الملافظ الحلوة تشفي

الملافظ سعد.. الكلمو الحلوة بتشفي.

أجدادنا قالوها عن خبرة، ألم يقولوا: ” إسأل مجرّب ولا تسأل حكيم”

رغم إدراكنا لصحة هذه الأمثال المنقولة شفاهة ، أثبتت العديد من التجارب البحثيّة العلميّة صحة هذا الكلام ، و تأثيره الإيجابي في تسريع شفاء المرضى و تحمّلهم للألم ، حيث برهنت هذه التجارب على أهميّة الكلمة الطيّبة و طريقة نطقها في بث الشعور بالطمأنينة و الأمان الأمر الذي يُسرّع في عملية تماثل المريض للشفاء . حديثاً ، تُجرى العديد من الدراسات المُتعلّقة بأهمية “الترحيب” اللطيف ، و تأثيره ليس في مجال خدمات التسويق والبيع فقط ، إنّما في مجالي الرعاية الصحيّة والعمل الاجتماعيّ . الترحيب الذي “ربما” اعتدنا على تلقّيه في مراكز الرعايّة الصحيّة الخاصّة التي تسعى لمراكمة الأرباح عبر استقطاب زبائنها من المرضى ، لكن ، وحتى في المراكز الصحيّة الحكوميّة ، تشدد الدول المُتحضّرة على أهميته و تشجعه ، وتعتبر استخدامه مؤشّر إلى للجودة

غالباً ما تجمع آلية الترحيب بين شرف و أخلاق المهنة والعلاج ، و لذلك يُعَدّ الترحيب و استخدام الكلام الطيّب مع المريض ، مُؤشّراً مُهمّاً على رُقيّ خدمة الرعايّة الصحيّة وسمو روحها

تتعامل أخلاقيّات المهنة مع العلاج بشكل بديهي و لكنها تفتقر أحياناً إلى الأسلوب المناسب لإيصال الفكرة و تقديمها للمريض بطريقة لطيفة ولبقة . الأبحاث الحديثة تُقدّم مُقترحات بنّاءة حول آلية التفكير ودوره في سلوك الفرد، وكيفية تطوير دوره المهني اجتماعيّاً

على سبيل المثال ، يجب وضع لائحة مكتوبة تتضمن أخلاقيات المهنة يتعهّد باتّباعها، كل الأشخاص تحت التدريب ، أو كل عامل في القطاع الاجتماعيّ ، وهذا يشمل المدراء والمعلمين ، و العاملين في مجال العلاج والرعايّة والدعم والخدمة أيضاً ، كالمعالجين المهنيين والأطباء وضباط الشرطة والممرضات والأخصائيين الاجتماعيين ، أيّ كل من يعمل في مجال الرعايّة

و إضافة الى ذلك فعلى العاملين أيضاً في هذا المجال أن يتدربوا و يتعهّدوا بإنتقاء لغة التعامل مع المرضى و اهمها لغة الترحيب و الاستقبال للمريض. فاللغة و انتقاء مفرداتها عامل مهم آخر أثناء لقاء المريض و أهله مع طاقم الرعايّة الصحيّة. و هنا نعني كيف يختار طاقم الرعاية الصحية التعبير عن أنفسهم وما الذي يخلقه اختيار الكلمات من شعور بالرضا لدى المرضى و جودة الخدمة . نظرًا لأنّه يمكن فهم الكلمة نفسها بطرق مختلفة من قبل أفراد مختلفين و لكن التدريب على استخدام المفردات الملائمة و استبعاد كل ما يؤذي شعور المريض يساعدنا على تقديم أجود خدمة طبية. فالباحثون إيريكسون و سڤيدلوند (2007) يسلطون الضوء على أهمية أن يكون طاقم الرعاية الصحية متفهماً و يستشعر ردود أفعال المرضى التي تنتج عن اللقاء. فالتعاطف هنا لا يعني الشفقة و يجب التفرقة بينهما و تدريب الطاقم الصحي على التعامل بتعاطف لا بشفقة

تقدم الباحثة Croona (2000) مصطلح “المعاملة الجيدة” كمفهوم صعب يرتبط بشكل فردي وثقافي للغاية. يتميز اللقاء و الترحيب الجيد في الرعاية الصحية بحقيقة أن طاقم الرعاية عند اللقاء يعتني بنزاهة المرضى واستقلاليتهم. و لذلك تقترح كروونا أن يعمل اختصاصيو الرعاية الصحية على تعزيز علاقة التواصل الجيدة مع المرضى من خلال ترحيبهم به و إظهار اهتمامهم بما يقوله او يريد قوله و اتقان لغة الحديث و التواصل البنّاء بينهم و بين المريض

فمن خلال استبيان لآراء المرضى، تَبَيَّن و جرى تأكيد أنّ تخصيص الوقت الكافي للجلوس مع المريض والحوار معه من قبل الموظّفين المُختصّين ، كان له انعكاس مُهمّ تبدّى بشعور عام بالرضى لدى المريض ، ممّا عزز ثقته و تجاوبه مع العلاج ، و أظهر تفهّماً أكبر لرغبات المريض واحتياجاته، وبالتالي شعر المرضى لدى لقائهم بطاقم الرعايّة الصحيّة بأنّهم يُعاملون كأشخاص ذوّي قيمة . تظهر نتائج الأبحاث أيضاً ، أهمية إيمان طاقم الرعايّة الصحيّة بالمريض ، وإظهار تفهمهم للمريض ولوضعه الخاص كفرد، والنظر إليه كقيمة لا مجرد رقم غرفة و عدد ضمن الإحصائيات

فالترحيب و الاستقبال الجيد يعتمد بالدرجة الأولى على التعاطف واحترام الاستقلاليّة والقدرة على الاستماع إلى المريض . يُؤثر الترحيب و الاستقبال الجيد من قبل الممرضة ،على سبيل المثال، في طريقة فهم المريض لحالته الصحيّة و طبيعة مرضه ، ما يؤثّر بدوره على تفاعل المريض مع الرعايّة المُقدّمة من قبلها بشكل إيجابيّ ، كما و يعمل على تعزيز علاقة مبنيّة على الثقة بين الممرضة والمريض . يوفر هذا التفاعل البنية الأساسيّة المطلوبة لتحديد احتياجات الرعايّة والتخطيط المثالي لتلبيتها ، بحيث يتمّ تكيّيفها بشكل فردي، لكل مريض على حدى

المرضى، وإنّ وثقوا بالعلم والدرايّة التي تمتلكهما الممرضة ، والتي يمكن أن تنقلهما إليهم ، إلّا انّهم لن يشعروا بالرضا التام تجاه خدمة الرعايّة الصحيّة إذا تمّ تقديم المعلومات بطريقة مُهينة أو مزعجة . و قد أثبتت التجربة أنّ الاستقبال و الترحيب بطريقة مثاليّة تمنحك حالة شعوريّة شاملة بالرضا ، و تُحفّز استجابتك للعلاج حتى لو كانت معلومات الممرضة أو الطبيب مغلوطة ( الأمر الذي تصعُب معرفته مُسبقاً ، لذلك تٌعدّ طريقة الترحيب و لطافة الحديث و وضع المريض بصورة خطة علاجه هي الأمثل)

لقد وجد الباحثون أنّ التعامل مع مرضى السرطان بلطف و تعاطف ( ولا نقصد هنا الشفقة على الإطلاق) من قبل طاقم الرعايّة الصحيّة ، و السماح للمريض بالمشاركة في خطة علاجه أيضاً ، يخلق مشاعر إيجابيّة تُقلّل معاناة المريض ، على المقلب الآخر ، لوحظ أنّه عندما يُسيء أخصائيو الرعايّة الصحيّة استخدام سلطتهم وذلك عبر حجب المعلومات / أو التعامل بطريقة غير مباليّة / أو غير محترمة ، تتوالد مشاعر تتراوح بين فقدان الثقة وعدم التجاوب ، ممّا يؤديّ إلى صعوبة رعاية المريض ، وهي معاناة كان من الممكن تجنّبها

كمواطنين سوريّين، نسمع الكثير من القصص عن معاناة معارفنا في المشافي الحكوميّة، و شعورهم بالمهانة نتيجة الطريقة التي يتمّ التعامل بها معهم أحياناً، و عدم الإنصات لحاجاتهم أو ربما تجاهلها سواءً أكان ذلك عمداً أو سهواً، و كذلك كيفيّة استقبالهم عند دخول المشفى أو المستوصف طلباً للخدمة الصحيّة أو بحثاً عن مساندة أو مساعدة لفهم حالة يستعصي عليهم فهمها. تُرى، هل يتوافق هذا الاستقبال و أخلاقيات المهنة ؟ و هل يعي العاملون بالحقل الطبيّ مدى الأذيّة التي ستتسبب بتباطؤ استجابة المريض للعلاج نتيجة أسلوبهم الفظّ بالحديث مع المريض و أهله

و ما الذي يتوجب علينا فعله، كإدارييّن و مسؤولين في المشافي و المراكز الصحيّة الحكوميّة ، لزرع الثقة عند مرضانا و مساعدتهم على الشفاء بأسرع وقت؟

كيف نستطيع أن نُعبّر عن عمق اهتمامنا الحقيقيّ بمعالجة مرضانا ؟ هل نستطيع خلق مُؤشر واقعي يدلّ على رُقيّ روح الخدمة الصحيّة لدينا ؟

أليس أسلوب الترحيب اللطيف بمرضانا ، في مشافينا الحكوميّة ، عندما يحتاجون إلى مساعدتنا يُؤكّد على حفاظنا على كرامة وحقوق المواطن بأفضل طريقة ؟

ألم يحن الوقت لجعله معيار و مؤشر يلفت الانتباه إلى العلاج عندما يتراجع بشكل عام ويحتاج إلى تحسين؟

كيف لنا أن نَجد مُؤشرات الجودة بهذا الخصوص ومؤشراتنا لاتُشير إلى أنّ حالة مرضانا آخذة بالتحسن؟

هل لديك اقتراحات بهذا الخصوص ، و أي مؤشرات جودة تعتقد أنّها الأفضل ، وبالتالي يتعيّن على وزارة الصحة السوريّة أن تتابعها ، من خلال تجربتك الشخصيّة مع مشافي/ مستوصفات الدولة؟

بقلم المستشارة الاقتصادية فاديا رستم

تدقيق لغوي الاستاذة أميمة ابراهيم

Website Built with WordPress.com.

Up ↑