عبور في غير زمانه

امرأة قبل سن الزواج…
جميلة ..رشيقة ..كبر جسدها بسرعة وباتت تبدو أكبر من عمرها ..بدأ الجميع يمتعون مسامعها بجمالها ..حتى باتت تشعر بما يثيره جمالها في داخلهم
صارت تتقن التفنن في اللباس ولعل بعض الماكياج يشعل جمالها أكثر … كلما حاولت ان تبرز مفاتنها بادرتها والدتها بالنصح هذا اللباس لايليق بعمرك ..بدأت تتأفف من تلك النصائح وأصبحت تطمح بالخروج من دائرة الوالدة وتدّخلها بمسيرتها وكان الحل بحسب تفكيرها هوالزواج
لم تعارض فكرة الزواج رغم صغرها ..تقدم شاب لخطبتها فرفضته لأنه فقير والثاني تركته بعد أن لبست خاتم الخطبة بسبب قلة جاذبيته ولم يعطها الحب الذي تنتظره ..هكذا عندما تقدم رجل ثري في عقده الثالث لخطبتها ..وافق الأهل وشجعوها لأنهم كانوا قد أدركوا عدم رغبتها بالدراسة
تزوجت بحفل لم يرقى لطموحها وهي التي تقايض عمرها ببعض المغريات
أنجبت ..فلم تدرك كنه الأمومة لأنها حقيقة لم تكن أكثر من طفلة تجرب الهروب من المسؤوليات
كبرت ابنتها فاختلطت مشاعرها تجاهها ..تريدها أن تكون متميزة لكن ليس لديها القدرة على
نربيتها وتأهيلها للتميز ..حين كانت ابنتها تلعب كانت هي تنام لتشبع رغبات عمر المراهقة ..وحين بدأت ابنتها تحتاج لوقت أكبر للاهتمام بدراستها ..كانت هي تريد أن تملئ الجانب الفارغ في حياتها وراحت تكمل الدراسة التي فاتتها في الوقت الذي كانت تحتاج الابنة رعاية أمها . . كانت الطفلة ذكية اعتمدت على نفسها في دراستها وصار الابن الأصغر يقضي وقته في بيت الجدة .. استمر الأمر على هذه الحال ..لا الابنة أخذت حقها من الأمومة ولا الابن كان يعرف الفرق بين الجدة والأم ..ولا الرجل نال حقه منها كزوجة يحتاج إلى دفئها وحرارة لقاءها أو حتى اهتمامها
لم تكن مستعدة لتدفع من ذاتها إلا ضمن بعض المقايضات …لم تكمل الأم تعليمها لأنها ملت الدخول بمنافسات ..لكنها وجدت نفسها تتخبط ..فلا الابنة تسمح لها بدور النصح لأنها لم تكن حاضرة في يومياتها حين عاشت طفولتها بلا أم تشاركها ألعابها أو دروسها ..ولا الابن يستشيرها ..لأنها لم تجس حرارته حين كان يريد ان يرى رفاقه أمه الجميلة قربه بينما هو يقضي وقته برفقة جدته المتعبة من أثقال الحياة
أرادت أن تفرح بهم لكن لم يكن حضورها مهم في يومياتهم التي عاشوها دون رصيد لها …أرادت أن تتباهى بنجاح ابنتها وابنها الذي كبر دون أن تلحظ التغييرات التي عبر بها فوجدته فجأة شاب وسيم تحلم به أغلب الفتيات ..أرادت أن ترافقه هي التي لم تأخذ فرصتها بالأحلام أو بالمراهقة أو الدراسة ..أن يصبح رفيقها ..لكنها أدركت عدم رغبته بحضورها الآن بحياته ..بعد أن اعتاد أن تكون جدته هي مخبأ أسراره ومنطلق أحلامه.
استعجلت العبور بين المراحل ففقدت متعة العيش بملذات كل مرحلة …شعرت بوحدة قاتلة تلفها ..لاشيء يجعلها تغرف من السعادة وتستقي بمايرويها ..ذهبت إلى حضن أمها يوما ..وأفضت لها بمخزون سنين من الضياع
كان البكاء صراخا يعاتب السنين بحرقة تشابه الرغبة بالخروج من العاصفة

بقلم المهندسة و الفنانة نيللي مرجانة

التماثيل منحوتات من أعمال الفنانة نيللي مرجانة

عودة أبو كيس

كان ياماكان ياقديم الزمان 

كان في إلفة وود وناس بترفع عن بعضها الجوع والحرمان

وكان في كل حارة في ناس دراويش ووضعهم يحتاج مساعدة إما لفقدان الإمكانية على العمل أو لظرف ما وطبعا الناس تعالج الوضع بالخفاء ودون إشهار ..ومنهم  من يعلن ذلك جهارا ويحوي معه بشكل دائم كيس وأولاد الحارة يطلقون عليه لقب أبو كيس  وكان شكله يحكي عن بؤسه وسوء حاله حتى أن الأطفال بالغالب كانت تخافه  ..كان  يقدم خدمات بسيطة لأهل الحي من حمل بعض الأغراض أو توصيل طلب ما ويأخذ أجرته و كل مايقدمه الناس من أطعمة أو ألبسة و  ما لايحتاجونه من الأغراض  ويضع حمولته  بالكيس الذي يحمله دائما

دارت الأيام واختفى أبو كيس وباتت مظاهر الحياة الرغيدة تبدو على أغلب الناس حتى عمت السعادة في البلد ولم يبقى فقير إلا من احتاج رحمة ربه بسبب من مرض أو ضيق أو غدر الزمان ..واستمرت الحال على هذا الوضع إلى أن جاءت سنوات الحرب العشر وتغيرت الحال على كل الناس وظهرت فئات في المجتمع تعيش من السمسرة والمتاجرة وقطع الارزاق على بعضها وتغير الحال كما لم يحصل في أي زمان أو مكان …وعادت ظاهرة أبو كيس للانتشار لكن هذه المرة أبو كيس صحيح الجسم ومعافى وقد يلبس لباس جميل على غير أحوال أهل الزمان لكن سلوكه لم يعد يحمل طيبة وقد ينسى أن يكيل لك الدعوات الصالحة إن لم يكل لك الشتيمة والبغضاء الظاهرة في عيون  تحكي  فجاجة المعشر وسوء الأخلاق  وفي هذا الزمان بات الناس يعطون لأبو كيس بالتي هي أحسن تجنبا لأذيتهم ..وصار لأبو كيس  أعوان لأنه لم يعد بحاجة لحمل كيس التقدمات ، فهناك من يحملها ويحتسب نسبته حسب الاتفاق  حتى أن الناس باتت تشهد  أن هناك أكثر من  أبو كيس أصبح  أكثر رفاهية  من الذي يملئ له الكيس

بقلم المهندسة نيللي مرجانة

مشهد مكرر

استيقظت من نوم عميق تخلله أحلام متشابكة على رنين هاتفها بعد فترة حزن طويلة كانت لاتنام خلالها وهي تتحسر على رحيل والدها الذي كان مثلا للرجولة والطيب ودماثة الخلق،رجل من أوائل الذين انخرطوا في العلم ..أسس عائلة من ثلاثة بنات وشب وأم استبسلت في تنشئتهم جميعا على حب العلم والتزام الأخلاق

  ..سارعت إلى الهاتف واذ بأختها الأكبر تتكلم في حال من العصبية  لتشكو لها تصرف الوالدة وتتهمها بعدم العدل في توزيع الإرث…استمعت لها بإصغاء لكنها تلعثمت قليلا ببعض الردود لأنها لم تكن قد فكرت في الموضوع ..أغلقت السماعة وعادت لتفكر بما روته أختها .. راحت تكمل بعض أعمال المنزل وتهيئ فنجان قهوتها ..واذ بالهاتف يرن أيضا وأختها الأخرى بدت في حالة عصبية من نفس المشكلة التيباتت تعرف بعض  حيثياتها …لم تستطع أن تهدئ اختها التي تشعر بمظلومية من أمها التي اختارت أن توزع الحصص الأكبر للأخ الوحيد…هي تدرك مخاوف أمها على ولدها في مجتمع يحمّل مسؤولية بناء العائلة على الرجل ..رغم أن  القوانين في المجتمع المسيحي الآن باتت تقر بأن جميع الورثة ذكور وإناث يتقاسمون تركة الأب أو الأم بالتساوي وتغييرات كثيرة حدثت ..لكن التقليد والموروث من أعراف المجتمع ليس من السهل تغييره  وعمليات التلاعب للتشبث بمفاهيم قديمة غالبا ماتحدث

فكرت كثيرا بعد هذه الأحاديث ..جلست تفكر بأمها وهي تحاور نفسها ..أمي إنسانة مؤمنة جدا وتصلي كثيرا وأغلب أيامها تقضيها بصوم وخشوع ولم يكن يوما أخي أقل التزاما بالكنيسة فكيف تحصل مثل هذه الأمور بعائلتنا

…والآن تذكر كيف كانت تسمعه ينتقد الآراء المتخلفة حول المرأة وعملها  وقد تزوج بعد علاقة حب غارقة في الرومانسية 

..لماذا يريد أن يخسر محبة أختيه بأنانية لم نكن نعرفها يوما ،دارت الأفكار وصور الطفولة ومواقف جميلة بحياتهم معا …وصرخت لا ..!! لااأريد لعائلتي أن تنهار 

لم تعد تريد الانتظار أكثر  …سارعت إلى خزانتها لبست بسرعة و اتجهت إلى بيت أهلها أرادت أن تسمع رأي والدتها قبل أن تناقشها بأسباب امتعاض شقيقتيها علها  تستطيع فهم وجهة نظرها بطريقة ما ..وما إن دخلت حتى وجدت الأخ يخرج من البيت بطريقة عصبية والتفت إلى أخته قائلا ..اتفضلي حضرتك ..شو بتأمري كمان..قالت له حبيبي الاولاد  يسألونني  عنك ..من اسبوع لم يسمعوا صوتك ..أكمل طريقه ..وهو يقول لها أختي اذا ماقدرتوا وضعي ووضع عائلتي  قولي لهم لم يبقى لكم خال ..استغربت الأخت..سمعته يكمل حديثه ..خال..بلا خال بلا بطيخ .. وصفق الباب بشدة بعد خروجه

راقبت والدتها الموقف ..قالت لها أخوك مزعوج  منكم …تريدون حصصكم وهذا يحرمه  من قسم كبير من مال أبيه ..فأسرعت لتفاتح والدتها بما لديها من معلومات عن مشاعر أختيها …لم تتركها الأم تكمل حديثها ..وراحت تحدثها ..  الرجل برقبته بيت وأولاد وزوجة ودخله لايكفي  ..وهم بحاجة …قالت لها لماذا اذا نحن أخوة ..ألسنا في نفس الحال و الوضع الصعب على الجميع ..أمن السهل عليه أن يجد أخته بحاجة وصعب جدا أن يجد زوجته بحاجة  ..هنا صمتت الأم قليلا وقالت لها ..أنا لا أغير مجتمع بحاله ..قالت لها يا أمي أنت أخذت من ميراث أهلك ما أنصفك وأرضاك ..لماذا لا تريدين العدل بيننا .. ردت الأم ..أنا ابني مسؤول عني في حال مرضي أو حاجتي ..ولن أطلب من الصهر في حال  احتجت لشيء ..قاطعتها لكنك ستطلبين مني انا  ابنتك ساعة تشائين …طال الحديث بهذا الاتجاه حتى وصلت الأم لحالة عصبية..قالت لها ..اتفضلي اتركي لأخواتك حصتك مادمت تطلبين لهم زيادة من حصة أخوك لكي نرضيهم ونحفظ حصته  …لم تعد تدرك ماعليها قوله ..توقفت للحظة ..كانت تريد ان تفصح عن رؤويتها اولا أن لأصحاب المال الحق بوهب مالهم لمن يشاؤون لكنها ليست متاكدة مما ترويه والدتها على لسان الوالد بأنه أوصى بكل ذلك ولن تستطيع أن تقول لها لماذا لا تطلبين من أخي أن لايكون أناني ويعتبر أن حقه ليس أن يأخذ حقنا  …صمتت  لحظات ..ثم قالت لها أنا جاهزة يا أمي سأترك لهم كل حصتي  ..علهم يسعدون بما يأخذونه …مادام القانون لم يغير عقليتنا علينا أن ننتظر كثيرا لننعم ببعض العدل الأسري….هي حقيقة لم تكن تنوي  أن تترك حصتها و كانت ستفخر بأهلها أكثر أمام زوجها عندما يحفظون لها حقوقها ..لكنها كانت تدرك أيضا حجم الشقاق العائلي الذي كان يدور وهي لا تريده أن يستمر ..وتعلم جيدا أن كل الأطراف متمسكة برأيها وتنتظر التقسيم والحصول على المال بالسرعة القصوى…لم يكن هذا الحل سهل عليها لكنها افتدت به بعض المشاكل

 ..ذهبت وهي تقول لنفسها لابد لأحد منا أن يقدم من نفسه ليفتدي الجماعة..الطمع بطبع البشر عادة يصعب شفاءها إن وجدت والمحاكم ليست سهلة  ..وعلى مايبدوا لن يكون احد غيري في هذا الموقع ….عالجت الفكرة بألم وهي تمني نفسها بذكرى والدها وتحاكي روحا افتقدت حنانها…لن أزعج روح والدي مادمت قادرة على ذلك

بقلم المهندسة نيللي مرجانة

اللوحات للمهندسة و الفنانة نيللي مرجانة

Website Built with WordPress.com.

Up ↑