُمكن لمنظمات المُجتمع المدنيّ أن تلعبه في ظلّ وجود إرث المُنظمات الشّعبيّة المعروفة (نقابات ، جمعيّات ، اتحادات ، مُنظّمات) وغياب ثقافة المُجتمع المدنيّ / الأهليّ؟

هل تُمنح الجمعيّات المدنيّة الاستقلاليّة التنظيميّة والإداريّة والمرونة اللازمة لممارسة نشاطها ؟

هل تعكس وتُغطّي الخدمات ، التي يُسمح للجمعيّات بتأديتها ، حاجات المُجتمع الحقيقيّة والمُتغيّرة بشكلٍ مُستمر دون التأثّر بسياسات مرسومة مُسبقاً ؟

هل تستطيع الجمعيّات الحفاظ على مستوى أداء ٍعالٍ  من ناحية الفاعليّة والمساحة ؟

هل تمتلك الجمعيّات والكوادر أدوات الإدارة الاستثنائيّة غير الربحيّة ، والتي لا تُشبه إدارة مؤسّسات القطاع العام ، كما لا تستهدف الاستثمار كما في القطاع الخاصّ؟

هل تتوافر في سوريا مُقوّمات الاستدامة لعمل مُنظمات القطاع غير الربحيّ مثل: الوعيّ العام لدور القطاع الثالث وللعمل المدنيّ ، حتّى لدى الكوادر العاملة ذاتها ، والدّعم المعنويّ والماديّ الحكوميّ والخاصّ ، البيئة التشريعيّة الحاضنة والحامية والمُرافقة … إلخ؟

مُؤشّرات جديّة : تمكّنت الجمعيّات الثقافيّة من كسر القيد و تمّ سنّ قانون جمعيّات خاصّ بها يتناسب مع واقعها . هل يتوجّب على بقيّة الجمعيّات محاولة كسر القيد ، قبل التّفكير في تطوير قانون الجمعيّات السّاريّ المفعول منذ تاريخ الوحدة مع مصر ؟

ماذا عن استعداد جميع الجّهات المعنيّة (الدّولة ومُنظّمات المُجتمع الأهليّ) لتطبيق وتعزيز مفهوم الحَوكمة والحُكم الرّشيد ؟

هل تملك الجّهات الراغبة بالتغيّير الدراسات والإحصائيّات اللازمة للنهوض بالقطاع الثالث والحفاظ عليه كقطاع رديف للقطاعيّن العامّ والخاصّ؟

قد لا تُشكّل الإجابات عن هذه الأسئلة حلّاً سحريّاً سريعاً للمُهتمّين و الراغبين برفع فاعليّة عمل تنظيمات هذا القطاع ، لكنّها ، بكل تأكيد ، ستُشكّل عتبة الإنطلاق في سباق الألف ميل …. والذي بدأناه لتوِّنا في شبكتنا

بقلم الاستاذة زينة ناصر

تدقيق لغوي: الاستاذة أميمة ابراهيم

1المصدر

المصدر2

المصدر3

Website Built with WordPress.com.

Up ↑