نظام الضرائب كطوق نجاة – التجربة السويدية-الجزء الثاني

في الجزء الأول من هذا المقال ، استعرضنا بإيجاز سريع ، تاريخ نظام الضرائب في السويد و تطوره أثناء الحربين العالميتين و الإنهيار الإقتصادي آنذاك .. وقد ذكرنا الأساس الذي يعتمد عليه النظام الضريبي ألا وهو احتساب عدد ساعات العمل لكل مواطن ، و اقتطاع ضريبة بناء على هذا العدد ، يُضاف إلى ذلك أن ثلثي الضرائب في السويد تتألف من ضرائب الدخل و الضرائب على رأس المال . إن ضريبة الدخل في السويد تصاعدية ، مما يعني أنه كلما زاد الدخل زادت نسبة الضريبة ، بينما يتم دفع ضريبة رأس المال بشكل رئيسي من قبل أصحاب الدخل المرتفع أساساً 

أما الخدمات التي يتلقاها المواطن لقاء هذه الضرائب فهي عامّة ، و تُوزّع  وفقاً لمبدأ الحاجة. لكل مواطن حصته من الخدمات بغض النظر عن نسبة دخله، و يُعفى العامل من الضريبة إذا كان عدد ساعات عمله لا يتجاوز الحدّ الأدنى الذي يضمن الحياة الكريمة في السويد 

ذكرنا أيضاً أن المواطن في السويد تعلم ثقافة تقديم ، مرة كل سنة ، كشف عن دخله السنوي كاملاً ، وذلك عن السنة التي سبقت زمن التصريح ، مرة كل سنة ، و فيه يعلن عن تكاليف تنقّلاته من وإلى عمله ذهاباً إياباً ، و ديونه الغير معروفة للدولة . بعدها ، تقوم دائرة الضرائب بدورها بحسم التكاليف الزائدة ، و تخفيف ما يتوجّب عليه من ضرائب ، فإذا كان خلال راتبه الشهري، المقتطع منه نسبة الضريبة ، أكثر ما يجب أن يدفعه حسب الحسابات الأخيرة، تُعيد له الدولة الفارق المالي

اليوم ، تطوّرت العملية أعلاه و أصبح التصريح يتم الكترونياً بسهولة وسلاسة ، حيث تقدّم دائرة الضرائب  لكل مواطن كشفاً كاملاً لكل ديونه و ممتلكاته و دخله و حجم الضرائب التي دفعها مسبقاً إضافة إلى تلك التي يتوجّب عليه دفعها ،  ويبقى على المواطن أن يُصادّق على الكشف و يُتمّه بتسجيل تكاليف تنقله من وإلى العمل

هل تُؤثر الضرائب العالية سلباً على النمو الاقتصادي والاستثمار ؟

إن  النظرية الاقتصادية القائلة بأن السوق المستقر يتّسم بالكفاءة والفعالية  في استخدام الموارد (لا يمكن لأحدهم التمتع باقتصاد جيد إلا على حساب تردي الوضع الاقتصادي لآخر )  وأنه إذا تم كسر روتين السوق و تحريكه ستزداد البطالة . فعلاً ، هناك بعض الفرضيات في علم الاقتصاد ، التي تعتبر أن البطالة بمجملها طوعية ، بحيث تنخفض إيرادات الضرائب الفعلية عندما يتم رفع نسبة الضريبة ، و يزداد الكل فقراً ،

ففي السويد ، يدفع أصحاب الدخل المرتفع للدولة  بالإضافة إلى ضريبة البلدية ، التي تُشكّل ثلاثين بالمئة من قيمة الضريبة  تقريباً ، ضريبة دخل تبلغ نسبتها 25 في المئة على الإيرادات التي تتجاوز حدّاً مُعيّناً في سلم الكفاف  ( ضريبة هامشية )  أيضا

إن الفكرة الأساسية البسيطة التي تقف خلف الإدعاء بأن الإيرادات الضريبية يمكن أن تنخفض بالفعل عند رفع المستوى ، هي أن زيادة  الضريبة الهامشية ، تستوجب بذل جهد أقل من أصحاب الدخل المرتفع  حيث يُخفّضون ساعات عملهم عمداً . لكن ، و وفقاً للبحث العلمي الذي قدّمه الخبيران الاقتصاديان هوكان سيلين و سبنسر باستاني عام 2015 يرد أنه إذا تصرّف الموظفون وفقاً للفرضية فهذا يستوجب أن يصبح  الكثير من الموظفين، دون المستوى الذي يتم عنده رفع الضريبة الهامشية، لكن في الواقع لا وجود لهكذا تهرّب من أصحاب الدخل المرتفع ، ولا حتى تغيّر في سلوكهم . يقول باستاني و سيلين أن تغيّر السلوك (المرونة) يُلحظ لدى الموظفين

كتب پول كروغمان الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد ، في صحيفة نيويورك تايمز،2010-07-15

، أن تجربة الولايات المتحدة لا تُقدّم أيّ دعم للفكر القائلة بأن التخفيضات الضريبية تُموّل نفسها بنفسها على العكس من ذلك ، يعتقد كروغمان أن قيام رونالد ريغان بفرض تخفيضات ضريبية كبرى ،  أدّى فقط إلى حدوث فجوات كبيرة في ميزانية الدولة و عجز حادّ – على الرغم من الوعود البرّاقة بالتمويل الذاتي . عندما كرّر جورج دبليو بوش حيلة رونالد ريغان ، وزعم مرة أخرى أن التخفيضات الضريبية تُموّل نفسها.

من الواشنطن بوست بتاريخ 2006-05-15 Sebastian Mallaby صرّح سيباستيان مالابي   .وتحت عنوان “عودة اقتصاد الشعوذة” ، قائلا بأنه لا يوجد شخص جادّ بعمله يمكنه أن يؤمن بهذا

علاوة على ذلك ، كتب أحد عشر شخصاً من الحائزين على جائزة نوبل في الاقتصاد ومعهم الرئيسة السابقة لبنك الاحتياطي الفيدرا , جانيت يلين, Janet Yellen

، رسالة مفتوحة إلى دبليو بوش موضحين من خلالها أن تخفيض الضرائب لن يؤدي إلا إلى زيادة ضخمة في العجز  و صعوبة في تمويل الخدمات العامة الضرورية فحسب بل لن  يؤدي إلى خلق المزيد من الوظائف أو إلى زيادة النمو في البلاد أيضاً

إذا كانت النظرية القائلة بأن الضرائب تقلل من كفاءة الاقتصاد صحيحة ، فيجب أن يكون هناك ارتباط بين مستويات النمو والضرائب في مختلف دول العالم ، وبالتالي يجب أن نلاحظ ارتفاعا بالنمو في الدول ذات الضرائب المنخفضة ، وهذا عكس مايحدث واقعاً إذ لا وجود لمثل هذا الترابط حسب الأبحاث و التجارب ، إنما هناك علاقة مستقرة بين مستويات الضرائب المرتفعة والعدالة في توزيع الدخل ، لذلك نرى أن نموذج الضرائب  الاسكندنافية المرتفعة هو حصيلة جيدة لتحقيق المساواة والعدالة ، ليس لها جانب سلبي يتمثّل بإفقار الشعب

التخفيضات الضريبية ليست مجانية ومع ذلك ، هناك مشكلة بشكل عام تتعلق بـ

؟ “What-the-hell-do-I-get-the-money”

كما ذكرنا سابقاً ، يتم رفع مستوى الضريبة مقابل اختفاء تكاليف بعض الخدمات الشخصية التي تقتطعها الأسرة من ميزانيتها ، مثل وجبات الغداء لطلاب المدارس بما يضمن وصول الغذاء الصحي الكامل ، وجبة  لكل أطفال البلد ، على الأقل ، يحصلون جميعاً على الغذاء ذاته عبر الوجبة ، بغض النظر عن الوضع المادي لأهلهم . مثال آخر هو الدواء حيث يدفع المواطن  ٥ -١٠ بالمئة من سعره الحقيقي ففط ، لتُكمٍل الدولة بقية التكلفة يُضاف إلى ذلك أنّ المواطن  يدفع لفترة محدّدة مبلغاً سنوياً ، ثم يصبح الدواء كامل الدعم ، و كذلك الأمر في المشافي و المستوصفات ، و حتى عند مراجعته للأطباء الذين يعملون في العيادات الخاصة يدفع نفس قيمة الكشف لدى طبيب في القطاع العام ، و تتكفّل  الدولة بدفع باقي تكاليف الزيارة

لهذا نقول أنه إذا بدأ المواطنون بدفع سعر مرتفع للغاية لقاء تلقّي الخدمات العامة ، فيجب أن تكون هذه الخدمات عالية الجودة ، فإذا ساءت الخدمة ، سيمتنع المواطنون عن استخدامها وبالتالي يجري الانتقال بشكل فردي إلى نموذج السوق الحر “الخاص” ، و يواجه النظام بالتالي مشكلة قانونية خطيرة

!مثال صغير عن التأثير الإيجابي للضرائب المرتفعة

وفقاً لدراسة صادرة عن معهد دراسات سياسات النمو في السويد ، فإن دخول المرأة إلى سوق العمل قد وفرّ إضافة كبيرة و دفعة واحدة ، من حيث ساعات العمل و مكاسب إنتاجية كبيرة عندما انتقلت وظيفة رعاية الأطفال ( الروضة)  من المنزل إلى سوق العمل ، إن دخول المرأة مجال العمل بهذا الشكل ، أعطى لعملية الإنتاج هامش ربح إضافي، مما أتاح تأمين مورد لتحديث النظام التعليمي منذ الستينات ، كما يوفر الإنتاج الممول من القطاع العام الشروط الموضوعية لإحتراف الموظفين عملهم والحصول ، بالتالي ،  على جودة أعلى ، فمعلمو مرحلة ما قبل المدرسة ( الروضة ) اليوم ، هم خريجو كلية أكاديمية في السويد

إن النموذج الاسكندنافي الذي يتميز بمستوىً ضريبيٍّ مرتفعٍ نسبياً ، مع التزام عام كبير تزيد فيه فرصة مشاركة النساء  في سوق العمل نظرياً ، يوفر توزيعاً أكثر توازناً للدخل 

!مثال آخر عن الاستثمار الذي قد يشجعه النظام الضريبي المرتفع

بعد الزيادة الضريبية بين عامي 1995- 1999 في السويد ، بسبب الكساد العالمي في أوائل العام 1990 ، والتي لم تستطع الحكومة  تخفيضها وأصبحت  دائمة ، لكن تحت مُسمّى آخر.. عندما جاءت حكومة جديدة لم تستطع إلغاء هذه الضريبة المُستجِدّة خوفاً من أن يحاسبها الشعب باعتبارها تدعم الأغنياء ، فشرّعوا قانوناً جديداً ألا و هو تخفيض ضريبة خدمات المنزل ، فكان لكلّ مواطن يطلب خدمة لمنزله كخدمات التنظيف أو البناء ، الحقُّ في عرض فاتورة الخدمة على دائرة الضرائب ، وذلك لتخفض الدولة  نسبة ضريبته ، النتيجة كانت جيدة بالنسبة للاقتصاد ، فازداد عدد الشركات التي تُقدّم هذه الخدمات ، و بالتالي ، ازداد عدد العاملين في قطاع الخدمات المنزلية و استفاد الأثرياء من هذا التخفيض الضريبي غير المباشر

هل تستطيع سوريا اعتماد هذا النموذج من النظام الضريبي؟ 

هل تستطيع سوريا أن تلغي الضرائب المفروضة  على أصحاب الدخل المحدود و تعوضها عبر رفع نسبة الضرائب على أصحاب الدخل المرتفع و الأثرياء ؟ 

هل ستستطيع سوريا فرض قانون جديد يُلزم الأغنياء بالكشف عن حجم أموالهم في البنوك ، و فرض ضرائب مُطّردة على الإرث و الممتلكات التي تتجاوز الحد الأدنى وفق سُلِّم يتناسب مع متطلبات المعيشة في سوريا ؟ 

هل ستفرض سوريا على الأثرياء تغيير سلوكهم ؟ 

ربما ، حين يدفع الأثرياء  ضريبة أكبر سيجعلهم ذلك أكثر خوفاً على الوطن و تماسكاً لأجله . الباحثون بالاقتصاد الوطني يعلمون جيداً أن محاولة تغيير السلوك ، تُعدّ من أصعب المحاولات ، لكنها ممكنة ، و يجب أن تسبق أيّ قرار سياسيّ جديد دوماً

ربما سيعترض أحدهم هنا قائلاً ، أن الأغنياء يعتبرون غناهم حصيلة جهدهم وحقّهم الخاص ، فما الذي سيدفعهم لمشاركته مع باقي أبناء وطنهم ؟ ، ليس ذنبهم كما ليس من واجبهم إعالة الفقراء عبر الضرائب المرتفعة التي ستُفرض عليهم ، لذلك نرى أنه من دون نشر الوعي و ثقافة التكافل الاجتماعي بين أبناء الوطن الواحد ، سيكون من الصعب على الدولة أن تقنع الأغنياء بالتصريح طواعيةً عن مداخيلهم و أموالهم.. وحده القانون يستطيع فعل ذلك

بقلم : المستشارة الإقتصادية فاديا رستم
تدقيق لغوي : الاستاذة أميمة ابراهيم

نظام الضرائب كطوق نجاة – التجربة السويدية نموذجاً

الحالة المعيشية في سوريا تزداد سوءاً، و الأسعار تُحَلِّق في تصاعد مستمر دون أن يستطيع الاقتصاديون في البلد ضبطها. و بالرغم من محاولات  المصرف المركزي تعديل و ضبط سعر صرف الدولار، واتخاذ إجراءات مختلفة لمنع انخفاض الليرة السورية إلا أن الوضع الاقتصادي مستمر بالتراجع.. حتى أن محاولة الدولة زيادة رواتب موظفيها , كإجراء إسعافي , لم تؤدِّ إلى تخفيف صعوبات المعيشة على المواطن، لأن الأسعار كانت ترتفع عند كل زيادة للرواتب دون أن يلمس المواطن أي تغير أو تحسُّن في معيشته.. الأثرياء الكُثر في البلد، و الذي ازداد عددهم بعد دخول الأثرياء الجُدد الى طبقة مستهلكي الرفاهية، يحول دون امكانية  تحقيق  تحسن  أو انخفاض في أسعار السوق، خاصةَ و أن طبيعة حياتهم المرفّهة تتطلب شراء السلع  باهظة الثمن مهما كان سعرها، إضافة إلى أنهم يطلبون الماركات الأغلى دائماً، ويزداد طلبهم عليها في السوق بشكلِ مستمر. هذا أحد العوامل التي تؤدي إلى بقاء الأسعار مرتفعة، وغير قابلة للانخفاض مادام هناك طلب كبير و متزايد عليها

 فهل هناك حلّ آخر؟ هل تعديل قانون الضرائب يمكن أن يساعد في تحسين سعر السوق؟ دعونا نستعرض تجربة السويد خلال الحربين العالميتين الأولى و الثانية، و ماذا فعلت  لتنهض البلاد وتتجاوز عقبتي الفقر و الاقتصاد المنهار آنذاك. وهي صورة مشابهة لما حصل في باقي دول غرب أوروبا، وإن كانت لم تقع حرب فعلية على أرضها كما باقي الدول

 لقد كان للحرب العالمية الأولى تداعيات كبيرة في مجال الضرائب، ففي الفترة السابقة للحرب كانت الضرائب التي تجبيها الدولة عبارة عن جمارك و رسوم الإنتاج فقط . ذلك لأن أغلبية الشعب ان ذاك  كان يعمل  في الزراعة ويعيش على إنتاج أرضه. و من مبدأ أن إنتاج الأرض الزراعية من الطبيعة فإن الدولة لا يمكن أن تجبي ضرائب من الفلاحين. الضرائب كانت تستخدم معظمها لتمويل جيش البلاد وحماية الوطن. ثم جاءت الحرب و قرر السياسيون آنذاك أن على الجميع ان يساعد في حماية البلاد فازدادت الضرائب لتمويل الجيش. و قرر السياسيون،آنذاك، أن تكون الضرائب تصاعدية ( حسب دخل المواطن)، و مؤقتة بسبب الحرب، و لذلك كانت تسمى بضرائب “الدفاع عن الوطن”

بعد الحرب حان الوقت لإصلاحٍ ضريبي جديد. فتم وضع نظامٍ ضريبي جديد على الدخل و لكن مَرِن،استطاع أن يقدم إعفاءات أساسية سخية نسبياً، تعتمد على حالة الأسرة وتكلفة المعيشة في المنطقة التي يعيش فيها المواطن . فإن كان الشخص متزوجاً ولديه الأطفال يدفع ضريبة أقل، و إن كان يعيش في منطقة بعيدة تحتاج منتجاتها تكاليف أعلى فإن ذلك يخفف من دفعه الضرائب المتوجبة عليه

 ثم جاءت الحرب العالمية الثانية و جلبت معها تغييرات جديدة على نظام الضرائب، و كانت كلها تتمحور حول ضرائب الدخل. مثلاً  تم تخفيض حصة الثروة التي كانت تُضاف على الدخل، و ازدادت قيمة الضرائب على الميراث  والعقارات

 بعد الحرب بدأ قانون “الكشف الذاتي” عن الدخل (التصريح عن الدخل) دون تدخل موظفي الجباية و الضرائب. حيث يقوم كل مواطن سنوياً بملء استمارة تتضمن تصريحاً عن دخله خلال السنة وما دفعه من الضرائب، وبالتالي يضمن أنه مُسجّل عند الدولة في التأمين العام كالطبابة ، التقاعد ، فقدان العمل،المرض والإصابة …… الخ

هذه الشفافية في الكشف الطوعي عن الدخل , ساعدت الدولة و المواطن بشكل كبير في الاتجاه نحو بداية نظام ضريبي عادل. ففي عام 1947 قُدِّمَ أيضاً مايسمى بنظام “الضريبة المقتطعة” ، الذي يعني أن صاحب العمل أصبح مضطراً لخصم الضريبة (الأولية) مباشرة من دخول العمال. ثم يدفع صاحب العمل هذه الضريبة إلى سلطات الضرائب . بينما كان الأمر في السابق يعتمد على العمال أنفسهم، حيث يقومون  بدفع الضرائب بأنفسهم، مما يؤدي، في الكثير من الأحيان إلى تأخر في الدفع يتراكم لاحقاً كدَينٍ للدولة, وينقص المال المتوفر في خزينة الدولة

يختلف نظام الضريبة المقتطعة هنا عما هو الحال في سوريا، حيث لا يدخل اشتراك النقابة ضمن الشرائح التي تخضع للضريبة المقتطعة ،إذ يتم دفعه في السويد على حدى و بشكل فردي ، الأمر الذي يُحفز النقابة على العمل بجدية كبيرة لكسب الأعضاء من خلال أنشطتها المختلفة والدفاع عن حقوق أعضائها أمام أصحاب العمل

 على عكس الفترة التي سبقت الحرب العالمية ، اتسمت فترة ما بعد الحرب بالتضخم الاقتصادي المستمر. تسبب التضخم الاقتصادي في الضغط على دافعي الضرائب ذوي الدخول المنخفضة. و لم تكن للزيادات الضريبية التي سببها التضخم خلال فترة ما بعد الحرب أن تمر دون أن يلاحظها أحد سلبياً، لذلك قام السياسيون وقتها بخفض ضرائب الدخل ، خاصة لأصحاب الدخل المنخفض

 من ناحية أخرى، شهد أصحاب الدخل المرتفع ضرائب هامشية متزايدة . ومع ذلك ، استمرت زيادة التضخم خلال السبعينيات . ازدياد التضخم أدى إلى مطالب بزيادات عالية في الأجور ، مما ساهم في زيادة الحد الأدنى للأجور، و اقتربت وقتها الفئات في المجتمع من بعضها في الدخل المعيشي، و هذا ما ساعد في بدء تبلور مرحلة تحقيق مسيرة العدالة الاجتماعية

 كما رأينا أعلاه لقد لَعِبَت الجوانب السياسية والأيديولوجية جنبًا إلى جنب مع زيادة الديموقراطية في المجتمع دوراً في كيفية تغيير النظام الاقتصادي والسير باتجاه المساواة و العدالة. إن إدخال نظام ضريبة الدخل التصاعدية ( كلما ازداد الدخل ازدادت الضريبة مع تحديد سقف معين لذلك طبعاً) و “سلّم الكفاف” للمواطن السوري لمعيشته الذي يعتمد على سعر الليرة، و سعر المنتجات التي تضمن له كرامة العيش، و إعفائه من دفع الضرائب إن لم يتوفر له الدخل الذي يحتاجه للمعيشة، قد يكون هو المدخل الموضوعي لتحسين الوضع الاقتصادي،والنهوض بالاقتصاد

 ما الذي جعل المواطن السويدي …يثق بنظام الضريبي و يراه نظاماَ عادلاَ ومفيداَ لمصلحته كفرد؟ 

عندما يثبت النظام الضريبي للمواطن أنه من خلال التزامه و تصريحه عن الدخل الذي يحصل عليه شهرياً سيحصل على مبلغ مناسب لكل ولد من أبنائه ورعاية لهم في الحضانات والروضات  والمدارس ..الخ ، وانه سينال في نهاية المطاف مبلغاً تقاعدياً شهرياً و رعايةً صحيةً مضمونة مع تقدمه في السن، سينخرط المواطن طوعاَ بالنظام الضريبي وهذا ما حصل في السويد 

الحصول على الدخل عبر الحساب البنكي يساعد بالطبع في تسهيل العملية، ويجعلها أكثر دقة وموثوقية، وتحت المراقبة المشددة لمنع أصحاب العمل من التلاعب بالأموال و الفساد

 النظام الضريبي كان موحّداً و عادلاً تجاه كل اصحاب الدخل سواء كانوا في القطاع العام او الخاص، سواء كانوا تجّاراً وأصحاب شركات، أو كانوا أصحاب أعمال حرّة، فالجميع يضمن أن مستقبله تحميه الدولة لا الجمعيات الخيرية او الدينية، ولا يتكّل على وجود أبناء له،أو يربط مستقبله بوجود أبناء يرعونه في مرحلة عجزه

 هل من الممكن الاستفادة من التجربة السويدية ؟ إن تجديد تصميم النظام الضريبي ضروري لزيادة إمكانية الخروج من الفقر، وتوليد عائدات ضريبية يمكن استخدامها لسد الفجوات بين الطبقات و الفئات الاجتماعية، وأيضًا وسيلة فعالة للحد من الآثار البيئية والمناخية

 الهدف من النظام الضريبي هو ضمان تمويل القطاع العام والمساهمة في مجتمع يعمل بشكل جيد و عادل لكافة الناس و لكل الشركات والمؤسسات ، إضافة الى مكافحة الجرائم

 يجب أن تخلق السياسة الضريبية أيضًا الشروط لـ: التنمية المستدامة والعمالة المتزايدة، توزيع الثروة بالتساوي، مجتمع مستدام بيئياَ واجتماعياَ من أجل التمكُّن من دعم السياسة الاقتصادية بشكل فعال

 :يجب تصميم السياسة الضريبية وفقًا لأربعة مبادئ توجيهية

نظام ضريبي مشروع وعادل: يجب أن يتمتع المواطنون والشركات بمستوى عالٍ من الثقة في النظام الضريبي، و يجب فرض الضرائب بطريقة آمنة قانونياَ

قواعد عامة وواضحة متاحة للجميع: يجب أن تكون القواعد الضريبية عامة و واضحة ، مع قواعد ضريبية واسعة، و معدلات ضريبية متوازنة بشكل جيد مع أهداف السياسة الاقتصادية. هذا يساهم في نظام ضريبي شرعي وعادل. ويجب أن لا ننسى نشر التوعية و الثقافة الضريبية كشرط أساسي لنجاح النظام الضريبي، و هذا يتطلب البدء به في المراحل الأولى من الدراسة الابتدائية بالتعريف عن أهمية جمع الضرائب و عدالتها

الضرائب على علاقة وثيقة مع ساعات الدخل: يجب أن يتم فرض الضرائب ، قدر الإمكان ، فيما يتعلق بساعات العمل الفعلي. يؤمن انخفاض وجود الإعفاءات الضريبية في استثناءات محددة مثال عدد الساعات التي لا تتعدى ١٢٠ ساعة سنوياً 

:في الجزء الثاني من المقالة سنتناول الأسئلة التالية

١-هل الضرائب و تزايد نسبتها يضرّ الإنتاج و الاستثمار؟ 

٢- ما هو الأكثر إفادة لي كفرد في المجتمع، ضرائب خفيفة أو ضرائب عالية؟ 

بقلم المستشارة الإقتصادية فاديا رستم 

الوطن الموروث و الوطن المبتكر

كان يحكي لنا والدي كثيرا عن لقاءات السوريين شبه اليومية في مغترباتهم وكم كانت أمراً لا بد منه! كان يعتبر أن سنوات دراسته في جمهورية تشيكوسلوڤاكيا لمدة ٤ سنوات كانت كفيلة أن تغني وتجذي شعلة الوطن في ذاته وتشده أكثر للعودة .. هذه الرغبة هي ما كان يدفعه وغيره من الطلاب السوريين للاجتماع بشكل دائم لصنع جسور تصلهم بالوطن في وقت الغربة المستقطع … واذكر تلك الصورة التي رسمتها في مخيلتي الطفلة … لشارع معتم بعد منتصف الليل و لنافذة منيرة بضوء خافت تنير بحياء ما حولها.. كان يقول بيقين مطلق ونوع من الفخر “نافذة مضيئة في ليل الغربة تعني أحد أمرين إما أنه طالب ڤيتنامي يعد لامتحاناته أو أنهم سوريون يتبادلون الحديث في السياسة !!!” طبعا فالسوريون محنكون بالسياسة ، فاضافة  أن هذا النوع من الاضطلاع كان موضة دارجة في كل بقاع العالم في حقبة معينة تمسكنا به نحن لسبب ما. ليس فقط بسبب موقعنا الجيوسياسي الذي شغل العالم منذ بدا التاريخ ! …فحتي قبله ، قبل  ولادة المسيح السوري فيها بزمن بعيد كنا نبحث لأنفسنا عن مكان تحت الشمس. تمسكنا ببعض الوعي الذي تحصلنا عليه كابناء تسلسل حضارات انسانية ذات اثر اذ  لم يكن هذا الوعي نظراً لمنطقتنا عفويا وسهل المنال

 و كان يسكنني الإيمان المطلق  بان هذا الوعي فقط هو ما سيحمينا في الأزمان التي لا تعرف الرحمة . وجاء عام  الاختبار الكبير في مد لا يشبهنا. ولم يستطع ما تسلحنا به من تنور ووعي وولع في السياسة ان يحمينا من آلة فرم الأوطان الأصيلة والمتفرّدة  لاستبدالها بتلك الحديثة مسبقة الصنع . وتبعثرنا في شتات البحث عن الامان  …و عن المستقبل  … وعن الذات وامسينا  و نحن احوج ما يكون لمرآة انفسنا مع السوريين مثلنا ابعد ما يكون عنهم و عن أنفسنا. امعنا  في غربتنا عن الوطن حتى ونحن نسكنه و بتنا مولعين بتعزيز الشقاق وتقزيم حجم الأوطان، وقد نصل في ذلك حد تغيير حدودها مبررين لانفسنا ان جرحنا عميق ونازف.. دون أن ندري أننا نحن من نجهد في العبث واللوث فيه مراراً وتكراراً علّه لا يندمل

 أمسى أي جدل في السياسة يبدو لي ثرثرة ممجوجة بحقد اتعجب من اين لنا أن نحمله واي موروث أورثنا إياه هذا “الوطن”؟؟! واجهد في معرض كتابتي لهذا المقال في البحث عن تعريف لهذا التعبير الذي كان جوهر الكثير من البطولات الأدبية، فمن أوديسا التي انتهت بعودة بطلها الى وطنه فيما بقي فكره هائماً خارج حدوده، الى لوركا شهيد حرية الوطن الى جبران المعذب في منفاه الاختياري ..الى كونديرا الذي سمى الحنين الى الوطن “جهلاً”  … ولا ننسى أيضاً  كل ما تعلمناه في مدارسنا من ملاحم ..اه  كم كنا نحب هذا الوطن!؟ واه كم توقفنا اليوم عن حبه؟

أصبح الوطن اليوم للكثيرين شيئاً هشاً كالبرشام في يد طفل صغير … جزعت عندما سمعت أحدهم مرة يقول “الوطن مات”! لكن ذلك حفزني للتساؤلات التي تلي خبر موت الأوطان. فإن مات وطني حقاً! ألا يعني هذا أننا قادرون على خلق وطن جديد بأدوات جديدة ومفاهيم جديدة؟! قد يكون الميت هو الفكرة الرومانسية فقط تلك التي ورثناها كما ورثنا الطبعة الدينية التي تُطبع على جبيننا بحكم الولادة دون ان نُسأل رأينا فيها وحتى عندما نبلغ سن الرشد لا يتكبد أحدهم عناء سؤالنا ما إذا كان الأمر جيدا بالنسبة لنا… هو الوطن كما علمنا آباؤنا.. لكن ألسنا نعتقد جميعاً يقيناً بأن ما علمنا إياه آباؤنا ليس صحيحا بمطلقه؟! وأنه نتاج خبرتهم و موروثهم فقط؟! واننا بخبراتنا وتجاربنا الجديدة قادرون على أن نغني أنفسنا ومحيطنا … خاصة إن كان هذا المحيط في طور تغيير جذري لا مفر منه

قد يكون البحث عن إجابات حتمية لاسئلتنا الكثيرة في زمن الشتات أصبح مضنياً، لكن يبدو من التعقل التوقف للحظة عن إرادة وجود إجابات فوجود أسئلة مفتوحة ليس عبثياً بالضرورة! فلننطلق من حاضرنا ولنختر مما ورثنا، إذ لم يخلق كله ليكون جزءاً من مستقبلنا ومستقبل أبنائنا … نحن نحمل اليوم ما نحمل.. من جروح وآلام وآمال لا تخبو في قلوبنا … نريد لهذا الكائن الغير مرئي الساكن في وجداننا “الوطن” ان يحيا وأن يحيا عزيزاً فقط … ليس لهذا الكائن سماهٌ محددة  ولا أسماء ولا يشبه أياً منا، ولا يمكن أن يُختزل لا بشخص بشريٍّ ولا بتكوين إلهيٍّ … فالوطن أكبر من ذلك كله … نحمل على عاتقنا اليوم مهمة قد تبدو شبه مستحيلة لكني لن اسلم باستحالتها طالما أملك ما أتمسك به وما اعتقد انه يستحق … وفي تلك البقعة الجغرافية المحاصرة التي تغفو اليوم بِجَزَع على الساحل الشرقي للمتوسط وتتوسد التاريخ مازال هنالك الكثير مما يستحق … 

 دمتم والأوطان بخير      

بقلم زينة ناصر
اللوحة للفنانة سلام برهوم

1مقالات ذات صلة

2مقالات ذات صلة

الاقتصاد ما بعد جائحة كورونا 2019 ، دروس وعبر

في عام 2020 ، تضرر اقتصاد الهند  الذي كان يُعدّ ، و لسنوات عدّة ، الأسرع نمواً وخامس أكبر اقتصاد في العالم (بعد الولايات المتحدة ، الصين ، اليابان وألمانيا) ، و انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة بلغت 7,7 بالمئة خلال العام المالي 2020-2021 بسبب كورونا كما ألحقت جائحة الكورونا أضراراً اقتصادية هائلة بدول العالم المصنفة بأنها غنيّة ، و الأمر الّذي لم يكن من الممكن   توقع حدوثه قبل عام 2019 . ففي ذلك الوقت ، كان الاعتقاد بأن الڤيروس الجديد سيشكل خطراً أساسياً على البلدان ذات “أنظمة الرعاية الصحية الضعيفة” أودى فيروس كوفيد -19 ، في كل من الولايات المتحدة وأوروبا ،  بحياة أكثر من 400 ألف شخص حتى الآن

تباطأ النمو الاقتصادي خلال  الربيع الماضي في تلك الدول ، ليعاود نشاطه الآن ، ولكن بنصف السرعة المعهودة في تلك الدول ، بعد أن اجتاحتها الموجتان الثانية والثالثة من الوباء ،  ويُضاف إلى ذلك تكاليف اللقاحات التي يجب تأمينها لتعود دورة الإنتاج و تحريك عجلة الاقتصاد المطلوبة . و لكن ، وبعدما  أصبحت اللقاحات الآن حقيقة واقعة ، تعتري عملية الإنتاج والتوزيع مشاكل كبيرة حتى الآن ، حجزت البلدان الغنية ، التي يسكنها مليار نسمة من سكان العالم ، 4 مليارات جرعة من اللقاح ، و تم تخصيص 625 مليون جرعة فقط ، للدول الفقيرة والدول النامية ، و التي تتفوق من حيث عدد السكان على الدول الغنية بأضعاف مضاعفة . في أوروبا والولايات المتحدة ، سيُنجز التطعيم بالكامل بحلول الخريف. ومن المتوقع أن تستغرق عملية التطعيم ، عدة سنوات ، في أجزاء واسعة من نصف الكرة الأرضية الجنوب :تُرى ، هل تدرك الدول الغنية أن اقتصادها سيزداد سوءاً إذا لم تعمل على توفير اللقاح للدول الفقيرة أيضاً !؟

:دعونا نستعرض مايلي

أولاً: إن ضمان توفير اللقاحات ليس مجرد واجب أخلاقي ، بل إن ذلك يصبّ في مصلحة الدول الغنية

 في الأجزاء الأكبر من العالم ، حيث يُسمح للفيروس بالانتشار بحرية ، يزداد احتمال خطر حدوث طفرات جديدة ففي الأشهر الأخيرة ، أُجبرنا على معاينة مخاطر الطفرات في ڤيروس كورونا ، وقد أثبتت الوقائع الأخيرة أن الڤيروس “بنسخته البريطانية” أشد شراسة و قابلية  للعدوى ، ويُعتقد أنه يقف وراء الانتشار المتزايد في العديد من الدول . في جنوب إفريقيا والبرازيل ، تم تحديد أنواع أخرى مثيرة للقلق.. وكما صرح رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس مراراً وتكراراً ، “لا أحد سيكون بأمان إلا عندما يصبح الجميع آمنين” ، فإن اقتصاد الدول لن ينمو بالشكل المطلوب ، سواءً كان ذلك  يعود إلى

  إجراءات  الاغلاق الحكومية أو لأن الناس أنفسهم يختارون البقاء في المنزل خوفاً من العدوى  ثانياً: تضررت اقتصادات الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل بشكل خاص بسبب ضعف القدرة على الحفاظ على استمرارية عجلة الإنتاج والعمل  وهو ما أثر بشكل مباشر على مجمل العملية الانتاجية في البلاد 

يُقدّر صندوق النقد الدولي أن الوباء سيكون ، بحلول عام 2022 ، قد أدى إلى خسارة في الناتج المحلي الإجمالي تزيد قليلاً عن 2 بالمئة تقريباً في الولايات المتحدة ، و ما يزيد قليلاً على 2,5 بالمئة تقريباً. في أوروبا ، أما في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا – باستثناء الصين واليابان – فستتجاوز الخسارة عتبة 6 بالمئة 

 كما يُظهر تقريرٌ جديدٌ لمنظمة الصحة العالمية ، أن انتعاشاً ضئيلاً في اقتصادات البلدان النامية سيصيب الدول الغنية أيضاً ، ويتجلى بانخفاض الطلب على شركات التصدير لديهم

 ثالثاً، يضاف إلى ذلك مخاطر أزمات الديون ، التي نتجت عن ارتفاع معدلات الاقتراض ، والتي اضطرت العديد من الدول الفقيرة إلى اللجوء إليه خلال فترة الوباء ، وهذا يمكن أن يخلق موجات تضرب الأسواق المالية العالمية  في أوروبا والولايات المتحدة أيضاً

إنّ الدرس الّذي لا مفر من تعلمه ، تقريبا ، من جائحة كورونا ، هو أنه يجب على البلدان جميعاً إعادة تطوير نظام الرعاية الصحية 

 ففي تقرير حديث ، صدر منذ أيام ، قدّم فريق باحثين ، تابع للاتحاد الأوروبي ، في بروكسل تقريراً يُوضح أن السبب وراء الارتفاع الكبير في عدد الوفيات أثناء جائحة كورونا ، كان تقديم الدول الدعم الأكبر لافتتاح مراكز الرعاية الصحيّة الخاصة على حساب العامة ، الأمر الّذي أدى الى تقليص ميزانية الدولة الخاصة بقطاع الصحة العام ، و توفير الفرصة المريحة  للخاص ، الذي تملّص من مسؤولياته أثناء جائحة كورونا ، حيث لم تستطع المشافي العامّة تقديم الرعايّة لمحتاجيها كما يجب ، ففي التقرير قال أوليڤر هوديمان ، الباحث و رئيس مجموعة الباحثين التي أعدّت التقرير : ” تقوم المستشفيات الخاصة بجنيِّ الزبيب من الكعكة ”  مؤخراً ، أعلنت الهند في ميزانية السنة الجديدة ، عبر وزيرة المالية نيرمالا سيتراما عن مضاعفة الجهود ليتم استثمار مايعادل 2 % من إجمالي الناتج المحلي في الرعاية الصحية

ماذا عن سوريا  ، التي عانت حرباً خلال العشر سنوات الأخيرة و لازالت تعاني؟  لقد خسرت العديد من أطبائها و من الطاقم الطبّي الّذين أصبحوا  خارج البلاد ، هل تستطيع تأمين اللقاح لمواطنيها ؟ ، هل سيساعدها الحلفاء في تأمين اللقاح لتعود دورة الإنتاج ؟ ، هل ستعمل الحكومة  على تطوير الرعايّة الصحيّة و زيادة ميزانيتها ، متخذة الهند مثالاً جيداً يُحتذى به ، للاستفادة من درس جائحة كورونا ؟ ، خاصة و أنّ الرعاية الصحية في بلادنا غير كافية ، وعفا عنها الزمان ؟ هل ستعمل وزارة الصحة على استقطاب واجتذاب الأطباء المغتربين للعودة و العمل في قطاعها ؟ ، هل سترفع وزارة الصحة سويّة المشافي العامة لتنافس الخاصة ، و تحافظ على خبراتها داخل البلد و ضمن القطاع العام ؟ ، 

!فاقتصاد البلد يتعافى بتعافي مواطنيه

بقلم المستشارة الاقتصادية فاديا رستم

علم الوراثة اللاجيني

《أمي لم تخبرني بشيء أبداً لكن هذا ماحصل لأبي ، أنا أعرف ذلك》

ذكرياتنا صنعت من عدة أجزاء نبلورها ونطورها من قصص نحتار تصديقها تلك القصص التي تروي مسار شخصياتنا والتي تشكل سرداً داخلياً مؤلفاً من مشاهد وخلاصات وطرائف ملونة بلمسات من الحقيقة وبعض الافتراضات

نحن نميل لاعتبار وجودنا من خلال هذه الذكريات والتي غالباً مايكون مبالغاً فيها إلا أنها تسمح لنا بفهم أساس قوتنا وضعفنا، لكن مفهوماً جديداً مثير للاهتمام يقول لنا أنه من الممكن توريث الذكريات . إذاً بعض التجارب المؤلمة والصدمات التي تعرض لها أجدادنا قد تعود لنا حاملة معها أثراً من ماضٍ بعيد وإن لم نكن جزءاً منه لكنه سيكون موجوداً فينا حتى قبل ولادتنا معلومات جديدة من شأنها أن تهيئ الأجيال لمخاوف قديمة أو لتجربة نفس الأخطار التي عاشها الأجداد والنجاة منها فمن سيقدم لنا التفسيرات ؟!

– أتذكر القصص التي رويت لي عن جدتي كيف حملت طفليها ” طفل تحت كل ذراع” حين هربت من القنابل التي أمطرت سماء مدينتها اليابانية 1945 ، جدي كان مقاتلاً يحارب في مكان آخر.  الأهوال التي أحاطت بها والشجاعة التي أظهرتها لحماية عمي وعمتي هل انتقلت إلى والدي عند ولادته ثم انتقلت إلي ؟ هل هذه الذكريات محفورة في كياني ولو بشكل جزئي هل تعود شجاعتي وربما قلقي إلى تجربة جدتي ؟ تبدو لي الفكرة معقولة ولا تخلو من الشاعرية.

هذا ما ترويه كارمن ماريا ماتشادو في قصتها القصيرة التي حملت عنوان : نجمة موجزة وخائفة (A brief and fearful star)

إن هذه الطريقة في التفكير والتحليل النفسي هي التي تجعل مفهوم هذا العلم épigénétique مثيراً للاهتمام رغم أنه حديث العهد ومثير للجدل إلا أن الخبراء يسعون في هذا المجال للإجابة على سؤال محدد لشخص ما

عندما تغير تجربة ما السمة الجينية (expression  de gène)  هل سينقل هذه التغييرات إلى نسله  وماهو تأثير هذه التغييرات على صحة وسلوك أحفاده؟

إن مثل هذه التساؤلات تحفز الخيال وتثير فكرة ذاكرة التجارب المختزنة والتي تنتقل عبر الأجيال.

épigénom التعرض للعالم الخارجي قد يؤدي إلى تغيير في

(يُشير مصطلح “ما فوق ” الجينوم ” (بالإنجليزية: Epigenome) يشير إلى سجل التغيرات الكيميائية الفوق جينية في الحمض النووي وبروتينات الهيستون لكائن حي؛ يمكن أن تنتقل هذه التغييرات إلى نسل الكائن الحي عبر الوراثة الفوق جينية العابرة للأجيال. يمكن أن تؤدي التغييرات في ما فوق الجينوم إلى تغييرات في بنية الكروماتين وتغييرات في وظيفة الجينوم، ولكن من غير تغيير تسلسل الحمض النووي على الإطلاق

ملأت الأبحاث الأولى في هذا المجال أذهان القراء بالأسئلة والاحتمالات ويمكن أن نذكر بعض هذه الدراسات التي سلطت الضوء على احتمال وجود بصمة جينية مؤلمة في أحفاد ضحايا المحرقة أو ضحايا المجاعات فهل يمكن للمرء أن يرث ذكريات عن العبودية أو الإبادات الجماعية، الفقر ، سوء المعاملة …؟

نحن نعلم أن الخصائص البشرية يمكن أن تنشأ من التعليم والفرص المتاحة أو حتى من طفرات عشوائية لكن ما نوع الخصائص التي يمكن أن تنتقل إلينا من خلال رحلة الأسلاف التي لا نعرف عنها شيئاً في كثير من الأحيان

وفقاً لعلم الوراثة اللاجينية أو فوق جينية فإن الحياة التي نعيشها اليوم متأثرة بالعوامل البيئية مثل الإجهاد والضغوط او النظم الغذائية وهي من تؤثر على المورثات البيولوجية لأطفالنا وأحفادنا كما تأثرنا نحن بأسلافنا بنفس الطريقة منذ زمن بعيد

بالعودة إلى قصة كارمن ماريا ماتشادو ” التي تتجاوز المعارف العلمية الحالية” ذكريات الأم تتردد في جسد ابنتها التي تشعر بتأثيرها دون أن تفهم طبيعتها – تتحدث مباشرة إلى القارئ- 《أعلم أن شعورنا بدا وكأننا أول من يطأ هذه الأرض لكننا تعرضنا للضرب من قبل وحوش أكثر من كونهم بشراً 》 تتحدث هنا عن تجارب لم تعشها بالفعل لكن يبدو لها أنها عاشتها بكل تفاصيلها التي ربما حملتها معها قبل ولادتها كما لو أن هذه الذكريات محفورة في خلايا جسدها  . إنه سرد قوي ومؤثر لكن العلم لم يؤكد بعد هذه النظرية لنعد معاً إلى الواقع بعيداً عن هذه القصة المؤثرة ، العلم لا يسمح لنا بعد بالتأكيد على أن جينات الطفل يمكن أن تحافظ على بقايا تجارب أسلافه أو أن الذاكرة الخلوية

البشرية يمكن أن تنتقل إلى الأجيال القادمة

{التشويق الذي يثيره علم الوراثة اللاجيني يتجاوز تقدير العلماء }

يقول الباحث جيمي هاكيت : إن فكرة أن جزءاً منا جاء من أفعال وخبرات أسلافنا هي فكرة فلسفية نوعاً ما

أجرى هذا الباحث دراسة على الفئران عام 2013 في جامعة كامبردج أظهرت أنه من الممكن أن تنتقل بعض الصفات اللاجينية في الثدييات إلى الأجيال اللاحقة ويتم ذلك عبر “epigenome” وهي شبكة من الجزئيات تلتصق بالجينات مثل الضباب الذي يلتصق بالزجاج هذه الجزئيات تنسق النشاط الجيني ويمكن أن يؤدي التعرض للعالم الخارجي إلى تغيير هذه الصفة والذي بدوره يؤثر على قابليتنا للمرض وعلى سلوكنا بشكل عام .

يسعى جزء من البحث في علم الوراثة هذا إلى فهم الأشكال المختلفة الموجودة في جيناتنا طريقة عملها والصفات التي تحملها وكيف يمكن أن تؤثر على خصائص معينة وكيف يمكن أن تنتقل عبر الأجيال ، يعتبر بحث هاكيت مهماً من الناحية العلمية فحتى الآن يعتقد الكثير من العلماء أن التغييرات التي تسببها هذه العلامات يتم إعادة تصنيعها في الثدييات نفسها ولم تنتقل إلى الأبناء ، يعمل Hacket الآن في مختبر للبيولوجيا الجزيئية ويواصل دراسة إعادة البرمجة و الوراثة اللاجينية باستخدام تقنيات CRISPR ” إعادة تحرير الجينات ” إن هذا العلم كغيره من المفاهيم العلمية المثيرة للاهتمام وللجدل خاصة عندما تتجاوز إدراك العلماء لها .

الانبهار يؤدي إلى المبالغة في النتائج

اتفق الباحثون على نقطة واحدة : هناك بعض الدراسات التي تظهر فيها الوراثة اللاجينية في النباتات والديدان والتي تنقل الذكريات والخبرات إلى نسلها حيث وجد الباحثون الذين قاموا بإجراء تعديل وراثي على الدودة المستديرة (caenorhabditis elegans  )

لجعلها أكثر ذكاء وتأقلماً بأن عرضوها لدرجات حرارة أعلى بشكل مؤقت وتدريجي مما أحدث فعلاً تغييرات في صفاتها الجينية وجعلها أكثر تأقلماً مع الحرارة  كما أن هذه الديدان نقلت هذه التغييرات إلى نسلها الذي كان أكثر ذكاء من نظرائه الآخرين دون أن يتعرض للحرارة التي تسببت في حدوث هذه التغييرات في آبائهم

أما الأبحاث التي تتعلق بالبشر وباقي الثدييات فهي أقل تقدماً بكثير مما تم إثباته في الأبحاث التي أجريت على النباتات والديدان ومع ذلك فإن الانبهار بهذا المفهوم غالباً مايؤدي إلى نتائج مبالغ فيها كما صرح جون غريلي أستاذ علم الوراثة وطب الأطفال في كلية آلبرت آينشتاين في نيويورك :

إذا تم تصديق مقال شيكاغو الشهير حول دراسة <نقل الصدمة> للناجين من الهولوكوست مثير للجدل من حيث حجم العينة المحدود التي أجريت عليها الدراسة فقد اعتمد الباحثون في كثير من الأحيان على الارتباطات دون تسليط الضوء على الأسباب والنتائج بشكل تفصيلي دقيق ، إن مفهوم الوراثة اللاجينية هو بالتأكيد موضوع خيالي شيّق وجميل لكن من السابق لأوانه التأكيد بأن البشر يرثون بالفعل تجارب أسلافهم في الوقت الحالي يقوم العلماء بجمع الأدلة قائلين لنا : امنحونا بعض الوقت

المختصين في هذا المجال لديهم فكرة واحدة وهي إيجاد الآليات المحتملة لهذه العملية

هذا النقص في الاكتشافات الحاسمة يرجع أيضاً إلى تعقيد الجنس البشري حيث لم يتمكن الباحثون من فهم مدى تأثير البيئة على الجينات لدينا وهل يمكن أن تنتقل هذه السمات إلى الأبناء في الثدييات ؟ أي منها يمكن مقاومة عملية إقصاء متكاملة لبعض الجينات والتي قد تحدث أثناء التكاثر ؟ !

إن هذه الأسئلة لا يوجد إجابات موحدة عليها فالخلافات مازالت قائمة بين العلماء ويعتقد هاكيت مثل العديد من زملائه أن بعض التعديلات تبقى أثناء عملية الإقصاء لكن لا يوجد ما يشير إلى أنها انتقلت للأجيال اللاحقة.

على صعيد آخر حتى لو تمكنت بعض بقايا الصفات الجينية من شق طريقها فليس من المؤكد أنها تمكنت حقاً من التأثير على الخصائص التي وجدت عند الأحفاد ، يوضح هاكيت

لم يتوصل الباحثون إلى إجماع حول هذه الفكرة وهذا أمر مؤكد لكننا ربما نشهد تفاؤلاً حذراً فلا خيار أمام العلماء سوى مواصلة عملهم والعثور على إجابات. الخبراء في هذا المجال لديهم شيء واحد في الحسبان وهو : العثور على الآليات المحتملة لهذه العملية

ذلك حتى نفهم بالضبط كيف يتم نقل المعلومات لكننا حتى الآن لا نستطيع القول بثقة وضمير حي أن هذه بالفعل عملية وراثة عبر الأجيال

أكبر الصناديق السوداء

في انتظار ما سوف تكشفه الأبحاث العلمية نستطيع أن نكتفي بالقصص فالخيال يساعدنا على تصور واسع للاحتمالات 《 أمي لم تخبرني أبدا لكن هذا ماحصل لأبي أنا أعرف ذلك 》 تكمل كارمن ماتشادو في قصتها 《 أحاط النهر بأبي وأمسكه بأصابع مفترسة وحمله تحت الأمواج في نصف ثانية 》 يوحي هذا الأسلوب في السرد بشعور من الألفة وكأنه مشهد من فيلم سينمائي تحضره الطفلة رغم أنها  في الواقع لم تكن موجودة لكن في أعماقها بدا لها العكس.

لا يمكننا العودة بالزمن إلى الوراء هذا أمر أكيد لن نستطيع اكتشاف عقول أجدادنا واستعادة لحظاتهم الحميمية حتى عندما نسترجع ذكرياتنا مع ذلك فإن البحث في علم الوراثة /مافوق جيني رغم كونه مازال حديثاً قد يلقي الضوء على آثار انتقال الذكريات والمشاعر كالخوف مثلاً إلى مسارات أخرى.

تحتوي قصة كارمن ماريا ماتشادو على العديد من المشاهد المؤثرة وبعضها يشير بشكل غير مباشر الى هذه العملية (الذاكرة الموروثة) حيث تشاهد الطفلة والدتها وهي تحاصر الفئران التي تخرج من شقوق الجدران في منزلهم …تنجذب القوارض إلى زيت ذو رائحة مرّة ينزلق على الألواح تمكن بعضهم من الهروب في النهاية جاءت فئران جديدة  صغيرة لاحظت لاحقاً أن نسلهم يهربون بمجرد أن يكتشفوا الزيت كما لو أن تلك الرائحة تحمل تاريخاً مروّعاً

لم نقم بإجراء اختبار يثبت أن الرائحة قد تستحضر ذكريات مرتبطة بالخوف

تتناول هذه الفقرة دراسة تجريبية قام بها الباحثان برايان دياس وكيري ريسلر في جامعة ايموري آتلانتا حيث سكب الباحثان مادة الأسيتوفينوس وهي مادة كيميائية عطرية في أقفاص مجموعة من ذكور الفئران تشبه رائحة زهر البرتقال والكرز في الوقت نفسه أرسلا صدمات كهربائية عبر أقدام الفئران حتى انتهى الأمر بالفئران إلى ربط هذه الرائحة بالإحساس المزعج وعندما أخضع الباحثون الجيلين التاليين لعطور الاسيتوفينون أظهر نسل الفئران المحفزة كهربائياً استجابة قوية للشم رغم أنهم لم يكونوا على اتصال مع آبائهم ولم يتم تعريضهم لتلك الرائحة وتلك الصدمات معاً من قبل . كان الأمر كما لو أن الخوف المرتبط بالرائحة قد انتقل إليهم ومع ذلك كما يشير دياس ربما ورثوا ببساطة فرط الحساسية لنفس الرائحة …. لم نقم بعد باختبار يثبت أن الرائحة تسبب رد فعل الخوف

لم يحدد ريسلر ودياس الإجراءات الدقيقة لانتقال هذا التفاعل مع ذلك يعتقدان أن عملية وضع العلامات فوق الجينية (مثيلة الحمض النووي) يمكن أن تفسر هذا الإرث ويدعم العديد من المختصين هذه الفرضية ( la méthylation ) هو تغيير وتعديل ذو وجهين يطرأ على المواد الكيميائية حيث تلتصق بجزيئات الحمض النووي نفسه دون أن يتغير التسلسل الحمضي لكن من الممكن لهذه الجزئية أن تعطل أو تفعّل نشاط ما على الجينات فإذا ظهرت علامات المثيلة نفسها في نفس المواقع الجينية في النسل هل من الممكن أن يرث هؤلاء نفس الأنماط أيضاً ؟ هل تأتي هذه العلامات بسبب عوامل بيئية أم تتشكل في الرحم ؟ هذه هي الأسئلة الحالية للباحثين.

يشير دياس إلى أن بعض التجارب البيئية ( كالعمر المتقدم للأب على سبيل المثال ) قد تؤثر على العلامات الجينية التي بدورها ستؤثر أيضاً على النسل المستقبلي لكن عندما ننظر إلى التجارب الماضية  كالإجهاد ، الضغوط ، تغييرات النظام الغذائي ، الهزائم ، الصدمات…..والتي ليست ملموسة بحد ذاتها اعتقد من الضروري فهم كيف يمكن لهذه التجربة غير القابلة للقياس أن تشق طريقها إلى خط الخلية وتعطينا نمطاً وراثياً إن هذا هو أكبر الصناديق السوداء هنا حقاً يتم سحب الخيوط .

دراسة جديدة على البشر والفئران

يهتم باحثون آخرون مثل لاري فيج Larry Feig -أستاذ البيولوجيا الجزيئية والكيميائية في كلية الطب جامعة Tuftus- بتأثير ال  micro-RNA الذي يمكن أن ينتج عنه تأثيرات على الجينات وفق بحث جديد يظهر حدوث تعديلات وتغييرات على سمات الجينات وقد تنتقل عبر الأجيال

في هذه الدراسة الجديدة من مختبر لاري فيج بحث العلماء micro-RNA في السائل المنوي للرجال الذين تعرضوا لسوء المعاملة أو الإهمال في طفولتهم واكتشفوا نوعين من ال micro-rna كان أقل بكثير في عيناتهم مقارنة بغيرهم ، وعندما عرّض الباحثون ذكور الفئران لعوامل إجهاد في وقت مبكر وجدوا أيضا مستويات منخفضة من نفس الحمض النووي الريبي الدقيق في الحيوانات المنوية للفئران

عندما تزاوج ذكور الفئران مع إناث لم تتعرض لهذه المواقف العصيبة كانت التغييرات موجودة في أجنة ذريتهم حتى بعد جيلين

يبقى لنا أن نرى ماهي هذه الآثار السلوكية والجسدية ؛ وجد فريق الباحثين في مختبر لاري أن ذرية الذكور المجهدة سابقاً بدت معادية وقلقة وأظهرت خصائص مرتبطة بالتوتر ؛ يقول لاري : لا نعرف حتى الآن إذا كان القلق الشديد والاختلال الوظيفي لدى ذرية الإناث للذكور المجهدين يرجع إلى التغييرات التي لوحظت في الأجنة

إذا كان هذا تغييراً مستقراً في خط البذرة إذا هو تغيير من الممكن نقله من جيل لآخر

يؤكد لاري وبدقة أن مختبره سيجري دراسة أكبر وأوسع على البشر والفئران لتعميق هذه النتائج الأولية فإذا كانت هذه التغييرات تنتقل بالفعل في البشر كما في الفئران فيجب استنتاج أنها تنتقل عبر خط المنشأ-البذرة/الجرثومة- سيكون هذا الاكتشاف مثيراً للجدل وسيطرح أسئلة من المحتمل أن تغير نظرتنا للحياة على الأرض وإذا كان هذا تغييراً مستقراً في السلالة الجرثومية والحيوانات المنوية والبويضات فهذا تغيير يمكن أن ينتقل إلى الأبد من جيل إلى جيل مما سيؤثر حتماً على مفهومنا للتطور.

توضح قصة ماتشادو الشعور الغريب الذي عشناه جميعاً في وقت من الأوقات وكأننا لمسنا سراً لا يمكن وصفه 《 لم أكن أنتمي إلى هذه الجزيرة ؛ لقد اختاروا لي طريقاً لم أكن لأختره أنا ومع ذلك سلكته ، كيف لي أن أتجاهل كل هذا ؟ هل كنت أعرف هذا من قبل ؟

أود أن أصدق أن المختصين في علم الوراثة هذا يشعرون بالشيء نفسه بأنهم في هذه المرحلة من أبحاثهم على وشك القيام باكتشاف ثوري ربما يكون قادراً على حل أحد ألغاز البشرية ومساعدتنا لعلاج أسوأ أمراضنا ، أود أيضاً أن أصدق أن أجزاء من لحظات جدتي محفورة في جيناتي إنها فكرة جميلة حقاً 》

في النهاية وحتى هذه اللحظة لا يمكن للبحث العلمي أن يعطينا إجابة حاسمة ونهائية كما يقول جيمي هاكيت :

《مازال مبكراً الإعلان عن أي شيء حالياً هذه هي الحقيقة 》 …

Erika Hayaski

ترجمة للفرنسية :

Jean Clément Nau

ترجمة للعربية :

Roxane Simonet

Note :

1- Micro-RNA : الرنا الميكروي أو ميكرو آر أن إيه أو ميكرو حمض نووي ريبوزي أو ميكرو رنا (بالإنجليزية: microRNA) ‏ هو جزيء رنا مسؤول عن ضبط التعبير الجيني.ينشأ في النواة عن طريق عملية النسخ الإنزيمي للجينات المسؤولة عن إنتاجه. يحتوي جينوم الإنسان على المئات من هذه الجينات

2- Expression de gène : التعبير الجيني التعبير الجيني  هو العملية التي يتم من خلالها استخدام المعلومات الجينية لاصطناع منتجات جينية الوظيفية. هذه المنتجات قد تكون بروتينات (يتم صنعها باستخدام المعلومات من الرنا الرسول)، أو قد تكون أحد الأنواع العديدية من الأحماض النووية الريبوزية، مثل الرنا الريبوسومي (rRNA)، الرنا الناقل (tRNA) والرنا النووي الصغير (snRNA)

مقالات ذات صلة

Website Built with WordPress.com.

Up ↑