مبادىء وأدوات التطوير الإبتكاري والإبداع الموجه – الجزء الأول

أعلى مراتب النشاط الفكري للإنسان في حياته اليومية هي الإبداع والإبتكار. في الماضي كانت هذه المرتبة حكراً على المواهب والعباقرة الذين دخلوا التاريخ بتميزهم. في أيامنا هذه أصبحت العملية الإبتكارية والإبداعية بمتناول اليد (في بعض الحالات تحتكرها الشركات) بفضل بروز منهجيات متخصصة يتم التدريب عليها وممارستها المنظمة من قبل موظفين اعتياديين، قيمة عملهم ما ينتجونه من قيم ابداعية وحلول مبتكرة للعملاء، وموهبتهم ما يبذلونه من جهد في تعلم وتطبيق أساليب ومبادىء العمل الإبتكاري التي استخرجت في القرن الماضي وتدرجت من منهجيات تطوير تقليدية إلى طرق ومنهجيات تطوير ابتكارية

المنهجيّات المتوافرة حالياً في عمليات تحديث الإنتاج الفكري والمادي، غنيّة بطرق جمع المُعطيات وتحليلها وتقديم الأفكار والحلول. على الأطراف المعنيّة بتجاوز العقبات والمشاكل على أنواعها أن تهتم بهذا النوع المعرفي فتستخدم الأفضل والأنسب ضمن عملية التطوير اليوميّة في مختلف المجالات. تتنوّع هذه المنهجيات و تتعدد خصائصها، سنستعرض بشكل سريع بعضاً منها لندخل إلى تفاصيل العمل بأهمها، المبادىء والأدوات التي يتم تداولها بشكل مُكثّف في عصرنا هذا

التراكم المعرفي والممارسة والخبرة الانتاجيّة والإداريّة  في مناح متنوعة، تقنيّة، تكنولوجية، إدارة الموارد، إضافة إلى تفكيك وحل المُعضلات التي تواكب باستمرار تقدم الحضارة الإنسانية، أدّى إلى تشكيل عدد من منهجيات التطوير

Lean Manufacturing

تم تأسيسها في شركة تويوتا، وانتشرت بشكل واسع، وتعددت أسماء مشتقاتها في العديد من الدول والشركات. كانت الغاية الأساسية من استخدامها التخلّص من العيوب التي تؤدّي إلى هدر للموارد خلال العمليات الإنتاجية في المعامل والشركات التي تنظم عملياتها الإنتاجية والإدارية المتسمة بدوريّة وتعدّد مراحلها ومستوياتها. تتألّف هذه المنهجيّة من أدوات حساب وتقييم العيوب وأنوع الهدر ثم تقوم بقياس وتقييم القرارات والحلول التي يتم تنفيذها. هناك غايات أخرى موازية، مثلا تحقيق ظروف إنتاجية آمنة ونظيفة. يمكن للمهتمين التوسع بالقراءة بخصوص بهذا الموضوع

Six Sigma 

تتخصص بتحسين نوعية إدارة الأعمال، والتخلص من المشاكل والعيوب عبر طرق إحصائية تراقب وتحدد التشوه والإنحراف الكميّ عن المعايير المطلوبة. تم تأسيسها من قبل شركة موتورولا، ثم تم اعتماد استراتيجيتها لاحقاً من قبل  شركة جنرال إلكتريك ، وبعدها نالت انتشاراًً واسعاً. كأي منهجية أخرى تقسم عملها لمراحل وأدوات، يمكن التعرف عليها أيضاً بشكل مفصّل في مصادر عدة على الشبكة

وهناك منهجيات من نوع آخر، ترتبط بشكل مباشر بالإنتاج الفكري المتميز (الإبتكاري والمبدع)، حيث انتقل مركز ثقلها من نطاق شخصيات موهوبة وعبقرية إلى مجموعات خبيرة ضمن شركات أو هيئات تنظم وتدير هذه العملية عبر استخدام مبادىء وأدوات تحليل العيوب والمسائل، ومن ثم حلها بطرق غير تقليدية. لعلّ أبرز هذه المنهجيات من حيث الشمولية والنوعية والكم المعرفي التي تتطلبها هي منهجية التريز

 TRIZ

التي استُخلصت ومورست لسنوات طويلة في الإتحاد السوفييتي، ثم انتقلت في العقود الثلاث الأخيرة إلى العالم الغربي وانتشرت بشكل واسع في معظم الشركات العملاقة في جميع القارات. يجدر الذكر أن هناك طرق منهجية أخرى اشتقت منها وأيضاً تعددت مسمياتها لخدمة أهداف ومجالات استخدام مختلفة. سندخل بتفاصيل أكبرعنها نظراً لأهمية دورها وطاقاتها الكامنة للمختصين المحليين في سوريا

منهجية التريز هي نظام معرفي نظري وتطبيقي لحل المسائل المعقدة والإبتكارية والتي يصعُب تحقيقها من خلال الأدوات والطرق التقليديّة المتاحة. طبعاً مسألة التعرف على ماهية المسائل والمشاكل الإبتكارية هو أمر في غاية الأهمية قبل الإنخراط في أي عملية تحليل ودراسة بواسطة منهجية التريز، لهذا يجب تصنيف أي مسألة ثم إعادة صياغتها بما يتناسب مع استخدام هذه الأداة أو تلك. باعتبار أن أدوات التحليل في منهجية التريز تكوّنت من خلال تدارس عدد هائل من براءات الإختراع لاستخراج قوانين معرفية عن طرق تفكير المبتكر أو المبدع خلال تجاوزه للمعضلات، فإن اتباع خوارزميات العمل الفكري يمكن لها أن تتيح عملية الإبداع الموجه لأكبر عدد من الناس، دون انتظار لحصول معجزات ما أو انتظار لإلهام أو قدرات ذهنية خارقة. وهذا يعني بأنّه يكفي للمتدرب على هذه الأدوات أن يتقن بعض المبادىء والأدوات المعرفية التي ستجد تفاصيلها في هذا المقال، حتى يتوصل لنتائج مشابهة ومنافسة لما يقوم بها المخترع أو العبقري الموهوب. هذه الخصوصية يمكن لمسها من خلال تنفيذ المشاريع الإبتكارية والتي سنتحدث عنها لاحقاً أيضاً. لكن لنبدأ أولاً بالحديث عن ثلاث مبادىء أساسية تعد قواسماً مشتركة في عمل أدوات التحليل في التريز

المبدأ الأول : التعميم ثمّ التخصّص

 هذا المبدأ يقول أن هناك كماً هائلاً من المعرفة المنظّمة في كل مجال من مجالات الأنشطة الإنساني، حيث يمكن لنا الإستفادة من المعرفة في مجال ما في حلّ مسألة تخصصية في مجال آخر مختلف. وبالفعل، إذا تعمق أحدنا فسيجد أن تلك النُظم المعرفيّة والمعلومات (سواء من مجالات فيزيائية أو تقنية) مُتاحة للإسقاط المُتَجدّد والتطبيق والإنتقال بين مواضيع ومسائل من شتى العلوم كالبيولوجيا والفضاء والنمذجة البرمجية والفكرية وحتى الإجتماعية والأدبية والفنون وغيرها. يتم إغناء أدوات التحليل بالتريز بآليات الدمج المعرفي وقواعد بيانات عن الوظائف والخصائص والنظم في مجالات مُعيّنة بحيث تكون قابلة للنقل والتوظيف في مجالات أخرى. إحدى تلك الأدوات اسمها: تشكيل وحلّ التناقضات

 المبدأ الثاني : الوصول للمثاليّة

هناك حلول ضعيفة وحلول قوية. قوة الحلول ومُدّة صلاحياتها تعتمد على كمية ونوعية خصائصها. عوامل القوة أو المثاليّة يمكن تحديدها بعلاقة بين الوظائف المفيدة والنتائج الضارة التي يقدمها حل مشكلة ما أو تحسين نظام ما آخذين بعين الإعتبار  قيمة التكلفة. كلّما كانت الوظائف المفيدة للمنتج أو النظام تفوق نتائجه الضارة، مع تقليص تكلفته، فإن مثاليته (الحل أو المنتج الجديد) تكون عالية والعكس صحيح. من جهة أخرى، يتمّ تعريف المثالية في منهجية التريز بأنها الحالة  التي يمكن الوصول لها عندما يتم تحقيق الوظائف المرغوبة من دون الحاجة لمنتج أو نظام جديد (مثلاً : المثالية تتحقق بأن تستطيع الملابس تنظيف نفسها دون الحاجة لغسلها بالغسالة أو وسائل أخرى). بالتالي، فإن أي عملية تغيير وتحسين بالنظم أو المنتجات يجب أن تسعى لتوفير عوامل القوة والمثالية

المبدأ الثالث : صياغة مفتاح المُشكلة

جميعنا يعلم أن صياغة المشكلة بشكلها الصحيح هو نصف الحلّ. لكن، ماذا يعني أن تصيغ المشكلة بشكل صحيح؟ من وجهة نظر التريز فإن صياغة المشاكل أو المسائل تمر بعدة مراحل. عادةً، وفي البداية يكون هناك صياغة لعيب أو لمشكلة ظاهرة أو لغاية يراد تحقيقها. من خلال أدوات التحليل يمكن لنا أن ننتقل بين عدد من الصياغات والمسببات الرئيسية لتلك الصياغة المبدئية والتي قد تكون مختلفة تماماً فيما بينها. بالتالي يجب حصر الطاقات والتركيز على حل المسببات الجذرية الرئيسة والتي تسمى بمفاتيح المشاكل أو المسائل (في حال تمّت صياغة مفتاح المشكلة بشكل مسألة). لكل أداة من أدوات التريز هناك طريقة ذهنية وأسلوب تعامل مع صياغة المشكلات، لكنها  نابعة جميعها من المبدأ ذاته

في الجزء الثاني من هذا المقال، سنتحدث عن أنواع المشاريع الإبتكارية وعن أدوات التطوير الإبتكاري وذلك حسب  مراحل العمل في

هذه المشاريع

بقلم د. أحمد رامز قاسو

تدقيق لغوي الأستاذة : أميمة إبراهيم

الإحصاءات كمدخل للتنمية و التطوير

‎أيمكننا الحصول، بسهولة، على أي معلومات  إحصائية تتعلق ببلدنا كما في باقي الدول، آخذين بعين الاعتبار وجود مكتب مركزي للإحصاء في سوريا ؟ و نحن لا نتكلّم هنا عن المسح الديموغرافي أو الغذائي أو غيرهما من الإحصائيات التي يُفترض توافرها بداهة  في مركز إحصائي مركزي تابع للدولة

‎أنستطيع معرفة عدد سكان كل مدينة، فئاتهم العمرية، جنسهم، أحوالهم المدنية و الاقتصادية، أمراضهم، مستوى تعليمهم، أو عدد الوافدين الجدد إلى كل مدينة أو الراحلين عنها ؟ هل نستطيع معرفة عدد و أنواع الشركات المتواجدة في كل مدينة، عدد عمالها، حساباتها الاقتصادية، حجم إنتاجها بشكل علني أو بكبسة زر ؟ 

‎هل نستطيع معرفة عدد القطع الأثرية الموجودة لدينا وأنواعها و معرفة بعض التفاصيل التاريخية عنها  و عن أماكن تواجدها ؟ هل نستطيع الإطلاع على عدد الجمعيات  العاملة في بلدنا و إنتاجيتها و اقتصادها و حجمها و مقرّها أيضاً بكبسة زر؟ ، هل بإمكان طبيب أو باحث علمي في المجال الطبّي، الحصول على سجلّ يحتوى مثلاً، على معلومات حول أعداد المصابين  بداء معين و طرق علاجهم و كيفية متابعتهم في سوريا، وذلك خدمة  وتسهيلاً لفكرة بحث علمي يتمحور حول تطوير علاج يتلائم و البيئة السورية ؟

‎هل نملك إحصاء دقيقاً لعدد الصيادين في بلدنا، و أيّهم صياد ماء مالح و أيّهم صياد ماء عذب، و ما  أنواع الأسماك التي يصطادها كلٌّ حسب منطقته؟ 

‎التساؤلات المطروحة أعلاه هي أمثلة بسيطة عن أسئلة كثيرة نطرحها على أنفسنا كسوريين، خاصة بعد الدمار  و التغيير الديموغرافي الذي عمّ البلاد كافّة، و عزمنا الأكيد على إعادة الإعمار بإستراتيجية صحيحة و مستدامة

‎ يحارب البعض، عن قصد أو عن غير قصد، وجود إحصائيات دقيقة تساعد كل صاحب اختصاص على تحليل ودارسة  إمكاناته و تحديد مساره  نحو الهدف، و تقديم الحلول  الناجعة لتطوير عجلة الإنتاج في هذا الاختصاص

قد يكون الخوف من الرقابة و الخضوع  للمحاسبة، عند وقوع الأخطاء أحد الأسباب، لكن الجهل لأهمية الإحصائيات وسهولة تطبيقها وإجرائها  و عدم إنتشار ثقافتها  هو السبب الأكبر، إذ لا نعتقد أن الافتقار للامكانيات أو الخبرات و القدرات التحليلية هي السبب 

‎على الرغم من اهتمام الدولة بإنشاء شبكة معلوماتية قبل الحرب، إلا  أن توقف المشروع بسبب الحرب ، تقنياً، لا يبرر توقف التحضير له ذهنياً، و بخطوات مدروسة بغية نشر ثقافة إجراء الإحصائيات ليستخدمها أهل الاختصاص في تطوير أنفسهم و أعمالهم

‎إن الطريق نحو تفعيل العمل بالإحصائيات المفيدة ودراستها بشكل مستمر و دوري طريق طويل، و لكنه آمن و شديد الأهمية إذا ما تمكنا من  التخطيط الصحيح لخوض غماره. جميعنا يعلم أن عمل القطاع العام معقد للغاية  تصعب  إدارته، فالقطاع العام متشعب و مرتبط بعدّة مؤسسات و وزارات، و يخدم شريحة واسعة و متنوعة من الشعب، كما أنه محكوم بقوانين و محظورات لا يمكن تجاوزها، يظهر أثرها، على وجه الخصوص، في القطاعات الخدمية كقطاع  الرعايّة الصحيّة. دعونا نُركّز في هذا المقال على الرعايّة الصحيّة كمثال حيّ، يطرح ويدلل على أهمية الإحصائيات وفائدتها سواء بالنسبة لوزارة الصحة أو للمواطنين، الأمر الذي  يمكن  إسقاطه على العديد من القطاعات الخدمية الأخرى  أيضاً 

‎في مراكز الرعاية الصحية (مستوصف، عيادة، مشفى، صيدلية و مخبر أو أشعّة الخ)  يجب أن يتم توثيق  كل إجراء وعمل وخدمة، وذلك لتقديم الأدلة و رفع التقارير للوزارة و الجهات الرقابية في السلطة، كما و يجب تقديمها  للمرضى حال طلبها، فأيّ خطأ يرتكب أثناء تقديم  الرعايّة الصحيّة قد يُهدد حياة طالبيها 

‎لذلك نجد أن الإحصائيات، التي أتت حصيلة  تدوين خطوات الرعايّة، بالغة الأهمية لكل من له صلة بالرعايّة الصحيّة سواء أكان موظفاً أو مسؤولاً أو مريضاً

‎إن النظر  لهذه الإحصاءات باعتبارها ذات أهمية بالغة، جعلت من السويد، على سبيل المثال، بلداً يتكلف  أموالاً طائلة، وذلك لتطوير منظومته الصحيّة وجعلها عامّة شاملة و موحدة في مختلف أنحاء  البلاد، فحيثما احتاج  المريض خدمة طبيّة يستطيع طبيبه، في أي مكان كان، و أي صيدلي العثور على معلوماته الصحيّة كاملة ليتم التنسيق والتعامل بناء عليها، بما فيه مصلحة المواطن، و هذا تحديداً ما جعل المنظومة تُبنى على أسس الكترونية في كل نوع من أنواع الرعايّة الصحيّة، وذلك للتخفيف على الموظفين وإعفائهم من مهمة  تدوين كل شيء، إضافة إلى توجيه خبرات الطاقم الطبي صوب العمل أكثر مع المرضى، وإنّ كان لكل تطور أوجه متعدّدة 

‎عملت السويد، خلال الأربعين سنة الماضية، على تقليص عدد موظفيها في القطاع العام، لقاء إنشاء منظومة إلكترونية  تُنجز و تُقدّم الكثير من الخدمات التي كانت تنتجها اليد العاملة.. السويد ليست وحيدة في هذا مسار  التطور هذا، فمنذ الثمانينيات ، انخفض عدد موظفي القطاع العام في المملكة المتحدة (بريطانيا) بمقدار الثلث، ولكن بالمقابل، ارتفعت تكاليف الموظفين. يمكن تفسير ذلك بأنّه قد تمّ تعيين نوع جديد من الموظفين – بيروقراطيون أكثر كُلفة في المناصب الإداريّة

‎دعوني أستعرض لكم تطوّر هذه المنظومة منذ البداية، إذ لربما نتجنّب مساوئها، حالما يعزم بلدنا الحبيب، سوريا، على تطوير منظومته الصحيّة إلكترونياً، و إنشاء شبكة إحصائيات داخل هذه المنظومة

‎في بداية ازدهار مشروع شبكة جمع المعلومات المتعدّدة، فرضت على الطاقم الطبي التعامل مع عدّة منظومات، الالكترونيّة منها واليدويّة، ما أدى الى هدر وقت الطاقم الطبيّ في تدوين  المعلومات ضمن عدة برامج، و من ثم جمعها من قبل الإداريين بغية صنع شبكة إحصائيّة تُقدّم التقارير والتحليلات العلميّة، الاداريّة و الاقتصاديّة، و تبني، في الموازنة وتطوير الرعايّة الصحيّة ،  قراراتها  على أساسها ،  ذلك كان الدافع وراء تقديم  الأطباء والطاقم الطبي شكوى ، تتناول أنظمة تكنولوجيا المعلومات المُرهِقة التي تستهلك وتهدر وقت العمل السريريّ، وذلك وفقاً  للاستبيانات التي قامت بها السويد في أواخر التسعينات وأوائل الالفين

في بداية الأمر اعتبر أغلب العاملين في الطاقم الطبيّ أنّ تدوين المعلومات  هدر لوقتهم و أردوا الاكتفاء بتسجيل ما كانوا معتادين  على تسجيله سابقاً ، لتنقله السكرتيرة إلى الجرنال لاحقاً، و لكن، مع ازدياد المعلومات المطلوب تدوينها لمتابعة الجودة، تعالت  أصوات أؤلئك الذين لم يروا أهمية في هذا التدوين . في منتصف عام الألفين، صدرت  دراسات جديدة أوضحت أنّه لا وجود في السويد لما يعتقده بعض الموظفون غير ضروري من توثيق لخطوات عملهم، وأنّ  أنظمة الكمبيوتر غير المُنسقّة تُمثّل مشكلة كبرى، على سبيل المثال، إدخال نفس المعلومات جزئياً مرّة في منظومة الرعايّة الصحيّة، ومرّة أخرى في سجلات الجودة الموحّدة وطنياً، يُرهق الطاقم الطبي و يسرق وقت  رعاية المرضى

كما أكدت إحدى  الدراسات أيضاً، أنّ القيام بالمزيد من التوثيق والتدوين يُقلّل من الإنتاجيّة في مجال الرعايّة الصحيّة، وفي الوقت نفسه  استنتجت دراسة أخرى، أنّ الافتقار إلى مبادئ توجيهيّة تشرح كيفية إدارة ساعات عمل الطاقم الطبيّ، قد ساهم في تحوّل التركيز على العمل مع المريض لصالح التدوين

يُشير التقرير إلى أن الأطباء غير مدربين على العمل بفاعلية في مجال أساليب العمل الفعّالة، إذ يفتقر  الأطباء إلى المهارة  في المهام الأخرى كالإدارة وذلك على العكس من مهارتهم وثقافتهم العميقة الجذور  في العمل السريري

و إعطاء الوقت  لإدارة التوثيق ليس بالأمر الخاطىء تماماً، ففي يومنا هذا ،   أصبح ذلك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعمل الأطباء، لكن هذا لا يعني أبداً أن يكون وقت الإدارة على حساب وقت المرضى، طالما أن هذا الأمر  لا يُشكّل قيمة مضافة بالنسبة للمرضى. يجب استثمار وقت الكادر الطبيّ بكفاءة ، لذلك كان الحل  بأتمتة كل ما يمكن أتمتته، إذ يكفي أن يُدوّن الطبيب كوداً (رمزاً) خاصّاً لتُدرج  باقي المعلومات المرتبطة بهذا الكود تلقائيّاً 

لمعالجة مشاكل الإنتاجيّة ، تقترح الدراسة أربعة تدابير شاملة، على سبيل المثال، يتعلق الأمر بتوضيح المهام التي يتمّ تضمينها  وتلك التي لن يتم تضمينها في الأدوار المختلفة في مكان العمل، بهذه الطريقة، يمكن الحصول على أعلى مستواً من الكفاءة واستخدامه في مختلف المجالات المهنيّة بطريقة أفضل ، اقتراح آخر،  تقديم تخطيط مُوحّد لوقت العمل يمكن أن يخلق الهيكل أو الأساس الذي يُحدّد مقدار الوقت الذي يجب  إنفاقه في مهام مختلفة بوضوح، ويحدد ببساطة مقدار الوقت، خلال أسبوع العمل، والذي يجب أن يقضيه في مهام تتعلّق بالمريض، ويبيّن الإجراءات التي نستطيع تخفيفها. من أجل نشر أساليب العمل الناجحة والفعّالة على نطاق واسع، يُقترح توفير التعليم الإداريّ المُمنهج، وإقامة دورات تدريبيّة لإكتساب الخبرة، كما يجب تبنّي الرقمنة والأتمتة أيضاً

تُعدّ الرعايّة الصحيّة نشاطاً تقنيّاً عالٍ، وهي بالتالي، لا تتعارض و التطوّر التقنيّ، لكنّها تقول أنّ الحلول التّقنيّة يجب أن تكون أفضل وأكثر سلاسة عند الاستخدام. يجب أنّ نحصل على المزيد من الوقت و أنّ نتحلى بالصبر ، ويجب أن تكون أنظمة تكنولوجيا المعلومات أفضل بكثير ، كما يجب أن تكون لدينا بنية تحتيّة رقميّة أكثر وضوحاً وكفاءة مما هي عليه اليوم . نحتاج إلى توفير المزيد من الفنيين في مجال الرعايّة الصحيّة ممن يمكنهم العمل معنا

تُظهر الدراسة أيضاً، أنّ الخدمة الأساسية في العيادات اليوم، أقل مما كانت عليه قبل بضع سنوات .  و لأجل زيادة الوقت المخصص للمرضى مع الأطباء، من المُهمّ تجربة إمكانية إعادة توزيع المهام بين المجموعات المهنيّة المختلفة، إنّ إعطاء صلاحيّة القيام ببعض المهام التي يقوم بها الأطباء عادة للممرضات/ الممرضين, و ترك المهام الأكثر صعوبة و التي لا يمكن أن يُؤدّيها إلّا الاطباء حصراً  لأنّها تقع ضمن دائرة المساءلة القانونيّة، يُوفّر للأطباء وقتاً أطول لمعاينة عدد أكبر من المرضى، إذ وجد الأطباء أنّ الكثير من المهام التي سبق و رفضوا التخلّي عنها،  يمكن للممرضات / الممرضين  القيام بها  بكفاءة وجودة عالية بعد فترة من الزمن، وبعد أن يقوم الأطباء بتدريبهم ورفع سويتهم العلميّة، ليصبحوا أكثر احترافا بعد الممارسة

كما أكّدت الدراسات أن قضاء الأطباء والممرضات للكثير من الوقت في الإدارة  ما هو إلا نقص  في الحلول التقنيّة الوظيفيّة والإجراءات الإدارية. يجب تطوير دعم تكنولوجيا المعلومات لإدارة شؤون المرضى، كما يجب إعادة توزيع العمل الإداري وتبسيطه

التطوير مازال مستمراً ولا يتوقف، على الرغم من أنّنا قد قطعنا أشواطاً طويلةً لنصل إلى ماوصلنا إليه اليوم، من إمكانية تقديم احصائيات توفّر المعلومات للباحثين من أطباء و ممرضات/ ممرضين، أثناء سعيهم لنيل شهادة الدكتوراه في تخصصات علميّة عميقة، أو حتى في مساعدة المؤسسات الطبيّة على تحديث نفسها عبر مشاريع تطويريّة تهدف لتقديم أفضل الخدمات لطالبيها، كما تقدم الإحصائيات خدمات تساعدنا على تقييم الوضع الصحيّ للمواطن بغية تعزيز الموازنة، لمساعدته إما عبر وقايته من الإصابة المُتوقعة بالمرض، أو تقديم الرعايّة الصحيّة له في الوقت المناسب، وذلك ضمن منظومة صحيّة فعّالة و مُجدية 

و كما تُعتبر الرعايّة الصحيّة أعقد و أصعب القطاعات بالنسبة لموضوع جمع المعلومات المُوحّدة المنظّمة، فإنّ مبدأ الأهميّة نفسه ينطبق على الإحصائيات في باقي القطاعات و المجالات

بقلم المستشارة الاقتصادية: فاديا رستم

تدقيق لغوي: الاستاذة أميمة ابراهيم 

Website Built with WordPress.com.

Up ↑