مبادئ و أدوات التطوير الإبتكاري و الإبداع الموجه-الجزء الثاني

تحدثنا في الجزء الأول عن أنماط منهجيّات التَّطوير بشكل عام، وعن المبادىء الرئيّسية لمنهجيّة التّطوير الإبتكاري والإبداع المُوجّّّه (سنسميها مجازاً “الإنوڤاتية “) بشكل خاصّ

نُتابع في هذا الجزء الكشف عن وسائل العمل بها، عبر استعراض أنواع المشاريع وخارطة الطريق لتنفيذها. لكن قبل هذا وذاك من الجدير اولاً الفصل بين خمس درجات أو مستويات للنتاج الفكري وذلك لصعوبة المسائل التي يمكن تناولها

   المستوى الأول – الحلول الظاهرية : حلول بسيطة لمسائل مُتكرّرة بطرق تقليديّة. 30% تقريباً من المجموع العام

  المستوى الثاني – التحسينات الثانوية : تصحيحات ثانوية لنظم موجودة باستخدام طُرق مُعتمدة في مجالات ما. 45% من المجموع العام

  المستوى الثالث – التحسينات الرئيسية : تحسينات رئيسية تمّ التوصّل إليها عبر حل التناقضات في أنظمة تقنية أو إدارية. 20% من المجموع العام

  المستوى الرابع – الحلول الجديدة: حلول اعتُمد في استخدامها على مبادىء علمية جديدة. حوالي 4% من المجموع العام
  المستوى الخامس – الإكتشافات : حلول ابتكاريّة أساسها اكتشافات علمية لم تكن معروفة من قبل. أقل من 1% من المجموع العام

تّحدّد هذه التصنيفات مدى الإمكانيات البشرية في مجال استخدام طُرق التحليل الإبتكارية (تتراوح على الأغلب بين المستويات 2-3-4). في يومنا هذا، تنبثق عملية الإنتاج الفكري من منطق تنفيذ مشاريع التطوير، بينما تتوزّع طرق وأدوات التحليل  بين مراحل تنفيذ هذه المشاريع. و كلما انتقلت من مستوى الى أخر تطلّب الامر معرفة اكبر وآليات ذهنية استثنائية. لهذا يجب فهم أنواع المشاريع الإنوڤاتية وخارطة الطريق المعتمدة فيها:

مشاريع حل المشكلات وإزالة العيوب

مشاريع تقليص التكلفة

مشاريع تقنية التوقعات

مشاريع الاستراتيجيات الإبتكارية

وغيرها…

تنفيذ أي نوع من هذه المشاريع يخضع لعملية تخطيط مسبق لطرق التحليل التي يتوجّب استخدامها، وتتوزع على مراحل دورة حياة المشروع، والتي تتألف بشكل عام من

مرحلة التحضير وجمع المُعطيات: في هذه المرحلة يجب تكوين صورة متكاملة عن دواعي وغايات طرح المسألة والمشروع. من خلالها يقوم المنفذون بسبر المعلومات المبدئية المرتبطة بالأطراف المعنية (Stakeholders) بنتائج تنفيذ المشروع. ولهذا الغرض، يجب تحضير واستخدام نماذج استبيان واستطلاع متخصصة بكل نوع من أنواع المشاريع، ومن المهم أن تتحقق في هذا العمل عوامل المصداقية والموضوعية  لأن تدقيق خارطة الطريق وأدوات المشروع الإنوڤاتي جزء لا يتجزأ من التنفيذ

يمكننا هنا استخدام عدد من أدوات جمع المعطيات وتحليلها، منها تحليل MPV والذي يعني تحصيل القيم الرئيسة للعوامل و المؤشرات المدروسة أثناء تطوير المنتجات أو الخدمات. هذه القيم تترتب بتسلسل هرمي وتمتلك تفرعاتها أوزان معينة، و تصبح فيما بعد دليلاً وأساساً مشتركاً لمُنفذّي المشروع والأطراف المعنية بنتائجه. لفهم أفضل عن كيفية العمل بهذه وغيرها من الأدوات سنخصص مقالات قادمة أخرى تحكي عن أمثلة حية تم تناولها في مشاريع سابقة.

مرحلة الدراسة التحليلية: هذه مرحلة واسعة وعميقة هدفها الوصول لمفاتيح أو جذور المسائل، والتي قد تختلف عن صياغتها الأولية مع بداية المشروع، مما يعني إعادة النظر وتغيير زاوية فهم المشاكل أو العقبات القائمة أمام الأطراف المعنية. كما ذكرنا في الجزء الأول من هذا المقال، فإن هذا يُعدّ أحد المبادىء التي تقوم عليها منهجية التطوير الإبتكاري (أو الإنوڤاتية) التي تمنح بعداً ومساحة جديدين في استخراج الحلول وتجاوز العوائق، كما يميز هذا النوع من مشاريع التطوير عن غيره. صياغة المشكلة بشكلها الصحيح كما نعلم، يعني قطع أكثر من نصف الطريق لحلّها

عدد كبير نسبياً من أدوات التحليل مُتاح أمام مُنفّذي  المشروع في هذه المرحلة وترتيب استخدامها يحدد الإختلاف الحقيقي بين أنواع المشاريع أعلاه، سنقوم بذكر بعض هذه الأدوات، تضم روابط تمكن القارىء من الإطلاع المفصل عليها

صياغة التناقضات الإدارية،،التقنية، الفيزيائية –

Contradictions formulation

تحليل مسببات العيوب

Cause-effect chains analysis

التحليل الوظيفي للنظم

Function modeling

تحليل التوجهات  –

Trends of evolution analysis

تحليل التيارات

Flows analysis

تحليل الموارد

Resources analysis

وغيرها…

3- مرحلة استخراج الحلول: تتبع أدواتها للنتائج التي تم التوصل إليها في المرحلة السابقة، ما يعني الإستخدام النوعي لأي من طرق استخراج الحلول بما يتناسب مع صياغة جذور المسائل. في أغلب الأحيان، يتم استخراج اتجاهات الحلول التي تولد الأفكار والتي تتحول بدورها  إلى صياغة حلول مدروسة وتفصيلية. الدراسة والتفصيل هنا، تعني صياغة المشاكل والعقبات الثانوية وحلها أيضاً، دون ترك مصيرها مجهولا” في أيدي الأطراف المعنية. مدى دراستها وتفصيلها يحدد مدى نجاحها في المرحلة القادمة. من هذه الأدوات نذكر

حل التناقضات

Contradictions solving

البحث الوظيفي

Function-oriented search

مقارنة الأنظمة والنقل التقني –

Benchmarking and Feature transfer

المشغل النظمي

System operator

وغيرها…

مرحلة تنفيذ الحلول: تتسم هذه المرحلة أيضاً بالإستبيانات المتخصصة عن آليات وجودة تنفيذ النتائج من تحاليل وحلول المراحل السابقة. يمكن أيضاًهنا تفعيل مشاريع أخرى قصيرة ومتعددة في إطار المشروع الأكبر. هذه المشاريع القصيرة تركز على دورة حياة التعامل مع المسائل الثانوية التي لا تقل أهميةً بالنسبة للأطراف المعنية

بهذا نكون قد استعرضنا بشكل سريع ومكثف أهم سمات المشاريع الإنوڤاتية وأدواتها، الأمر الذي يتيح للقارىء تشكيل انطباع مُبَسَّط مبسط عن مضمون أنشطة التطوير الإبتكاري والإبداع الموجه. لكن من أجل تفعيل الأدوار والإمكانيات في هذا الإتجاه، يجب ممارسة كل من أدوات التحليل المذكورة والتنقل بين المشاريع بأنواعها. لهذه الغاية، سيتمّ التّحضير لدورات تدريبيّة أونلاين من خلال مجموعة آينيسيس و كتابة مقالات تخصّصيّة لنقل هذه المعرفة واكتساب مهاراتها

i-NESIS

بقلم: الدكتور أحمد رامز قاسو

تدقيق لغوي: الأستاذة أميمة إبراهيم

مبادىء وأدوات التطوير الإبتكاري والإبداع الموجه – الجزء الأول

أعلى مراتب النشاط الفكري للإنسان في حياته اليومية هي الإبداع والإبتكار. في الماضي كانت هذه المرتبة حكراً على المواهب والعباقرة الذين دخلوا التاريخ بتميزهم. في أيامنا هذه أصبحت العملية الإبتكارية والإبداعية بمتناول اليد (في بعض الحالات تحتكرها الشركات) بفضل بروز منهجيات متخصصة يتم التدريب عليها وممارستها المنظمة من قبل موظفين اعتياديين، قيمة عملهم ما ينتجونه من قيم ابداعية وحلول مبتكرة للعملاء، وموهبتهم ما يبذلونه من جهد في تعلم وتطبيق أساليب ومبادىء العمل الإبتكاري التي استخرجت في القرن الماضي وتدرجت من منهجيات تطوير تقليدية إلى طرق ومنهجيات تطوير ابتكارية

المنهجيّات المتوافرة حالياً في عمليات تحديث الإنتاج الفكري والمادي، غنيّة بطرق جمع المُعطيات وتحليلها وتقديم الأفكار والحلول. على الأطراف المعنيّة بتجاوز العقبات والمشاكل على أنواعها أن تهتم بهذا النوع المعرفي فتستخدم الأفضل والأنسب ضمن عملية التطوير اليوميّة في مختلف المجالات. تتنوّع هذه المنهجيات و تتعدد خصائصها، سنستعرض بشكل سريع بعضاً منها لندخل إلى تفاصيل العمل بأهمها، المبادىء والأدوات التي يتم تداولها بشكل مُكثّف في عصرنا هذا

التراكم المعرفي والممارسة والخبرة الانتاجيّة والإداريّة  في مناح متنوعة، تقنيّة، تكنولوجية، إدارة الموارد، إضافة إلى تفكيك وحل المُعضلات التي تواكب باستمرار تقدم الحضارة الإنسانية، أدّى إلى تشكيل عدد من منهجيات التطوير

Lean Manufacturing

تم تأسيسها في شركة تويوتا، وانتشرت بشكل واسع، وتعددت أسماء مشتقاتها في العديد من الدول والشركات. كانت الغاية الأساسية من استخدامها التخلّص من العيوب التي تؤدّي إلى هدر للموارد خلال العمليات الإنتاجية في المعامل والشركات التي تنظم عملياتها الإنتاجية والإدارية المتسمة بدوريّة وتعدّد مراحلها ومستوياتها. تتألّف هذه المنهجيّة من أدوات حساب وتقييم العيوب وأنوع الهدر ثم تقوم بقياس وتقييم القرارات والحلول التي يتم تنفيذها. هناك غايات أخرى موازية، مثلا تحقيق ظروف إنتاجية آمنة ونظيفة. يمكن للمهتمين التوسع بالقراءة بخصوص بهذا الموضوع

Six Sigma 

تتخصص بتحسين نوعية إدارة الأعمال، والتخلص من المشاكل والعيوب عبر طرق إحصائية تراقب وتحدد التشوه والإنحراف الكميّ عن المعايير المطلوبة. تم تأسيسها من قبل شركة موتورولا، ثم تم اعتماد استراتيجيتها لاحقاً من قبل  شركة جنرال إلكتريك ، وبعدها نالت انتشاراًً واسعاً. كأي منهجية أخرى تقسم عملها لمراحل وأدوات، يمكن التعرف عليها أيضاً بشكل مفصّل في مصادر عدة على الشبكة

وهناك منهجيات من نوع آخر، ترتبط بشكل مباشر بالإنتاج الفكري المتميز (الإبتكاري والمبدع)، حيث انتقل مركز ثقلها من نطاق شخصيات موهوبة وعبقرية إلى مجموعات خبيرة ضمن شركات أو هيئات تنظم وتدير هذه العملية عبر استخدام مبادىء وأدوات تحليل العيوب والمسائل، ومن ثم حلها بطرق غير تقليدية. لعلّ أبرز هذه المنهجيات من حيث الشمولية والنوعية والكم المعرفي التي تتطلبها هي منهجية التريز

 TRIZ

التي استُخلصت ومورست لسنوات طويلة في الإتحاد السوفييتي، ثم انتقلت في العقود الثلاث الأخيرة إلى العالم الغربي وانتشرت بشكل واسع في معظم الشركات العملاقة في جميع القارات. يجدر الذكر أن هناك طرق منهجية أخرى اشتقت منها وأيضاً تعددت مسمياتها لخدمة أهداف ومجالات استخدام مختلفة. سندخل بتفاصيل أكبرعنها نظراً لأهمية دورها وطاقاتها الكامنة للمختصين المحليين في سوريا

منهجية التريز هي نظام معرفي نظري وتطبيقي لحل المسائل المعقدة والإبتكارية والتي يصعُب تحقيقها من خلال الأدوات والطرق التقليديّة المتاحة. طبعاً مسألة التعرف على ماهية المسائل والمشاكل الإبتكارية هو أمر في غاية الأهمية قبل الإنخراط في أي عملية تحليل ودراسة بواسطة منهجية التريز، لهذا يجب تصنيف أي مسألة ثم إعادة صياغتها بما يتناسب مع استخدام هذه الأداة أو تلك. باعتبار أن أدوات التحليل في منهجية التريز تكوّنت من خلال تدارس عدد هائل من براءات الإختراع لاستخراج قوانين معرفية عن طرق تفكير المبتكر أو المبدع خلال تجاوزه للمعضلات، فإن اتباع خوارزميات العمل الفكري يمكن لها أن تتيح عملية الإبداع الموجه لأكبر عدد من الناس، دون انتظار لحصول معجزات ما أو انتظار لإلهام أو قدرات ذهنية خارقة. وهذا يعني بأنّه يكفي للمتدرب على هذه الأدوات أن يتقن بعض المبادىء والأدوات المعرفية التي ستجد تفاصيلها في هذا المقال، حتى يتوصل لنتائج مشابهة ومنافسة لما يقوم بها المخترع أو العبقري الموهوب. هذه الخصوصية يمكن لمسها من خلال تنفيذ المشاريع الإبتكارية والتي سنتحدث عنها لاحقاً أيضاً. لكن لنبدأ أولاً بالحديث عن ثلاث مبادىء أساسية تعد قواسماً مشتركة في عمل أدوات التحليل في التريز

المبدأ الأول : التعميم ثمّ التخصّص

 هذا المبدأ يقول أن هناك كماً هائلاً من المعرفة المنظّمة في كل مجال من مجالات الأنشطة الإنساني، حيث يمكن لنا الإستفادة من المعرفة في مجال ما في حلّ مسألة تخصصية في مجال آخر مختلف. وبالفعل، إذا تعمق أحدنا فسيجد أن تلك النُظم المعرفيّة والمعلومات (سواء من مجالات فيزيائية أو تقنية) مُتاحة للإسقاط المُتَجدّد والتطبيق والإنتقال بين مواضيع ومسائل من شتى العلوم كالبيولوجيا والفضاء والنمذجة البرمجية والفكرية وحتى الإجتماعية والأدبية والفنون وغيرها. يتم إغناء أدوات التحليل بالتريز بآليات الدمج المعرفي وقواعد بيانات عن الوظائف والخصائص والنظم في مجالات مُعيّنة بحيث تكون قابلة للنقل والتوظيف في مجالات أخرى. إحدى تلك الأدوات اسمها: تشكيل وحلّ التناقضات

 المبدأ الثاني : الوصول للمثاليّة

هناك حلول ضعيفة وحلول قوية. قوة الحلول ومُدّة صلاحياتها تعتمد على كمية ونوعية خصائصها. عوامل القوة أو المثاليّة يمكن تحديدها بعلاقة بين الوظائف المفيدة والنتائج الضارة التي يقدمها حل مشكلة ما أو تحسين نظام ما آخذين بعين الإعتبار  قيمة التكلفة. كلّما كانت الوظائف المفيدة للمنتج أو النظام تفوق نتائجه الضارة، مع تقليص تكلفته، فإن مثاليته (الحل أو المنتج الجديد) تكون عالية والعكس صحيح. من جهة أخرى، يتمّ تعريف المثالية في منهجية التريز بأنها الحالة  التي يمكن الوصول لها عندما يتم تحقيق الوظائف المرغوبة من دون الحاجة لمنتج أو نظام جديد (مثلاً : المثالية تتحقق بأن تستطيع الملابس تنظيف نفسها دون الحاجة لغسلها بالغسالة أو وسائل أخرى). بالتالي، فإن أي عملية تغيير وتحسين بالنظم أو المنتجات يجب أن تسعى لتوفير عوامل القوة والمثالية

المبدأ الثالث : صياغة مفتاح المُشكلة

جميعنا يعلم أن صياغة المشكلة بشكلها الصحيح هو نصف الحلّ. لكن، ماذا يعني أن تصيغ المشكلة بشكل صحيح؟ من وجهة نظر التريز فإن صياغة المشاكل أو المسائل تمر بعدة مراحل. عادةً، وفي البداية يكون هناك صياغة لعيب أو لمشكلة ظاهرة أو لغاية يراد تحقيقها. من خلال أدوات التحليل يمكن لنا أن ننتقل بين عدد من الصياغات والمسببات الرئيسية لتلك الصياغة المبدئية والتي قد تكون مختلفة تماماً فيما بينها. بالتالي يجب حصر الطاقات والتركيز على حل المسببات الجذرية الرئيسة والتي تسمى بمفاتيح المشاكل أو المسائل (في حال تمّت صياغة مفتاح المشكلة بشكل مسألة). لكل أداة من أدوات التريز هناك طريقة ذهنية وأسلوب تعامل مع صياغة المشكلات، لكنها  نابعة جميعها من المبدأ ذاته

في الجزء الثاني من هذا المقال، سنتحدث عن أنواع المشاريع الإبتكارية وعن أدوات التطوير الإبتكاري وذلك حسب  مراحل العمل في

هذه المشاريع

بقلم د. أحمد رامز قاسو

تدقيق لغوي الأستاذة : أميمة إبراهيم

Website Built with WordPress.com.

Up ↑