ثقافة الاستهلاك

الافتقار إلى القدرة الشرائيّة للكماليّات يُعدّ أولى المؤشرات على الأزمات الماليّة التي قد تعصف بالبلاد، أو تلك التي تترافق والحروب، وهو أمر مؤلم بالفعل، خاصّة إذا ما امتد الأمر ليشمل أطفال العائلة و احتياجاتهم التي لا يمكن غضّ النظر عنها كالملابس مثلاً ! لكن، لو ألقينا نظرة على مُحيطنا لرأينا شعوباً تعيش الرفاهيّة إلى حدّ ما، وتتوافر لديها القدرة الشرائيّة، لكنها، ولأسباب عدّة، اتجهت نحو التقليل من شراء الملابس، وذهبت أبعد من ذلك إلى حدّ الامتناع عنه. هل سمعتم عن الصيام عن شراء الكماليّات لمدّة سنة مثلا؟! ما هو السبب يا ترى !؟

مُؤخّراً، طرحت شركة الألبسة العملاقة هينّيس و موريتز لزبائنها،

أكياساً ورقيّة خاصّة لحمل مُشترياتهم من محالها، حيث ستُلاحظ مدى الذكاء الذي ينطوي عليه تصميم هذا الكيس، فهو يجذبك فوراً للبحث عن لغتك الأمّ بعد اكتشافك لوجود كتابات بلُغات مُختلفة. بعد البحث، ستجد تلك الجملة التي تقول : ارتد الملابس، و اعتني بها، ثمّ قمْ بإعادة تدويرها .

التوجّه الأن، وحتى في الدول الغنيّة، نحو التّقليل من الاستهلاك و ردع ثقافته التي تُفسد متعة التّواجد الذهني الآني في هذه الحياة، الأمر الذي يُعدّ مؤذياً للطبيعة و مناخ كوكب الأرض، وذلك بسبب ما تُنتجه هذه الصناعات من نفايات و غازات مُدمّرة لحياة الأرض.

الأيدلوجيا الخضراء :

وفقًا لمبدأ الأيديولوجيا الخضراء، يجب أن يتمّ دعم عملية تغيير سياسات المجتمع الاقتصاديّة بكافّة الأشكال، فالمجتمع الحالي الذي أدمن الاستهلاك، لا زال لا يأخذ بعين الاعتبار محدوديّة موارد الأرض، و التي باتت اليوم شبه مُهدّدة بالزوال. على سبيل المثال، غالباً ما يتمسّك مؤيدو الأيديولوجية الخضراء بالسلبيّة تجاه الاستخدام غير المُستدام للموارد الطبيعية، مثل إزالة الغابات أو صيد الأسماك بمعدّل أعلى من مُعدّل النمو الطبيعيّ لهذه الموارد، لذلك فإن أتباع الأيديولوجية الخضراء غالباً ما يُؤيدون القيود المفروضة على استخدام الموارد الطبيعية، فوفقاً للأيديولوجيا الخضراء، يجب السماح للطبيعة باستعادة مساحاتها التي سُلبت منها لحساب النشاطات البشريّة، ولذلك، على البشر التقليل من طمعهم بالطبيعة، الأمر الذي سيُساعد على الحدّ من آثار البشر السلبيّة على محيطهم البيئيّ بشكل جذريّ.

ما الذي يٌمكننا عمله كأفراد لأداء الأدوار المُناط بنا القيام بها من مواقعنا، دون انتظار إملاءات المسؤولين البيئيّين أو الاقتصاديّين، أو حتّى السياسيّين ( وهم غالباً آخر القوى الفاعلة التي تعكس في نهاية المطاف ردّ فعل المجتمع ) ؟.

ثقافة الاستهلاك :

تُمثّل صناعة الأزياء مصدر ما يصل إلى عشرة بالمئة من انبعاثات الغازات المُسببة للاحتباس الحراري العالمي ، وفقاً لـ forskning.se.

وقد صرحت أليسيا أغنيسون، مُمثّلة “الفايكنج” مُؤخّراً، بأنّها لم تشتر ملابس مُنتجة حديثاً خلال العامين الأخيرين، وأردفت أنّها تُريد المُضي قُدماً بالانسحاب من الموضة الاستهلاكيّة السريعة، وصولاً إلى الموضة المُستدامة. خزانة ملابس اليسيا أغنيسون مليئة بالملابس القديمة والمُستعملة ..

تأمل أليسيا أغنيسون الآن في أن تكون مصدر إلهام للآخرين، لإعادة التفكير في سياسة الاستهلاك عندما يتعلق الأمر بالملابس .

“أتلقّى العديد من الرسائل من أشخاص حول العالم، يخبروننّي فيها كيف بدأوا بإتباع سياسة استهلاكية بشكل أكثر استدامة .

إنّه لشعور رائع أن تكون قادراً على المساهمة في مثل هذا التغيير” .

تقول الخبيرة في صناعة الأزياء هيلينا واكر، الرئيس التنفيذي لشركة Trade Partners للأزياء في استوكهولم :

– لقد فعلت ذلك بالتأكيد، لطالما كانت اليد العاملة موجودة ، لكنّها اليوم أكثر من مُجرّد متاجر تقليديّة للأشياء المُستعملة .

وفقاً لـ واكر، يُمكنك العثور على أزياء مُستعملة في كلّ مكان، بدءاً من مجموعات الفيسبوك وبعض المتاجر – مثل فيليپا كي و نودي – وصولاً إلى خزانات الأصدقاء والأقارب .

ووفقاً لتقرير صادر عن موقع Thredup الأمريكي للأشياء المُستعملة ، واستناداً إلى أرقام صادرة من شركة التحليل Global Data، فقد نما سوق السلع المُستعملة بمُعدّل 21 مرة أسرع من نمو سوق متاجر الملابس العاديّة في السنوات الثلاث الماضية .

و تقول السويدية يوهانّا غوستافسون : “على مدار العام الماضي، طوّرت فكرة عمل، حيث أقوم بخياطة وبيع مآزر ملابس الأطفال المُلوًنة، وذلك بفضل منحة حصلت عليها من مركز الثقافة في مدينتي، وقد تمكّنت من بدء المشروع ، حيث يذهب نصف الدخل لصالح صندوق سرطان الطفولة. الفساتين التي أُُخيطها تخضع لمنهجيّة الاستدامة. والآن، بدأت في خياطة ملابس الخريف و الملابس الواقية من المطر، حيث يمكن قلبها

على وجهها الداخليّ لتبدو قطعة مختلفة، كما بالمقدور إطالة الأكمام بما يتناسب ونمو الأطفال. أريدها أن تتناسب مع أحجام عدّة، وأن تدوم لفترة أطول.

يُفضّل مُستهلك اليوم بوعيه الجودة على التصميم، إذا كان عليه الاختيار بينهما .. مقياس الجودة يرتبط غالباً بالاستدامة، أي أنً على المُنتَج أن يحتفظ بمواصفاته الأصليّة على المدى الطويل، فلا يحتاج المُستهلك إلى استبداله أو رميه بعد فترة قصيرة من الاستخدام.

ما أنتجتُه خلال السنوات العشرين الأخيرة ، مما يمكن تسميته ب fast fashion، لم يكن ُمتمتّعاً بصفة الاستدامة، فكان ُمنتجاً استهلاكيّاً جدّاً ، بحيث يتمّ رميه وشراء غيره بعد فترة وجيزة ، الأمر الذي أدّى إلى حدوث مُشكلة تراكم نفايات من الأقمشة المصنوعة من الألياف الصناعيّة غير القابلة للتّحلّل .. تنبّهت كُبرى شركات الملابس الاستهلاكيّة إلى هذه المُشكلة، و تبنّت توجُّهاً جديداً للعمل على تخفيف تراكم نفايات مُنتجاتها ، وذلك عن طريق استعادة ملابس ماركاتها التالفة من المُشتري، وإعادة تدويرها وتصنيعها بعد إتلافها… لكن هذا لم يكن كافياً للكثيرين، لضمان الجودة والاستدامة المطلوبتين، فماذا عن تدوير الملابس قبل إتلافها؟! ولا نقصد بذلك إعادة بيع الملابس المُستعملة فقط بل تغيير الملابس والأقمشة التي ما زالت مُحافظة على جودتها ، وتحويلّها إلى مُنتج جديد بالكامل .. هذا الاتجاه الجديد لاقى صدىً طيّباً خلال السنوات الأخيرة، وذلك على خلفية البحث الدائم عن الاستدامة وتخفيف خطر تلّوث المياه العذبة بالكيميائيّات التي تُستخدم في الصناعة، والمياه المالحة التي تنقل السفن بحمولتها الضخمة من أقاصي الأرض، حيث تتوافر اليد العاملة الرخيصة، إلى أسواق أوروبا وأميركا. إنّ عملية إعادة تدوير الملابس upcycling لا تتطلّب عملاً يدوياً حرفيّاً فقط، بل وجمالياً يتمّ تنفيذه غالباً في مشاغل محليّة تجمع ببن ظهرانيها عدداً من الخيّاطات والخيّاطين الذين يقومون بالعمل والإشراف على كلّ قطعة على حدى ، بدءاً من التصميم وحتى آخر درزة .. وبهذا، يضمن هذا النوع من الأعمال، لاحماية الأرض من تبعات الإنتاج المتعسف فقط، وإنّما الحفاظ على مهنة الخياطة ومُزاوليها المحليّين أيضاً، يُضاف إلى ذلك إنتاج قطع مُميّزة وفريدة لا تُشبه غيرها على الإطلاق …

إليكم بعض الأمثلة عن شركات اعتمدت هذا النوع من العمل ، وحققّت نجاحاً عالميّاً :

http://www.aluc.eu Aluc

Manomama http://www.manomama.de

SuperFashion Rainbow Camp superfashionrainbowcamp.de/

Water to Wine berliner-stadtmission.de/water-to-wine/

milch.tm/milch-boutique/ Milch

المطلوب توافر رؤية مُشتركَة ، إذا أردنا النجاح في تغيّير ثقافة الاستهلاك. يُمكننا الاجتماع معاً، لخلق ما يكفي من الحركة لتغيّير الطريقة التي نعيش وفقّها، إذا فهمنا فقط ما هو على المحكّ. الوعي آخذٌ بالازدياد، لكنّه غير كاف ِ دائماً. يبدو أنّ انعدام الأمن الاقتصاديّ، والخوف من البطالة والمشاكل الصحيّة يُهيمن على تفكيرنا، ويُثير مخاوفنا الآنيّة ، لذلك دعوّنا نختبر أنفسنا مع كلّ قرار نتّخذه عندما نشتري مُنتجاً! ولنسأل أنفسنا هل يُمكننا إعادة تدوير ما اعتدنا على شرائه ؟ هل يُمكننا البحث في السوق عن ما هو قديم ومناسب لفكرتنا الخاصّة بإعادة التدوير؟

بقلم الفريق المؤسس ل آينيسيس

تدقيق لغوي: الاستاذة أميمة ابراهيم

Website Built with WordPress.com.

Up ↑