الملافظ الحلوة تشفي

الملافظ سعد.. الكلمو الحلوة بتشفي.

أجدادنا قالوها عن خبرة، ألم يقولوا: ” إسأل مجرّب ولا تسأل حكيم”

رغم إدراكنا لصحة هذه الأمثال المنقولة شفاهة ، أثبتت العديد من التجارب البحثيّة العلميّة صحة هذا الكلام ، و تأثيره الإيجابي في تسريع شفاء المرضى و تحمّلهم للألم ، حيث برهنت هذه التجارب على أهميّة الكلمة الطيّبة و طريقة نطقها في بث الشعور بالطمأنينة و الأمان الأمر الذي يُسرّع في عملية تماثل المريض للشفاء . حديثاً ، تُجرى العديد من الدراسات المُتعلّقة بأهمية “الترحيب” اللطيف ، و تأثيره ليس في مجال خدمات التسويق والبيع فقط ، إنّما في مجالي الرعاية الصحيّة والعمل الاجتماعيّ . الترحيب الذي “ربما” اعتدنا على تلقّيه في مراكز الرعايّة الصحيّة الخاصّة التي تسعى لمراكمة الأرباح عبر استقطاب زبائنها من المرضى ، لكن ، وحتى في المراكز الصحيّة الحكوميّة ، تشدد الدول المُتحضّرة على أهميته و تشجعه ، وتعتبر استخدامه مؤشّر إلى للجودة

غالباً ما تجمع آلية الترحيب بين شرف و أخلاق المهنة والعلاج ، و لذلك يُعَدّ الترحيب و استخدام الكلام الطيّب مع المريض ، مُؤشّراً مُهمّاً على رُقيّ خدمة الرعايّة الصحيّة وسمو روحها

تتعامل أخلاقيّات المهنة مع العلاج بشكل بديهي و لكنها تفتقر أحياناً إلى الأسلوب المناسب لإيصال الفكرة و تقديمها للمريض بطريقة لطيفة ولبقة . الأبحاث الحديثة تُقدّم مُقترحات بنّاءة حول آلية التفكير ودوره في سلوك الفرد، وكيفية تطوير دوره المهني اجتماعيّاً

على سبيل المثال ، يجب وضع لائحة مكتوبة تتضمن أخلاقيات المهنة يتعهّد باتّباعها، كل الأشخاص تحت التدريب ، أو كل عامل في القطاع الاجتماعيّ ، وهذا يشمل المدراء والمعلمين ، و العاملين في مجال العلاج والرعايّة والدعم والخدمة أيضاً ، كالمعالجين المهنيين والأطباء وضباط الشرطة والممرضات والأخصائيين الاجتماعيين ، أيّ كل من يعمل في مجال الرعايّة

و إضافة الى ذلك فعلى العاملين أيضاً في هذا المجال أن يتدربوا و يتعهّدوا بإنتقاء لغة التعامل مع المرضى و اهمها لغة الترحيب و الاستقبال للمريض. فاللغة و انتقاء مفرداتها عامل مهم آخر أثناء لقاء المريض و أهله مع طاقم الرعايّة الصحيّة. و هنا نعني كيف يختار طاقم الرعاية الصحية التعبير عن أنفسهم وما الذي يخلقه اختيار الكلمات من شعور بالرضا لدى المرضى و جودة الخدمة . نظرًا لأنّه يمكن فهم الكلمة نفسها بطرق مختلفة من قبل أفراد مختلفين و لكن التدريب على استخدام المفردات الملائمة و استبعاد كل ما يؤذي شعور المريض يساعدنا على تقديم أجود خدمة طبية. فالباحثون إيريكسون و سڤيدلوند (2007) يسلطون الضوء على أهمية أن يكون طاقم الرعاية الصحية متفهماً و يستشعر ردود أفعال المرضى التي تنتج عن اللقاء. فالتعاطف هنا لا يعني الشفقة و يجب التفرقة بينهما و تدريب الطاقم الصحي على التعامل بتعاطف لا بشفقة

تقدم الباحثة Croona (2000) مصطلح “المعاملة الجيدة” كمفهوم صعب يرتبط بشكل فردي وثقافي للغاية. يتميز اللقاء و الترحيب الجيد في الرعاية الصحية بحقيقة أن طاقم الرعاية عند اللقاء يعتني بنزاهة المرضى واستقلاليتهم. و لذلك تقترح كروونا أن يعمل اختصاصيو الرعاية الصحية على تعزيز علاقة التواصل الجيدة مع المرضى من خلال ترحيبهم به و إظهار اهتمامهم بما يقوله او يريد قوله و اتقان لغة الحديث و التواصل البنّاء بينهم و بين المريض

فمن خلال استبيان لآراء المرضى، تَبَيَّن و جرى تأكيد أنّ تخصيص الوقت الكافي للجلوس مع المريض والحوار معه من قبل الموظّفين المُختصّين ، كان له انعكاس مُهمّ تبدّى بشعور عام بالرضى لدى المريض ، ممّا عزز ثقته و تجاوبه مع العلاج ، و أظهر تفهّماً أكبر لرغبات المريض واحتياجاته، وبالتالي شعر المرضى لدى لقائهم بطاقم الرعايّة الصحيّة بأنّهم يُعاملون كأشخاص ذوّي قيمة . تظهر نتائج الأبحاث أيضاً ، أهمية إيمان طاقم الرعايّة الصحيّة بالمريض ، وإظهار تفهمهم للمريض ولوضعه الخاص كفرد، والنظر إليه كقيمة لا مجرد رقم غرفة و عدد ضمن الإحصائيات

فالترحيب و الاستقبال الجيد يعتمد بالدرجة الأولى على التعاطف واحترام الاستقلاليّة والقدرة على الاستماع إلى المريض . يُؤثر الترحيب و الاستقبال الجيد من قبل الممرضة ،على سبيل المثال، في طريقة فهم المريض لحالته الصحيّة و طبيعة مرضه ، ما يؤثّر بدوره على تفاعل المريض مع الرعايّة المُقدّمة من قبلها بشكل إيجابيّ ، كما و يعمل على تعزيز علاقة مبنيّة على الثقة بين الممرضة والمريض . يوفر هذا التفاعل البنية الأساسيّة المطلوبة لتحديد احتياجات الرعايّة والتخطيط المثالي لتلبيتها ، بحيث يتمّ تكيّيفها بشكل فردي، لكل مريض على حدى

المرضى، وإنّ وثقوا بالعلم والدرايّة التي تمتلكهما الممرضة ، والتي يمكن أن تنقلهما إليهم ، إلّا انّهم لن يشعروا بالرضا التام تجاه خدمة الرعايّة الصحيّة إذا تمّ تقديم المعلومات بطريقة مُهينة أو مزعجة . و قد أثبتت التجربة أنّ الاستقبال و الترحيب بطريقة مثاليّة تمنحك حالة شعوريّة شاملة بالرضا ، و تُحفّز استجابتك للعلاج حتى لو كانت معلومات الممرضة أو الطبيب مغلوطة ( الأمر الذي تصعُب معرفته مُسبقاً ، لذلك تٌعدّ طريقة الترحيب و لطافة الحديث و وضع المريض بصورة خطة علاجه هي الأمثل)

لقد وجد الباحثون أنّ التعامل مع مرضى السرطان بلطف و تعاطف ( ولا نقصد هنا الشفقة على الإطلاق) من قبل طاقم الرعايّة الصحيّة ، و السماح للمريض بالمشاركة في خطة علاجه أيضاً ، يخلق مشاعر إيجابيّة تُقلّل معاناة المريض ، على المقلب الآخر ، لوحظ أنّه عندما يُسيء أخصائيو الرعايّة الصحيّة استخدام سلطتهم وذلك عبر حجب المعلومات / أو التعامل بطريقة غير مباليّة / أو غير محترمة ، تتوالد مشاعر تتراوح بين فقدان الثقة وعدم التجاوب ، ممّا يؤديّ إلى صعوبة رعاية المريض ، وهي معاناة كان من الممكن تجنّبها

كمواطنين سوريّين، نسمع الكثير من القصص عن معاناة معارفنا في المشافي الحكوميّة، و شعورهم بالمهانة نتيجة الطريقة التي يتمّ التعامل بها معهم أحياناً، و عدم الإنصات لحاجاتهم أو ربما تجاهلها سواءً أكان ذلك عمداً أو سهواً، و كذلك كيفيّة استقبالهم عند دخول المشفى أو المستوصف طلباً للخدمة الصحيّة أو بحثاً عن مساندة أو مساعدة لفهم حالة يستعصي عليهم فهمها. تُرى، هل يتوافق هذا الاستقبال و أخلاقيات المهنة ؟ و هل يعي العاملون بالحقل الطبيّ مدى الأذيّة التي ستتسبب بتباطؤ استجابة المريض للعلاج نتيجة أسلوبهم الفظّ بالحديث مع المريض و أهله

و ما الذي يتوجب علينا فعله، كإدارييّن و مسؤولين في المشافي و المراكز الصحيّة الحكوميّة ، لزرع الثقة عند مرضانا و مساعدتهم على الشفاء بأسرع وقت؟

كيف نستطيع أن نُعبّر عن عمق اهتمامنا الحقيقيّ بمعالجة مرضانا ؟ هل نستطيع خلق مُؤشر واقعي يدلّ على رُقيّ روح الخدمة الصحيّة لدينا ؟

أليس أسلوب الترحيب اللطيف بمرضانا ، في مشافينا الحكوميّة ، عندما يحتاجون إلى مساعدتنا يُؤكّد على حفاظنا على كرامة وحقوق المواطن بأفضل طريقة ؟

ألم يحن الوقت لجعله معيار و مؤشر يلفت الانتباه إلى العلاج عندما يتراجع بشكل عام ويحتاج إلى تحسين؟

كيف لنا أن نَجد مُؤشرات الجودة بهذا الخصوص ومؤشراتنا لاتُشير إلى أنّ حالة مرضانا آخذة بالتحسن؟

هل لديك اقتراحات بهذا الخصوص ، و أي مؤشرات جودة تعتقد أنّها الأفضل ، وبالتالي يتعيّن على وزارة الصحة السوريّة أن تتابعها ، من خلال تجربتك الشخصيّة مع مشافي/ مستوصفات الدولة؟

بقلم المستشارة الاقتصادية فاديا رستم

تدقيق لغوي الاستاذة أميمة ابراهيم

إدارة التغيير لتحقيق التطوّر

التغيير – ما هو ؟

نسمع كثيراً عن القيام بعمليات تطوير و تجديد في مواقع العمل.. والتجديد تحديداً، يتطلًب تغييراً بالضرورة بينما العكس ليس صحيحاً، أيّ أنّ التغيير لا يقودنا دائماً نحو التحديث و التطوير. ووفقاً للفيلسوف پول ڤالتزافيتش Watzlawick فالتغيير نوعان ، تغيير من الدرجة الأولى و تغيير من الدرجة الثانية

يٌقصد بالتغيير من الدرجة الأولى “انتقال النظام الداخلي للعمل دون تغيير النظام بأكمله، بينما التغيير من الدرجة الثانية يحصل عندما يتمّ تغيير النظام بأكمله “، إذ يطرأ تغيّر نوعيّ على نمط التفكير والعمل التنظيمي حين ذاك. غالباً ، تتولّد مقاومة كبيرة ،من قبل البعض، إزاء كلّ قرار تغييريّ

لكن ، لماذا تنشأ لدى “هذا البعض” هذه المقاومة العنيفة ؟ والتي قد تتكرّر عدّة مرات أحياناً ، دون أن يُدرك الشخص المعنيّ سبب سلبيته تجاه التغيير ؟. في الحقيقة، بالنسبة للبعض، يلجأ البعض إلى المقاومة كآليّة دفاعية، فمن خلال موقفك السلبيّ تجاه التغيير، تقوم بحماية نفسك من أيّ خيبة أمل في حال لم تسر الأمور على النحو الذي تريده. بالنسبة للكثيرين، المقاومة ردّ فعل صرف ولا فكرة أو رأيّاً مدروساً، فأنا مُتيقّن ممّا أملك لا ممّا قد أحصل عليه. يمكن أن تتجلّى هذه المقاومة بعدّة طرق وبآليّات دفاع مختلفة

من أجل الوصول إلى التطوّر و التحديث المطلوبين ، علينا أن نبدأ بتغيير نمط تفكيرنا والنظام المُتّبع معاً.. و من أجل أن نحصد ثماراً سليمة من عمليّة التغيير و ننجح في سلوك طريق التغيّر الصحيح، علينا أن نعي سيكيولوجيّة التغيير عند الافراد و نفهم الأسس النفسيّة للتغيير .

عند حدوث أيّ تغيير ، يُبدي نحو ٢،٥٪؜ من الطاقم المعنيّ تأييده الكبير ومردّ ذلك أن فكرة التطوير و الإبداع تكون قد نشأت لديه أصلاً ، ومن ثمّ ، يتم تبنّيها من قبل ١٣،٥٪؜ من المقتنعين و الراغبين بالسير قُدماً .. هنا تبدأ عملية الحوار و التخطيط و الإقناع لبقيّة المعنيين ضمن منظومة العمل ، فيلتحق بمشروع التغيير مباشرة ، نحو ٣٤٪؜ لتبدأ عملية التغيير ، بينما تبقى هناك دائماً فئة ، تقارب نسبتها ال ٣٤٪؜ ، متأخرة على الالتحاق بركب التغيير ، و تُفضّل الانتظار لعدّة اسباب ، لكنها تلتحق بالنهاية ، ليتبقّى مانسبته ١٦٪؜ من مُقاومي و رافضي التغيير ، و هي النسبة التي علينا ألّا نبذل جهداً أكبر في محاولة جذبها و إقناعها ، وإنّما علينا صرف جلّ تركيزنا وجهدنا إلى المُلتحقين الجُدد ، و الثناء على إنجازاتهم و على عملية التغيير ..

علينا إذاً ، نحن من يقود عمليّة التطوير و يعمل في إدارة التنميّة ، إدراك طبيعيّة وحتميّة وقوع الغالبيّة في حالة النكران والاستنكار عند نشوء فكرة التغيير .. لتتحوّل حالة الإنكار هذه إلى غضب و رفض يتجلّى لاحقاً بالإحساس بالخوف و القلق.. في هذه المرحلة ، تكون المؤسّسة قد وصلت إلى ملامسة قاع الشعور بالرغبة بالتغيير ، الذي تتبعه، بعد محاولات الإقناع و المشاركة، مرحلة القبول و البدء بممارسة الأفكار الحديثة و تفعيّل النظام الجديد في العمل، بعدها يُشرق فجر يوم جميل على الجميع، و كأن هذا التغيير وليد منظومة راسخة تٌمارس بكل أريحيّة منذ زمن بعيد

لذلك ، و لأنّنا نُدرك تفاصيل ما ذكرناه أعلاه، علينا ألّا نتوقّف عن تحليل كل خطوة و مشاركة نتائجها مع الفريق الذي يعمل معنا على التغيير، وذلك من أجل تعديل الخطوات في الوقت المناسب، و بمشاركة الجميع. و لأنه ليس من السهل اختراق ثقافة عمل راسخة منذ زمن في منظومة ما.. لأنّ الثقافة القديمة عادة تلتهم كلّ جديد دون أن تمنحه فرصة ليُعطيّ أفضل مالديه، و لذلك فإنّ بناء ثقافة جديدة مُتطوّرة يحدث أثناء التغيير وبمشاركة الفريق في تصحيح المسار كما أشرنا في الفقرة السابقة

إضافة إلى ما أوردناه أعلاه، علينا أن نفهم و نتعلّم سيكيولوجيّة التغيير

يُوفّر علم سيكيولوجيا التغيير رؤًى حول كيفيّة تفاعل الناس مع عمليات التغيير. “كلما ازدادت معرفتنا بالمراحل المُختلفة لعلم سيكيولوجيا التغيير ، اكتسبنا أدوات تحليل جيدة لتوجيه عمليات التغيير صوب تحقيق الأهداف المُحدّدة”, يقول پيتر دراكر – أحد أوائل المُستشارين الإدارييّن ، حتى قبل اختراع مُصطلح المُستشار الإداريّ . كتب العديد من الكتب حول ثقافة الشركات والقيادة ، ويُطلق عليه أحياناً اسم والد إدارة الأعمال الحديثّة

عند كلّ تغيير علينا مراعاة ثلاثة تحدّيات

* سويّة الموظف (كيف يُدير الأفراد داخل المنظمة التغيير ، و ماهي إمكانيّاتهم الخاصّة)

* مستوى الفريق (تحديد المجموعات التي تحتاج إلى التغيير قبل غيرها، وتقديم الدعم لها أثناء العملية)

* المستوى التنظيميّ (نهج الشركة ككلّ، و تحديد القسم، ضمن المؤسّسة أو الشركة، الذي يجب بدء عملية التغيير انطلاقاً منه)

علم سيكيولوجيا التغيير ضروريّ لفهم سبب تصرّف بعض الأشخاص، بالطريقة التي يتصرّفون بها، فور سماعهم بقرار التغيير، يجب علينا فهم الأسس النفسيّة للتغيير أوّلاً. تشمل سيكيولوجيا التغيير معرفة السبب الذي يجعل الناس رافضين للتغيير، و ذلك بالاعتماد على آليّة ردّ فعل الفرد عبر ما يفعله أو مالا يفعله على صعيده شخصيّاً، وفي الموقف الذي يجد نفسه فيه. من الأمثلة على الظروف النابعة من إرادة الفرد والتي تُؤثّر على سلوكه : الشخصيّة ومفهوم الذات والثقة بالنفس والمواقف والقيّم والمعرفة والمهارات والاحتياجات والمشاعر، بينما يمكن ضرب أمثلة دالّة على ظروف خارجة عن إرادة الفرد و تُؤثّر في سلوك، كالقيادة والنظام ومجموعة العمل والمهام والعلاقات الشخصيّة والظروف الخاصّة الأخرى. يتأثّر الفرد بالموقف الذي يُوضع فيه، لكنّه بالمقابل، يُؤثّر في هذا الموقف عبر التجربة الذاتيّة. غالباً ما يتمّ الخلط بين مُصطلح “التعلّم” و بين الحصول على المعلومات، ومع ذلك، يتمكّن الفرد من استيعاب المعرفة الجديدة، عندما يستطيع نقلها إلى الآخرين فقط. لن يُسمح بالتغيير في المؤسّسة أو الشركة قبل أن يتمّ نقل المعرفة الجديدة إلى عدد من أفرادها، الذين يأخذون على عاتقهم مسؤوليّة تطبيق التغييرات والاستفادة من الخبرة المُكتسبة. التعلّم هو، إلى حدّ كبير، مسألة اتصال وتفاعل، أيّ بطريقة أخرى هو عمليّة تعلّم الفرد بمشاركة الآخرين

كما أشرنا سابقاً ، لفهم سبب اختلاف نتائج مشروع التغيير، يجب على المرء أن يفهم الآليات النفسيّة التي تظهر بمجرد أن تُعلن الإدارة أن التغييرات قد باتت وشيكة. ما الذي يحدث لمُتلقي هذه المعلومات سواء على الصعيد الشخص أو على صعيد المجموعة ، ولماذا يحدث ما يحدث في أغلب الأحيان

صورة من محاضرة حول علم التحسين و التطوير مع التغيير، إعداد المستشارة فاديا رستم ( اقتصاد و ادارة موارد بشرية) على قناة آينيسيس على اليوتوب قريباً

شاركونا تجاربكم حول التغيّرات في مجال عملكم ! هل وجدتم صعوبة بتقبّل التغيير ؟ و كيف استطعتم تجاوز الصعوبات ؟

بقلم المستشارة الاقتصادية: فاديا رستم

تدقيق لغوي: الاستاذة أميمة ابراهيم

هل نمارس في سوريا السياحة البيئية المستدامة ؟

السياحة البيئية هي شكل من أشكال السياحة، والهدف منها حماية الطبيعة من خلال مراعاة القيود البيئية للوجهة السياحية. و تختلف عن السياحة العادية في أنها تتوجه الى الطبيعة الفائقة بتميّزها. تم استخدام كلمة السياحة البيئية منذ 1980 على الأقل وفي عام 1991 أنشأت الجمعية الدولية للسياحة البيئية تعريفاً للسياحة البيئية على الشكل التالي: هي سفر مسؤول في الطبيعة و البيئات الاولية البكر التي بقيت على حالها و لم تفسدها أنشطة البشر، فالسفر المسؤول يساعد على حماية البيئات الطبيعية و التعرّف عليها ودعم رفاهية السكان المحليين واستمرار بقائهم و بقاء تراثهم.

و قد أوجدت أنظمة تصنيف الجودة للسياحة البيئة ومنها التقليل من استخدام الموارد التي تحدث تأثيراً سلبياً على الطبيعة باستخدامها كالطيران او وسائل النقل التي تعتمد على الوقود الأحفوري في السياحة البيئية. و هنا يمكن اختيار الطيران مع شركات الطيران التي لديها سياسة بيئية واضحة او استخدام أفضل البدائل الممكنة وتشجيع النقل العام. كما أن استغلال السياحة للطبيعة البكر يجب أن لا يؤثّر سلبياً على ثقافة الشعوب الأصلية المختلفة.

مصطلح السياحة البيئية هو مصطلح حديث نسبياً..تعتمد السياحة البيئية، مثل السياحة العادية، على رغبة الناس في السفر إلى أماكن خارج مسقط رأسهم والإقامة فيها أو الاكتفاء بالقيام بأنشطة فيها خلال ساعات، مع التركيز على اهتمام الناس بالبيئة والاستعداد لإلحاق أقل ضرر ممكن بها. السياحة البيئية إذاً هي سياحة بيئية واقتصادية معاً. هذا يعني أن شكل السياحة يخلق بوعي طلباً على الأنشطة التي تفي بتعريف المصطلح. ترتبط الأنشطة عادةً بالطبيعة وتسعى لإحداث تأثير إيجابي على الظروف المعيشية للسكان المحليين ، ولكن يمكن أيضاً إجراء السياحة البيئية في المدن على شكل زيارات ثقافية، طالما أن الحدث يلبي أهداف السياحة البيئية.

مثال على هذه السياحة البيئية هو أنواع مختلفة من رحلات السفاري للحيوانات التي تفيد أيضاً السكان المحليين حيث يمكن توظيفهم، على سبيل المثال، المرشدين السياحيين والسائقين وموظفي الفنادق و المطاعم. يوفر هذا مصدر دخل للسكان المحليين ويزيد من احتمالية الحفاظ على الحيوانات. الغوريلا أيضاً مثال على الحيوانات التي استفادت من هذا النوع من السياحة البيئية. الحيتان من الحيوانات الأخرى الشائعة التي ينظم لها منظمو الرحلات في السياحة البيئية رحلات السفاري.

تأخذ السياحة البيئية في الأساس بالاعتبار – للطبيعة والسكان المحليين والمستقبل. إنها سياحة تأخذ نقطة انطلاقها في المشهد الطبيعي والثقافي المحلي ، بشعبها ، والحيوانات ، والنباتات ، والصناعات ، والمواسم ، والتقاليد . و ترتكز على المصطلحات التالية: الحفاظ على الطبيعة ، والوساطة التربوية والمجتمع المحلي. فالفكرة الأساسية هي أن الجذور المحلية للسياحة البيئية تجعل السياحة محركاً للتنمية في المنطقة. هذا يعني أن أولئك الذين يرغبون في الترويج للسياحة البيئية – ونأمل أن يقرأوا هذا الكلام- يريدون الوصول الى المنتجين المحليين للأسماك واللحوم والخضروات و يفضّلون المرشدين المحليين وأصحاب العقارات وقوارب التاكسي والمطاعم وما إلى ذلك. تساهم السياحة بعد ذلك في تنمية ريفية إيجابية في نفس الوقت الذي يحصل فيه السائح على جودة أعلى بكثير في متعته السياحية والمنتجات والخدمات التي يشتريها.

يقول بلال الشايب، و هو باحث بيئي من فلسطين يعمل في مجال الطاقة المتجددة والمياه وعضو في جمعية مركز الاعلام البيئي، في مجلة تسعة للبيئة 2015 :

السياحة بشكل عام هي تجربة فريدة للتعرف على مناطق جديدة وقضاء أوقات ممتعة وأما السياحة البيئية فهي تقتضي ان يتصالح الانسان مع الطبيعة ويصبح جزء من الجهود الرامية إلى الحفاظ عليها , ولتحقيق هذا الهدف لا بد أن تقوم السياحة البيئية على عدة مقومات أهمها. التنوع البيئي للمناطق السياحية من حيث الحياة البرية او التضاريس اوالمناخات للمناطق السياحية.

إمكانية اجتياز هذه المناطق والتجول فيها بطرق بدائية مثل المشي أو استعمال الدراجات الهوائية دون الحاجة إلى استخدام وسائل حماية متقدمة أووسائل تنقل الية مثل السيارات الملوثة للبيئة. القدرة على إنشاء بعض التجهيزات اللازمة لخدمة السائحين مع الحفاظ على التوازن البيئي وعدم التأثير على أي نظام بيئي قائم في المناطق السياحية.

رفع الوعي البيئي للسائح وكذلك جعله أكثر تفاعلا مع قضايا وهموم المناطق التي يزورها. احترام الثقافة المحلية للمناطق التي يتم زيارتها وعدم المساس بحقوق السكان أو بالمعايير والقوانين المتبعة في الدولة التي تقع المناطق السياحية ضمن حدودها.

النشاطات التي تندرج تحت مسمى السياحة البيئية

هناك عدة نشاطات استكشافية تندرج تحت السياحة البيئية بالإضافة الى بعض الأنشطة الأخرى التي يمكن تحويلها الى أنشطة بيئية برغم أنها لا تندرج تحت هذا التصنيف، ويمكن اعتبار النشاطات التالية تعبيرا صريحا عن السياحية البيئية.

تسلق الجبال : ففي العالم اليوم آلاف متسلقي الجبال المحترفين بالإضافة إلى مئات آلاف الهواة الذين جربوا خوض هذه المغامرة الشيقة لاعتلاء إحدى القمم الأشهر في العالم مثل قمم جبال همالايا او قمة جبل كلمنجارو او سلسلة جبال الألب وغيرها من السلاسل الجبلية والمرتفعات الشاهقة حول العالم, ويتم الوصول إلى تلك القمم بواسطة الطاقة الذاتية للمتسلق مما يعني عدم تلوثها.

الرحلات داخل الغابات الممطرة: مثل الغوص في أعماق غابات الأمازون الاستوائية التي تعد رئة العالم, وتشمل هذه الزيارات مراقبة الأنواع الفريدة من الكائنات الحية في تلك الغابات ولا يقتصر الأمر على غابات الأمازون فهناك العديد من الغابات التي يمكن استكشاف الحياة الطبيعية الرائعة فيها.

رحلات مراقبة الحياة البرية: من طيور ونباتات وحيوانات مهددة بالانقراض وتنظم هذه الرحلات في الغالب جمعيات الحياة البرية المتخصصة بحماية الأنواع المهددة بالانقراض وزيادة الوعي البيئي بأهمية كل نوع من أنواع الكائنات الحية.

الرحلات الصحراوية: التي تهدف الى الخروج الى الطبيعة دون قيود حضارية وإقامة الحفلات القائمة على وسائل بدائية لتقديم تجربة صفاء ذهني وروحي للسائح.

رحلات الصيد البري أو البحري: الموافقة للشروط القانونية والبيئية بما يضمن عدم الإخلال بالتوازن البيئي مع دم المساس بالأصناف المهددة بالانقراض.

رحلات تصوير الطبيعة: إذ تقوم الجمعيات البيئية بتنظيم رحلات لهواة التصوير وذلك لمنحهم فرصة للاقتراب من الطبيعة وتقديم أفضل الصور لها.

المشاركة في الفعاليات الدولية البيئية: او تلك الفعاليات المحلية الخاصة ببلد معين والتي تهدف الى تسليط الضوء على بعض القضايا البيئية مثل المشاركة في يوم الأرض العالمي او في ساعة الأرض او في أي مسيرة بيئية تهدف إلى مواجهة خطر معين يحيق بنوع من الأنواع أو بإحدى الغابات والمحميات الطبيعية او غيرها.

تساهم السياحة البيئية في تطور الاقتصاد الأخضر القائم على حماية البيئة واستدامة الموارد كما تزيد من فرص نمو التعليم البيئي في الدول النامية التي تعاني من معدلات عالية من التلوث نتيجة غياب تقنيات معالجة النفايات الصلبة والسائلة وعدم تطبيق قوانين صارمة للحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية, كما تساهم في الحفاظ على المناطق الأثرية من التدهور بفعل الممارسات الخاطئة لبعض السائحين والتي تؤدي الى حرمان العالم من موروث ثقافي مهم، وبالتالي فإن للسياحة البيئية فوائد جمة لا تقتصر على البيئة بل تتعداها الى الاقتصاد والثقافة وحقوق الإنسان وهو ما يزيد فرص نموها عام بعد عام.

في النهاية نود، نحن فريق آينيسيس، أن نؤكد أن السياحة البيئة هي مصدر بيئي للإلهام و مفهوم تجاري جديد و واحد من أسرع الصناعات نمواً. فالسياحة البيئة لا تختصر فقط على زيارة الأماكن الطبيعية في حالتها البدائية للاستمتاع بالبيئة والطبيعة ،كما شهدنا في بعض المبادرات في سوريا التي تحدث مرة في السنة، و لكنها يجب أن تقوم بدعم وتنمية المناطق الريفية بما يلائم بيئتها ودعم السياحة التجارية بطريقة مثمرة و مستدامة تراعي الاقتصادات التقليدية وثقافات السكان الأصليين و تخلق جواً من الاستمرارية المتكررة. و هنا يأتي دور وزارة السياحة في دعم كل هذا من خلال توفير وسائل النقل والطرقات السليمة و النظيفة و تسهيل الوصول لهذه المناطق و نشر الوعي البيئي عند الراغبين في السياحة. و إعطاء حق الآولوية للسكان المحليين على الاستثمار و منع المنشآت السياحية الضخمة من التواجد بحيث تُفسِد البيئة البكر. و يجب أن لا ننسى أن السياحة البيئية أنها تحمي القيم الطبيعية والثقافية الفريدة حول العالم، وتسبب أضراراً بيئية أقل من السياحة الأخرى.

هل بإمكانك أن تذكر إسم لجمعية سورية تدعم السياحة البيئة ؟

فريق آينيسيس تابع جمعية سنديان و جمعية حريرنا السوري و أكتشف ان أحد اهدافهم هو من نوع دعم السياحة البيئيةخ.. هل لديك معرفة لجمعيات أخرى؟ هل تشارك بنفسك بأنشطة تدعم السياحة البيئة، و هل بإمكانك أن تذكر لنا نوع الأنشطة؟ هل سمعت عن جمعية سورية تدعم السياحة البيئية و تنال دعم من وزارة السياحة أو وزارة أخرى؟

الفاقد الكهربائي، مصادر هدر الكهرباء و تخفيض التكلفة!

يقدم فريق شبكة الخبراء السوريون آينيسس في هذا المقال، لمحة سريعة عن نتائج بحث علميّ، يتوخّى الإفادة في موضوع تنظيم الاستهلاك، والحدّ من الهدر الطاقيّ، على اعتبار أنّ التوجّه العالميّ اليوم يُركّز على الحدّ أو التخفيف من إنتاج الطاقة للحفاظ على الموارد البيئيّة، الأمر الذي سنعكس فائدة على الأفراد بطبيعة الحال.

و كنّا سابقاً قد نشرنا مقالة تضمّنت عدّة أبحاث حول الطاقة المُتجدّدة، و وجدنا في هذا البحث الحديث ما يُكمل ويُغني الأبحاث السابقة.

يهدف مشروع الماستر المُعنون “دراسة هدر الكهرباء في المنزل”. إلى تقدير ما يستهلكه المنزل من الكهرباء، عن طريق حساب ما يستهلكه تشغيل الأجهزة الموجودة فيه عادة من طاقة، بناءً على دراسة استخدام الطاقة وكفاءة هذه الأجهزة، تمّ تقدير كمية فاقد الكهرباء وتحديد أسبابه وإظهار إمكانيّة الحدّ منه عن طريق تقديم حلول .

كتب المهندس خليل محمد لآينيسيس :

في هذا البحث الأكاديميّ، قمنا بتقسيم مكامن الهدر الكهربائيّ، بشكل أساسيّ، إلى جزئين رئيسيّين، هما الجزء الذي ينشأ جزئيّاً ضمن الكابلات، والجزء الناتج في وحدات التحويل ، كما قمنا بتضمين الطاقة الكهربائيّة التي تُنتجها الألواح الشمسيّة الموضوعة في المنزل ضمن الدراسة، و قد قمنا كذلك بقياس الطاقة التي تمّ إنتاجها بواسطة الخلايا الشمسيّة لمدّة عام، ثمّ قارنّا إجمالي استهلاك الكهرباء الناتج عن تشغيل أجهزة المنزل في حال خلوّه مُطلقاً من الألواح الشمسيّة.

في الواقع، تُعدّ الأبنية السكنيّة مُستهلِكًا مُهمًاً للطاقة ضمن نظام الطاقة الكهربائيّة، وبحسب هيئة الطاقة في السويد، فإنّ الحصة الأكبر من الطاقة تستهلكها المنازل الصغيرة، و الأبنية السكنيّة والمباني. على سبيل المثال، في عام 2016، تمّ استخدام 80.5 تيراواط ساعي من الطاقة للتدّفئة وتوفير المياه الساخنة، حيث تمّ استهلاك 40٪ من الطاقة الكهربائيّة في المنازل الصغيرة، و 33٪ عبر تزويد الأبنية السكنيّة بالطاقة، واستهلاك 27٪ في أماكن العمل. و لأنّ كلفة فاقد الكهرباء الناتج عن الاستخدام في المبنى قد تكون كبيرة، كان من المهمّ معرفة كيفيّة تمديد الكابلات، والأجهزة واستهلاكها للطاقة، لتحديد مكمن الهدر الحاصل و تكلفته.

يُثبت البحث أنّ مصادر فاقد الطاقة قد ازدادت خلال عملية نقل الكهرباء واستهلاكها في الآونة الأخيرة، وذلك على الرغم من التوجّه نحو استخدام الطاقة الشمسيّة وتخزين الكهرباء المتولّدة عنها في بطاريات، ضمن المباني الحديثة، الأمر الذي بات مطلباً رئيسيّاً في الأبنية الحديثة. و مع ذلك، وحتى عند استخدام الطاقة الشمسيّة وتخزين الكهرباء في البطاريات ، يبقى ثمّة هدر للكهرباء في هذه المنشآت الحديثة. هناك مصادر مختلفة للهدر الكهربائيّ، كتلك التي تحدث عند نقل الكهرباء، عبر المُحوّلات، وكذلك في المعدّات الأخرى المُتّصلة بالشبكة الكهربائيّة. إنّ توليد الكهرباء عبر الألواح الشمسيّة، على شكل تيار مباشر، يُقلّل الفاقد الكهربائيّ، و يتمّ تخزين فائض الطاقة في بطاريات . الميزة الرئيسيّة لتركيب الألواح الشمسيّة تكمن في قدرتها على تخفيض تكلفة الكهرباء، إذا كانت الألواح الشمسيّة كبيرة بدرجة كافية، يُمكن للطاقة الكهربائيّة الناتجة عنها تزويد منزل بأكمله بالطاقة، كما تساعد الألواح الشمسيّة على تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ، ووفقاً لـ “صندوق توفير الطاقة”، يُمكن لنظام الخلايا الشمسيّة المنزليّ النموذجيّ تقليل الانبعاثات بنحو 1.3 إلى 1.6 طن سنويّاً.

الغرض من البحث تقدير فاقد الطاقة في المنزل، عبر استخدام الخلايا الشمسيّة جزئيّاً، ودون خلايا شمسيّة في الجزء الآخر، والإبلاغ عن حجم الخسارة في الكهرباء، من خلال معرفة مقدار الطاقة الكهربائيّة التي تستهلكها الأجهزة الكهربائيّة وجمع البيانات وملفات تعريف الحمولات وحساب استهلاك الكهرباء في أوقات مختلفة .

الأسئلة المطروحة في البحث:

ما مصادر هدر الكهرباء في المنزل ؟

للهدرعدّة اشكال لكنّ أهمّ ما تمّ أخذه بعين الاعتبار في هذا التقرير كان مقطع الكابلات والموصلات في المنزل ، حيث تلعب دوراً رئيسيّاً في رفع كميّة الخسائر الكهربائيّة في أيّ بناء سكنيّ، كذلك تلعب المحوّلات دوراً في الخسائر الكهربائيّة من خلال تحويل التيار التردّدي ( المُتناوب) إلى تيار مُستمر و العكس بالعكس

من أجل تقليل الخسائر في وحدات التحويل وفي الكابلات، وفقاً لدراسة أجريت في RISE، من الممكن تنفيذ أنظمة LVDC (التيار المنخفض للجهد المباشر) من أجل تجنّب خسائر معينة. هناك عدة أنواع من LVDC يمكن استخدامها.

______________

ما الطرق الكفيلة ، عند استخدامها، بتقليل فاقد الكهرباء؟

توجد عدّة طرق للتقليل من هدر الكهرباء في المنزل نذكر منها : تغيير مساحة المقطع العرضيّ للكابلات والموصلات في المنزل، فكلما كانت مساحة المقطع العرضي للكابلات كبيرة، كلما قلّ فاقد الكهرباء عبر الكابلات، والتي تتجلّى على شكل خسائر حراريّة ناتجة عن مرور تيار كهربائيّ عالٍ عبر مساحة ضيّقة في الكابلات. كذلك يمكن تقليل الفاقد الكهربائيّ عن طريق اعتماد نظام توزيع موحّد.

إنّ فكرة التوليد والاستهلاك باستخدام التيار المستمر هي نتاج فكرة نظام التوزيع الموحّد، و بالتالي تكلفة أقل عند استخدام الأدوات الكهربائيّة وطاقة مهدورة أقلّ، مما يساعدنا على الحصول على الكفاءة المطلوبة. ويمكن تنفيذ هذه الأفكار في الابنية القديمة أيضاً، فهي ليست حكراً على الأبنية الحديثة، وذلك من خلال وصل وسائل الطاقات المُتجدّدة (كالطاقة الشمسيّة مثلاً) بأجهزة الاستهلاك مباشرة، أيّ من المنبع إلى جزء الاستهلاك، و هذا يتّضح من خلال تقليل التحويلات الناتجة عن التيار المتردد و التيار المستمر. هناك مشاكل قد تطرأ على نظام التحويل المُوحّد كأن يكون لدينا جهد عالٍ في بعض الحالات ، و نستطيع حماية الاجهزة التي نستخدمها مثل التلفزيون و الكومبيوتر والتي تستهلك ما بين ٥٠ إلى ١٠٠ واط ( جهد قليل) ، من خلال استخدام محطة توزيع مُتعدّد على شكل كابل ، تُوزّع على تيار عالٍ و تيار مُنخفض وموصلات ذات ثلاث أسلاك ثنائية القطب، وهو خط يُوزّع للجهد العالي والجهد المنخفض معاً .

————————————

كيف يبدو تأثير الفاقد الكهربائيّ مع وجود الخلايا الشمسيّة ومن دونها ؟

لاستخدام الطاقة الشمسيّة أثر كبير في تخفيف الهدر الكهربائيّ ضمن المنازل، وذلك من خلال توصيل التيار الكهربائيّ المُستمر إلى أجهزة الاستهلاك مباشرةً، بنظام التوزيع المُستمر، حيث تُجنبنا هذه العملية حدوث تحويلات كهربائيّة من شأنها زيادة الفاقد الكهربائيّ

بقلم: المُهندس خليل محمد

تدقيق لغوي: الاستاذة أميمة ابراهيم

LVDC = Low Voltage Direct Current التيار المباشر منخفض الجهد للمنازل

الطاقة الشمسية و الكهروضوئية


تُعدّ الطاقة الشمسية إحدى أنواع الطاقات المُنتجة لعصب الحياة (الكهرباء)، والتي شاعت تحت مُسمّى الطاقات البديلة لأشكال الطاقة التقليدية كالنفط والغاز، وفي بعض البلدان الطاقة النوويّة. لكن يختلف الأمر بالنسبة للبلدان النامية، حيث يصحّ تسمية هذه الأشكال الجديدة من الطاقة بالطاقة المُساعدة، ذلك أنّها غير قادرة بسبب الظروف الصعبة المحيطة، أن تكون بديلاً كاملاً عن النفط والغاز، على الأقل في المدى المنظور والمتوسط، هذا يُدلل على أهمية السير بهذا الطريق لخلق طاقات مُساعدة ومتنوّعة من أجل تقليص الاعتماد على مصادر لاتزال السبب في خوض حروب إقليميّة ودولية باهظة الكُلفة على مستهلك الطاقة الأخير، أي المواطن

عندما يتعلّق الأمر بالطاقة الشمسيّة، فإنّنا نرى توافر الفرص لأيّ دولة في ثلاثة مجالات رئيسيّة : حقول شمسيّة واسعة النطاق، تطبيق الطاقة الشمسيّة اللامركزيّة والعملاء من القطاع الخاص الذين يقومون بتركيب الألواح الشمسيّة على أسطح منازلهم. هناك طرقٌ مُختلفة لمساعدة المواطنين على هذا الانتقال إلى مشهد طاقة أكثر لامركزيّة و إتاحة الفرصة لإنتاج الكهرباء المُتجدّدة الخاصّة بهم

حقول شمسيّة واسعة النطاق

تتمثّل الفرصة الأولى في تطوير حقول كهروضوئيّة واسعة النطاق، خاصةً وأنّه يمكن الاستفادة من الوضع الحاليّ حيث تتوافر النيّة للقيام  بإعادة الإعمار، و تمكين البنيّة التحتيّة الحاليّة بما يتناسب و إيجاد  حقول كهروضوئيّة، من الأمثلة على ذلك حقول الطاقة الشمسيّة ٥ ميغا واط في مزرعة الرياح پارك ساينوغ في ويلز، والتي أصبحت  في عام 2017 جاهزة للعمل

مثال آخر هو تطوير حقول هارينغڤليت في هولندا، وهي حديقة هجينة للطاقة المُتجددة حيث يتّم تطوير ستة توربينات رياح وألواح شمسية وبطارية معاً، وربطها بالشبكة عبر نفس الوصلة، وقد تمّ تشغيل هذه الحقول المُختلطة للطاقة المُتجدّدة في عام 2020

مثال أخر من بولندا، حيث تمّ إنشاء طريق للدرّاجات الهوائيّة وغيرها، يعتمد على مبدأ تخزين الطاقة الشمسيّة وتحويلها لمصدر إنارة بلون أزرق ناعم خفيف وكافٍ لإنارة الطريق ل10 ساعات

إنتاج الطاقة اللامركزيّ

بالإضافة للاستثمار في الطاقة الشمسيّة على نطاق واسع، تستطيع الدول بمؤسساتها الخاصّة بإنتاج الطاقة، تسهيل إنتاج الطاقة اللامركزيّة على مستوى الاستهلاك للعملاء من الأفراد والشركات، الأمر الذي سيخلق خدمات طاقة جديدة حيث تُقدّم الدول حلولاً تلبي احتياجات العملاء وتُمكّنهم من إنتاج واستهلاك كهرباء عبر الخلايا الشمسية الخاصة بهم

العملاء ينتجون الكهرباء الخاصّة بهم

اعتماداً على الألواح المحليّة، ويمكن دمج أنظمة التخزين المنزليّة مع أنظمة الألواح الشمسيّة، الأمر الذي سيُقلّل من استخدام الكهرباء اعتماداً الشبكة بأكثر من 30٪ غالباً، ومن هنا أصبحت مؤسسات الدولة الخاصّة بإنتاج الطاقة في البلدان الأوربية لاعباً مُهمّاً في مجال مُساعدة عملائها المحلييّن على إنتاج الكهرباء المّتجدّدة الخاصّة بهم مباشرة من خلال أسطح منازلهم، وذلك عبر ارشادات و نصائح يتّبعونها لاختيار أنظمة الألواح الصحيحة

تنمية إنتاج الطاقة الشمسيّة

في عام 2017، تم تركيب ألواح تُنتج أكثر من 100 غيغا واط من الطاقة الشمسيّة حول العالم، حيث أصبح إنتاج الكهرباء يعتمد على  حصّة مُتزايدة من الطاقة الشمسيّة. و هذا أمر مُبَشِّر لإنّه يُشير إلى توافر خبرات و نتائج نستطيع الاستفادة منها عمليّاً لا نظريّاً فقط، وذلك عبر زيارات استطلاعيّة و بحثيّة لأماكن تواجد تلك التجارب مثلاً

كيف تُؤثر الطاقة الشمسيّة على البيئة ؟

ينشأ التأثير البيئي، بشكل أساسي، عند تصنيع الألواح الشمسيّة، فتشغيل محطات الطاقة الشمسيّة خالٍ من الانبعاثات، وبالتالي فإن إنتاج الألواح وزيادة الاعتماد على الطاقة المُتجدّدة سيؤدي إلى تأثير  أقل سلبيّة على البيئة، ولكن يوجد أيضاً استخدام للموارد أكثر كفاءة وعمليات إنتاج أكثر جودة، وكمثال على أسلوب و طريقة يعتمدها خبراء ناجحين في مجال إنتاج الطاقة الشمسية، قيامهم بدراسة وتحليل دورة الحياة، وذلك لمراقبة الجوانب والآثار البيئيّة للطاقة الشمسيّة، ما يمنحنا بيانات بيئيّة لكل من الأنظمة الكهروضوئيّة الحاليّة للاستخدام الخاص والمُتغيّرات واسعة النطاق

لذلك ينبغي على كلّ مؤسسة معنية بإنتاج الطاقة في أيّ دولة  أن تضع العديد من الشروط الصارمة لدى اختيار مُورّدي الألواح الشمسيّة والمُحوّلات. إن التشديد على المُطالبة بالجودة والديمومة هو أحد تلك الشروط، وينطبق الشيء نفسه على الظروف التجاريّة والقانونيّة. يجب على المُورّدين الامتثال لقواعد السلوك الأخلاقيّة الخاصّة والتي تضمنها الدولة لمواطنيها و شركاتها أيضاً

إنّ اعتماد الطاقة المُتجدّدة كمصدر لتوليد الطاقة على نطاق واسع، مطلوب لتحقيق هدف البيئة النظيفة، و تحقيقه يتطلب توافر مساحات واسعة، سواء على الأرض أو في البحر

تتناوب الألواح الشمسية وخطوط الزراعة – مثال من هولندا

– يتكوّن الحقل من صفوف من الألواح الشمسيّة تتخلّلها خطوط مزروعة بمحاصيل مختلفة ، تعتمد أسلوب الزراعة العضويّة، الأمر الذي يعني تركيب ألواح الشمسيّة بعدد أقل بكثير من المعتاد لكل هكتار ، كما تقول آن ماري شوتين ، رئيسة قسم تطوير الطاقة الشمسيّة في هولندا. نحن نستخدم الألواح الشمسيّة من كِلا الوجهين للتأكّد من الاستفادة الكاملة والكافية من مصدر الضوء . يلتقطون الضوء المُنعكس من التربة والمحاصيل والصفوف المُجاورة، ويستخدمونه لإنتاج الطاقة الشمسيّة، بالإضافة إلى ذلك، يتمّ تدوير الألواح بحيث تتبع أشعة الشمس، ما يؤدي إلى تعاظم الإنتاج. من المُتوقع أن تبلغ سعة الحقول 0.7 ميغا واط

تتبّع الشمس

خلال أربع سنوات من المشروع سيمبزون الهولندي المذكور اعلاه، تمّ تطوير خوارزميّة لتتبّع الطاقة الشمسيّة، وذلك من قبل منظمة الابتكار، والغرض من ذلك هو متابعة الإنتاج الزراعي وإنتاج الطاقة ودراسة تأثير خطوط الزراعة والتنبّؤات الجويّة ( التغيّرات المناخية ) وأسعار الطاقة وظروف التربة، وإذا أمكن، سيتمّ تحسين الخوارزميّات بالتعاون مع الشركة السويدية الوطنية لإنتاج الطاقة ڤاتينفال مع آيريس هوغيسكول 

بالإضافة إلى ذلك، تتمّ مراقبة تأثير نظام التتبّع الشمسيّ على المحاصيل والأمراض وقابلية استخدام المزارع من قبل آيريس هوغسكول، أكبر مزرعة عضويّة في هولندا، و هيموس، وهي مؤسّسة تعمل من أجل الانتقال إلى الزراعة التي تأخذ حماية البيئة في عين الاعتبار أكثر . يتمتّع الطرفان بخبرة واسعة، بالفعل، في مجال زراعة الخطوط

الطاقة الشمسيّة في مجال انتاج الوقود

حقّقت الصين ابتكاراً مُذهلاً وذلك بتحويل الطاقة الشمسيّة إلى وقود سائل، من خلال مشروع يُنتج منتجاً سائلًا يحتوي على 99.5٪ من الميثانول ، وفقًا للتلفزيون الصيني. النجاح،الذي تحقّق في يناير عام 2020 ، وحصل مُؤخرًا على تغطية الاعلامية، هو المحاولة الأولى، على النطاق العالمي،  للتجميع المباشر للوقود الشمسيّ. وقال التقرير، نقلاً عن خبراء، أنّ المشروع، إذا تمّ تشغيله بكامل طاقته، يُمكنه إنتاج 1500 طن من الميثانول سنويّاً، وأنّه يستهلك 2000 طن من ثاني أُكسيد الكربون ويُولّد 15 مليون كيلوواط / ساعي من الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسيّة

والجدير بالذكر أنّ الطاقة الإنتاجيّة السنويّة للميثانول ، تبلغ في الصين حوالي 80 مليون طن، وفي عام 2019، شكّلت انبعاثات ثاني أُكسيد الكربون من الصين  29 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية.  إذا تمّ استخدام الوقود الشمسيّ لتصنيع الميثانول، فيُمكن تقليل انبعاثات مئات الملايين من الأطنان من ثاني أكسيد الكربون كل عام

بعد هذه الجولة السريعة والبسيطة حول العالم، والتي تناولت مجال تطوير استخدام الطاقة الشمسيّة، يهمّنا كفريق آينيسيس أنّ نُشدّد على أهمية حوكمة الدولة لهذا القطاع، و تعاونها مع القطاع الخاص بحيث تُقدّم للمواطنين أفضل الأنظمة، و تمنع  توريد الألواح الرديئة

فعندما تحتكم الدولة إلى القانون في مجال إنتاج الطاقة، تستطيع  تقديم الخيارات الأفضل للسوق الوطنيّة، و تعطي الخيارات الصحيحة للمواطن،  مما يُعزّز الثقة بين الحكومة و المواطن، ويمنع السوق الفاسدة من خداع المواطن و هدرالمال العام،  بالإضافة لحماية المستهلك

هذا ويجب التنويه إلى أن الخبراء في مجال الطاقات المتجددة يتضاربون بآرائهم حول جدوى الإنتقال المباشر والسريع من استخدامات أنواع الطاقة التقليدية إلى الطاقات المتجددة على اعتبار أن الثانية تستخدم الأولى في دورتها الإنتاجية (تصنيع البطاريات، والألواح وغير ذلك من المواد التي يجب تصنيعها بالمعامل والتقنيات المعهودة). هذا يعني أن الجدوى البيئية قد تكون غير مثبتة بشكل كامل وعلى المدى الطويل

دمتم و دامت سوريا بكلّ خير

الفريق المُؤسّس لآينيسيس

تدقيق لغوي: الاستاذة أميمة ابراهيم

ماذا عن المهارة السورية بالنفخ في الزجاج؟

قد انتابتني السعادة وغمرني شعور بالفخر كسورية عندما قرأت في عدة مجلات علمية خاصة بصناعة الزجاج السويدي، ذلك أن موطن حرفة صناعة الزجاج الأول هو سوريا. وهو ما شجعني للقيام برحلة سياحية لمنطقة مشهورة بمعامل صناعة الحرف اليدوية للزجاج على الطريقة السورية الأولى (النفخ في الزجاج)، في مقاطعة سمولاند. في سمولاند، المجتمع الذي بُنيت فيه هذه الحرفة و توسعت اكتسبت إسم مملكة الزجاج، فيها أقدم معمل لصناعة الزجاج في السويد “كوستابودا” ولا تزال تستخدم الطريقة الحرفية اليدوية الأولى. المنطقة واسعة تقع في جنوب وسط السويد غنية بالبحيرات و رمالها و غاباتها التي استغلت منذ القدم لصناعة الزجاج كما قام سكانها على استغلال الطبيعة و شلالات المياه فيها لتوليد الطاقة للمعامل فيها.

فكرة بناء معمل صناعة الزجاج بالنفخ تبلورت في عام 1736.. بعد استكمال شروط البناء و الموافقات نشأ أول مصنع في السويد عام 1742.  تستمر هذه الصناعة حتى يومنا هذا بالتوسع  و يصل عدد زوارها الى مليون زائر سنوياً فقط في فصل الصيف. عند زيارتك للمنطقة التي يقع فيها المعمل تستطيع زيارة المعمل الأول وفيه قسم يعد كمتحف لاولي الادوات و المكاتب التي تم استخدامها و للزجاج المصنوع.  تستطيع زيارته دون آجر.ولمن يرغب من الزوار بمعرفة أعمق  يستطيع حجز موعد مخصص  لجولة معرفية حيّة داخل المعمل مقابل دفع أجر بسيط.  يرافقك في الجولة مرشد/ة سياحية تتلو عليك معلومات غنية عن تاريخ المعمل و طريقة عملهم، بينما أنت تستمتع أثناءها في مشاهدة حية لصنع قطعة زجاجية من بداية  مراحلها وحتى نهايتها ( انظر الى الصور المرفقة) .  في قسم أخر تستطيع أيضاً حجز موعد خاص لك مقابل أجر لتتعلّم قليلاً مبادئ الحرفة و تجرّب بنفسك يوماً أو يومين صنع الزجاج كنوع من الاستجمام و صناعة الفن و ربما تتشجع على دخول مدرسة مهنية لتتعلم الحرفة فعلاً.  و لمَ  لا؟!  ففي السويد يوجد ثانوية لتعليم حرفة صناعة الزجاج و فنّه.. تستطيع أيضاً حجز ساعة مقابل أجر لصنع قطعة زجاجية تحت إشراف و مساعدة أحد الحرفيين و تنفخ زجاجتك بنفسك و تشكل الشكل الذي يروق لك لتأخذ لاحقاً قطعتك الفنية التي صنعتها كذكرى من هذه الزيارة.. كنت ارى العائلات و الأطفال خاصة يستمتعون في هذه المشاركة وأعلم أن الأجور التي دفعوها تدعم الحرفة و نقابة الحرفيين و تسعد الزوار لتقرّبهم من منتجات بلدهم للحفاظ على إرثهم الوطني.. وإلى نفس المساحة الجغرافية في سمولاند  تستطيع الدخول دون أجر لمشاهدة غاليري يُقام فيها على الدوام عروض اعمال فنية لفناني الزجاج السويدين

في نفس المنطقة و التي كانت مجتمع وقرية صغيرة و بسيطة تحوّلت الى اجمل مكان سياحي يكتظ بالأفكار الجميلة التي تستثمر المكان لدعم الحرفة. فهناك محلات لبيع الزجاج بأسعار منافسة  لباقي الأسواق في المدن السويدية وهناك سفاري بالقرب منها تقصده العائلات التي تود  ترفيه أطفالها و التعرّف على حيوانات الغابة عن قرب في نفس وقت زيارة معامل الزجاج و هناك هوتيل كل مافيه من الزجاج و كأنك تسكن في غرف زجاجية و إقامته مميزة و جميلة. إضافة إلى محلات أخرى افتتحت لتعرض منتجاتها بأرخص من باقي المدن، كعامل جذب للزوار الذين سيشترون منتج المنطقة بسعر أقل من بقية الأسواق مما يوفّر على الزائر و تمنحه مكسب أكبر من خلال زيارته للمعمل

تحدثنا المقالات المعرفية كما  شرحت أيضاً لنا المرشدة السياحية هناك، أنه أثناء الثورة الصناعية و دخول معامل اوتوماتيكية لصناعة الزجاج تراجعت الحرفة صناعة الزجاج، كما غيرها من الحرف التي تتطلب جهداً و وقتاً للصناعة. فكان الزجاج الصناعي أرخص. هذا دفع نقابة الحرفيين بالتعاون مع الدولة على ايجاد افكار ابتكارية لدعم الحرفة واستمرارها لتنافس الصناعي. فجلبوا فنانين مشهورين من بلدهم و أعطوهم مهمة خلق أساليب جديدة لتقوية هذه الحرفة فقام هؤلاء الفنانون بوضع رسمهم على الزجاج و توقيعهم وخلق أشكال و صناعات تدخل في منتجات جديدة مما ساعد على خلق لهفة عند الشعب لاقتناء هذه المنتجات و منها ما أصبح سعره مقبولاً لاقتنائه  في منزل سويدي بسيط 

طوال زيارتي هناك سكنني تساؤل تلقائي عن وضع هذه الحرفة في بلدي الأم  وكيفية انتشارها و الدعم القائم لها. خاصة ان ذاكرتي عنها لا تحمل الا صور الزجاج المنتشر في الأسواق من الصناعة المستوردة أو الخزفيات التي تُعرَض في اماكن الخمس نجوم التي يرتادها السياح، وقد يقتنون منها ربما قطعة زجاجية سورية للذكرى، فسارعت عند عودتي لقراءة و معرفة المزيد عن هذه الحرفة في سوريا! ا

صدمت  عندما علمت أنه لا توجد في سوريا الا عائلة واحد من ثلاث إخوة  تعمل في مشغلها القائم في أطراف دمشق الشرقية، في خان الزجاج. عائلة الحلاق هي العائلة الوحيدة التي بقيت تتوارث  هذه المهنة وهي  تصارع اليوم لبقائها بالرغم أن أطفالهم يرفضون تعلمها، فهي لم تعد مجدية مادياً

صحيح أن الحرب على سوريا دفعت هذه المهنة للتراجع لعدم توفّرالطلبات الكافية. و لكن الحقيقة ايضاً أن هذه الحرفة أُهملت تماما حتى قبل الحرب ولم تتلقِ الدعم الكافي الذي يضمن استمرارها او تنشيطها و توسعها.. هناك الكثير من التصريحات التي نقرأها في الصحف السورية المحلية أو من تصريحات المسؤولين في وزارة الصناعة خلال فترة الحرب واليوم تتحدث عن اهتمام  الحكومة بدعم الصناعة و الحرف اليدوية و لكن بالرغم من كل هذه التصريحات لم تلمس  صناعة الزجاج التقليدي أي دعم او تطوير ولا حتى الآلي الذي أصبح الآن  يطالب الوزارة في تسهيل عملية استيراد الزجاج للصناعة.. أتوقف هنا و أتساءل أين تذهب نفايات الزجاج إن لا تُستثمر في إعادة تدويرها و تساهم في صناعة الزجاج؟ و ماذا  ينقص بلد كسوريا لإحياء صناعة الزجاج الحرفية و استثمار الخبرات السورية لتزدهر هذه الحرفة و تنافس الزجاج العالمي مجدداً، و تنشط السياحة الداخلية والخارجية للقدوم الى ورشات الزجاج كما السويد؟

و عند سؤال السيد “طلال معلا”، وهو الفنان التشكيلي والباحث في الجماليات، اضافة الى نجاحه في تسجيل تراث مسرح الظل في منظمة اليونيسكو باسم سوريا بدعم من الأمانة السورية للتنمية، عن حال هذه الحرفة و كيفية توثيقها و الحفاظ عليها كما فعلو مع مسرح الظلّ، أضاف: حاولت كثيراً الالتفات لدعم صناعة الزجاج اليدوي بإعادة تشغيل أفران التكية السليمانية وتم وضع مخططات لمشروع متكامل للتشغيل لكامل المنطقة بما فيها الصناعات الزجاجية اليدوية لكن عوامل كثيرة حالت دون تحقيق المشروع ليست الحرب اولها ولا التشريعات آخرها.  لقد هجر المهنيون مواقعهم للعمل في لبنان (صيدا) ومواقع أخرى لعدم وجود سوق لبيع المنتجات في سوريا مع توقف الحركة السياحية وبفعل الحصار الاقتصادي … الخ

القصة تمتد لمحاولات إيجاد قوانين تحمي الحرفيين، وخاصة المهن التراثية والثقافية، وقد أنجزنا جزءاً هاماً  فيها لكنها لم تعتمد لعدم صدور قانون التراث الثقافي الجديد الذي عملنا عليه لسنوات

و لهذا تتراكب فان عوامل كثيرة في عمليات صون هذه المهن والحرف التقليدية وقد اشرت أنتِ الى ان الامر يحتاج الى توثيق و تسجيل الحرفة في اليونيسكو كما قمنا به في خيال الظل، فالعملية متكاملة لنقل المهنة من جيل الى جيل بأسلوب معاصر وضرورة دعم المتدربين لايجاد محترفاتهم من جهة، وتحقيق اسواق لمنتجاتهم التي لابد ان تأخذ لمسات عصرية

أن تنمية جزئية لموارد التراث الثقافي الوطني لاتكون ناجعة إلا في إطار سياسة ثقافية واضحة تركز على استثمار التراث الثقافي دون الإخلال بأصالته وقيمته الإنسانية والمجتمعية، فحرفة الزجاج اليدوي مرتبطة بمجاوراتها من الحرف والمهن الثقافية واذا كان قد تم تحويل اساليب استثمار الزجاج اليدوي من مكمل جمالي وثقافي واجتماعي الى كماليات تزيينية، فإن ذلك يقتضي التعمق في دراسة الموقع التنموي الذي يمكن ان تشغله هذه الحرفة على المستوى الإبداعي وضرورة الربط بينها وبين مهن صاعدة ومؤثرة كالتصميم الفني والمعماري وسواهما من مجالات استخدام المتج وابتكار أسواق معاصرة داخل البلاد وخارجها.. كما ان الربط بينها وبين حرف تزيينية أخرى يجري استخدامها في الديكورات كالعجمي والتصديف والمحفورات الخشبية وسواها من الحرف التراثية التي تعاني هي الأخرى من الهجرة والنزوح، ستشكل النظرة الرشيدة للسياسة الثقافية التي يمكن أن  توليها وزارة الثقافة طريقاً مهماً لاقتراح صون هذه المهن التراثية وطنياً قبل وصولها الى الصون العاجل في اليونسكو أو سواها

أصل صناعة الزجاج

في البداية تم استخدامه للزخرفة و للأعمال الفنية. و وفقاً لما دوّنه المؤرخ الروماني القديم، بليني الأكبر، فإن التجار الفينيقيين إكتشفوا مرّة عندما رست سفينة لهم محملة بالنيتروم على الشاطئ السوري وقاموا باستخدام كتل النيتروم لدعم أواني الطعام أثناء طهي طعامهم و إشعال النار من تحتها. دمجت النار النيتروم بالرمال و تدفق سائل شفاف تحوّل الى زجاج عندما برد

تقول مصادر أخرى أن مصر آيضاً دولة أخرى اشتهرت فيها صناعة الزجاج في وقت مبكر، يُعتقد أنّ أقدم جسم زجاجي تمّ إنشاؤه حوالي (3500) قبل الميلاد في مصر وشرق بلاد ما بين النهرين، أقدم عينات الزجاج من مصر وتعود إلى (2000) قبل الميلاد، في عام 1500 قبل الميلاد، كانت الصناعة راسخة في مصر، بعد 1200 قبل الميلاد تعلّم المصريون ضغط الزجاج في قوالب.

في القرن الأول الميلادي اكتشف السوريون أن الزجاج يمكن تشكيله بالنفخ في أنبوب نفخ زجاجي مجوف. مما ينتج عنه بهذه الطريقة كميات كبيرة من الزجاج الشفاف

 بما أن سوريا كانت تنتمي آنذاك إلى الإمبراطورية الرومانية،  انتشر فن نفخ الزجاج أيضاً من خلالها في أوروبا.  تم استخدام الزجاج في أهم المباني في روما وفي الفيلات الفاخرة في بومبي.  حتى العصور الوسطى، كان الزجاج يستخدم بشكل رئيسي في الكنائس والقصور.  في وقت لاحق ، تم استخدام النوافذ الزجاجية أيضًا في المباني العامة والنزل والمنازل التابعة للمواطنين الأثرياء

بقلم السيدة: فاديا رستم

تدقيق لغوي: أميمة ابراهيم

التواصل اللاعنفي

التواصل اللاعنفي، لغة تساعدنا على الاتصال بأنفسنا وبالآخرين لفهم كل منا الآخر، ونكتشف الطرق التي نستطيع بطبيعية وبطيب خاطر أن نساهم بها برفاه كل واحد منا

يرتكز التواصل اللاعنفي على عدة ركائز ومنه

 ٠ كل الناس يرغبون بالحصول على إشباع لحاجاتهم

٠ البشر يلبون الاحتياجات من خلال العلاقات المتبادلة، نحن نبني علاقات طيبة عندما نحقق هذه الحاجات من خلال التعاون وليس من خلال السلوك العدواني

٠ كل إنسان لديه موارد جديرة بالتقدير (قدرات، كفاءات)، تتجلى لنا عندما نتواصل معها من خلال التعاطف

٠ وراء كل سلوك حاجة وجميع الإجراءات هي محاولات لتلبية الاحتياجات

٠ كل حاجة تفيد الحياه

٠ لا توجد حاجات سلبية

٠ كل البشر لديهم القدرة على التعاطف

٠ البشر يتمتعون بالعطاء

٠ البشر يتغيرون

٠ الاختيار داخلي

٠ الطريق الأكثر مباشرة إلى السلام هو من خلال التواصل مع الذات

يهدف التواصل اللاعنفي إلى

١- بناء علاقات مشبعة (باعثة على الرضا) والحفاظ عليها

٢- إشباع حاجاتنا من دون إلحاق الأذى

٣- تغيير التواصل المؤلم وقلب الصراعات

يعتمد هذا المنهج ننعلى مكونات أربعة

الملاحظة: في البداية نحن نلاحظ ما يحدث فعلياً في الموقف: ما يحدث في داخلنا/ما نقوله أو نفعله/ ما يقوله أو يفعله الآخرون

الشعور أو الإحساس: نميز هنا بين المشاعر والأحاسيس من جهة والأفكار أو المعتقدات من جهة أخرى. الشعور أو الاحساس بالوقت الراهن، الخطوة الثانية نحن نعبر عن ماذا أشعر أو ماذا أحس في الوقت الراهن وليست أفكار

الحاجات: تتوضح أهمية الحاجات انطلاقاُ من ركائز أساسية في التواصل اللاعنفي مثل

الطلب: إن أهم ما يساعدنا على التمييز بين الطلب والتطلب، هو انفتاحنا على سماع ال “لا” على ما نطلبه، عندما تأتي “اللا” منالطرف الاخر وتكون انفعالاتنا عالية جداً بعد سماعها، هذا يعني أن هذا تطلب وليس طلب انساني

يوظف التواصل اللاعنفي في ثلاثة مناحي، هي التعبير عن الذات، الإصغاء التعاطفي، والتعاطف مع الذات. في سعي لإحياء ما فينا، وإثراء الحياة

بقلم الدكتور: سليمان كاسوحة

التنمّر

التنمّر.. لماذا الآن؟

التنمر! قد يبدو مصطلحاً جديداً بدأ يظهر في السنوات الأخيرة وخصوصاُ في وسائل التواصل الإجتماعي، هذا صحيح نسبيّاً، فالظهور الأول له وبالعربية خارج النطاقات الاكاديمية والعلمية تأخر حتى سنوات قليلة مضت، ما عدا بعض الاستشهادات الأدبيّة في روايات وقصص مختلفة

إلا أنّ أفعال التنمر والممارسات التي تصنّف ضمنه اليوم ليست بجديدة أبداً، على العكس في كثير من الأحيان يتم التعامل معها كنتاج ثقافي شعبي متراكم وكإرث يجب تناقله. قد نجد مفاجأة غير سارّة لنا بأنّ كثير من الأمثال الشعبية والحكايات القصيرة التي نمارس بها التربية والتثقيف أحياناً ونتداولها كخلاصات لأحاديثنا اليومية تندرج بشكل رئيسي تحت تصنيفات التنمر اللفظي، والأخطر أنها لاتكتفي بذلك بل تذهب لتنمّر ثقافي ينشأ من تشكّل الصور النمطية حيث يضع جماعات أو شرائح من المواطنين ضمن قوالب نمطيّة مفترضة سيصعب تغييرها في المستقبل بالنسبة لمن تلقوها في الصغر لسنينٍ طويلة وبدت وكأنها تجارب ثمينة لاينبغي نقاشها أو تضييعها

جاءت وسائل التواصل الإجتماعي بكل المميزات التي أعطتنا إياها بفضيحة كبيرة لثقافاتنا المتراكمة لتضعنا أمام الجميع وتضع الجميع أمامنا، نتواصل مع الآلاف، نبدي إعجاباً أو استهزاءاً بهم وبأفكارهم، لباسهم، طريقة عيشهم وكلامهم وفهمهم للأمور، ولمّا ترافق هذا الانفتاح وهذه الفرص مع الإضطرابات المختلفة التي تحيط بنا، فإنه وبدلاً من استثمار هذه الوسائل لنقترب ونتعرّف ونفهم بعضنا البعض فإننا استخدمناها – في كثير من الأحيان – لنؤكد الهويات الفرعيّة ونكرّس الفوارق الإجتماعية والطبقية

لم نكتفي بذلك, بل خلقنا طبقات جديدة لنحدد بها أنفسنا، وخلقنا مجتمعات افتراضية مليئة بالإلغاء والإستقطاب والتقوقع، فبدت حساباتنا مزخرفة جميلة نضع عليها أفضلصورنا الشخصية وأحلاها ونترك العنان لأفكارنا ورواسبنا المليئة بالإلغائية والتنمّر والاستهزاء لتكون منشوارت وصفحات تصل للملايين اليوم، وفي كلّ يوم تزداد حجماً ونزداد كمستخدمين تعوّداً عليها، وبالطبع لانعمم هُنا

في بدايات دخولنا لوسائل التواصل الإجتماعي في سورية اصطدمنا بصفحات سمّيت كمجّلات تنشر صوراً لأشخاص من فئات إجتماعية سوريّة مختلفة، وتعلّق على تسريحات شعرهم وألوان ملابسهم المتنوعة، كما لاتمتنع عن التعليق على وضعيات التصوير التي أخذوها وهم بالمناسبة لم يسمحوا لأحد بمشاركتها أصلاً، انتشرت هذه الصفحاتو تحوّلت إلى موجة ضمّت عشرات الصفحات التي بدأت بنشر صور من حفلات زفاف خاصّة مثلاً وقامت بتطبيق بعض مقاطع الفيديو مع أغاني محليّة بقصد الإستهزاء

في ذلك الوقت وقبل 10 سنوات تقريباً لم يكن من الممكن استخدام الأدوات التي بين أيدينا اليوم، ولم يكن لدينا الوعي الكافي ربّما لتصنيف هذه الممارسات أو على الأقل تسميتها باسمها كظاهرة يجب إنهائها، كان مدى التفاعل يقتصر على مستخدمي وسائل التواصل القلّة، في سنوات لاحقة أصبح أغلب الناس ضحايا وفي نفس الوقت مرتكبين لهذه الأفعال بقصد وبلا قصد.

وهذا ما يجيب عن سؤالنا لماذا الآن؟

اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى نتورط بشكل تلقائي في أفعال وتعليقات وممارسات يتمّ تصنيفها تنمّراً، على تنوّع خلفياتنا الثقافيّة و طبقاتنا الإجتماعية وتقدمنا الدراسي، نحن ضحايا ومرتكبين، فنحن ننجرُّ كثيراً مع الموجات على وسائل التواصل الإجتماعي، وما أكثرها

على الأكيد أنّ كثير مننا يمارس المراقبة الذاتية لتحركاته في وسائل التواصل ويحاول ضبطها، لكننا في كثير من الأحيان نقع في أفخاخ متعددة تبدأ بابتسامة وقد لاتنتهي بشائعات تُشعل حروباً افتراضيّة وتوقظ فتناً كبيرة، في حين أنّ الآلاف ممن تستهدفهم هذه الممارسات قد لاينامون بالفعل إلا وعيونهم تدمع وثقتهم بأنفسهم تهتز، كيف لايحدث ذلك والملايين وفي لحظة مزاح يتحولون لمتنمّرين بضغطة زرّ واحدة؟

تتزايد أعداد ضحايا التنمّر في مجتمعاتنا يوماً بعد الآخر، ولا أسهل على أي مننا من تعداد شخصيات اشتُهرت أسبوعيّاً على وسائل التواصل الإجتماعي فكانت حديث الناس وموضع استهزائهم وطرائفهم الغير لطيفة والتي تُبكي فعلاً ولا تُضحكُ إلا المتنمّرين فقط

يسعى كتيّب “هل تعرّضت للتنمّر؟” ليكون محاولة فهم وهي بالتأكيد غير مكتملة، مراجعة ذاتيّة قبل أن تكون عامّة، نجرّب فيها التعرّف أكثر على التنمّر وتحديد أشكاله وتبيين البيئات التي ينتشر فيها، نتشارك بعض آليات التعامل مع المتنمّرين وأفعالهم ونجرّب تبيين الفرق بينه وبين الممارسات المشابهة كما نذهب إلى القانون السوري ونجرّب المرور على بعض النصوص القانونية التي تجرّم هذه الأفعال، كما نقترح بعض التحركات المفيدة للمهتمين بتخفيف هذه الظاهرة وإنهائها وفق أدوار متعددة مقترحة

و هذا العمل هو عمل مفتوح للتطوير دوماً، ولهذا تركنا عدّة صفحات فارغة في نهايته لتسجّلوا فيها خبراتكم وملاحظاتكم في مواجهة موضوعات التنمّر فلا تبخلوا بتدويناتكم وإضافاتكم والتي يمكن مشاركتها مع فريق “البعبع” في أي وقت و بشكل مستمر، فهذا العمل لن ينتهي بصفحات وإنهاء هذه الظاهرة مسؤوليّتنا جميعاً

بقلم السيد: وسيم السخلة

مقدمة كُتيّب: هل تعرّضت للتنمّر؟

.يمكن تحميله من الرابط أدناه

https://drive.google.com/file/d/1DZTy74TUnv1r3yaAP2tUxfUWh42zs5_p/view?usp=sharing

عبور في غير زمانه

امرأة قبل سن الزواج…
جميلة ..رشيقة ..كبر جسدها بسرعة وباتت تبدو أكبر من عمرها ..بدأ الجميع يمتعون مسامعها بجمالها ..حتى باتت تشعر بما يثيره جمالها في داخلهم
صارت تتقن التفنن في اللباس ولعل بعض الماكياج يشعل جمالها أكثر … كلما حاولت ان تبرز مفاتنها بادرتها والدتها بالنصح هذا اللباس لايليق بعمرك ..بدأت تتأفف من تلك النصائح وأصبحت تطمح بالخروج من دائرة الوالدة وتدّخلها بمسيرتها وكان الحل بحسب تفكيرها هوالزواج
لم تعارض فكرة الزواج رغم صغرها ..تقدم شاب لخطبتها فرفضته لأنه فقير والثاني تركته بعد أن لبست خاتم الخطبة بسبب قلة جاذبيته ولم يعطها الحب الذي تنتظره ..هكذا عندما تقدم رجل ثري في عقده الثالث لخطبتها ..وافق الأهل وشجعوها لأنهم كانوا قد أدركوا عدم رغبتها بالدراسة
تزوجت بحفل لم يرقى لطموحها وهي التي تقايض عمرها ببعض المغريات
أنجبت ..فلم تدرك كنه الأمومة لأنها حقيقة لم تكن أكثر من طفلة تجرب الهروب من المسؤوليات
كبرت ابنتها فاختلطت مشاعرها تجاهها ..تريدها أن تكون متميزة لكن ليس لديها القدرة على
نربيتها وتأهيلها للتميز ..حين كانت ابنتها تلعب كانت هي تنام لتشبع رغبات عمر المراهقة ..وحين بدأت ابنتها تحتاج لوقت أكبر للاهتمام بدراستها ..كانت هي تريد أن تملئ الجانب الفارغ في حياتها وراحت تكمل الدراسة التي فاتتها في الوقت الذي كانت تحتاج الابنة رعاية أمها . . كانت الطفلة ذكية اعتمدت على نفسها في دراستها وصار الابن الأصغر يقضي وقته في بيت الجدة .. استمر الأمر على هذه الحال ..لا الابنة أخذت حقها من الأمومة ولا الابن كان يعرف الفرق بين الجدة والأم ..ولا الرجل نال حقه منها كزوجة يحتاج إلى دفئها وحرارة لقاءها أو حتى اهتمامها
لم تكن مستعدة لتدفع من ذاتها إلا ضمن بعض المقايضات …لم تكمل الأم تعليمها لأنها ملت الدخول بمنافسات ..لكنها وجدت نفسها تتخبط ..فلا الابنة تسمح لها بدور النصح لأنها لم تكن حاضرة في يومياتها حين عاشت طفولتها بلا أم تشاركها ألعابها أو دروسها ..ولا الابن يستشيرها ..لأنها لم تجس حرارته حين كان يريد ان يرى رفاقه أمه الجميلة قربه بينما هو يقضي وقته برفقة جدته المتعبة من أثقال الحياة
أرادت أن تفرح بهم لكن لم يكن حضورها مهم في يومياتهم التي عاشوها دون رصيد لها …أرادت أن تتباهى بنجاح ابنتها وابنها الذي كبر دون أن تلحظ التغييرات التي عبر بها فوجدته فجأة شاب وسيم تحلم به أغلب الفتيات ..أرادت أن ترافقه هي التي لم تأخذ فرصتها بالأحلام أو بالمراهقة أو الدراسة ..أن يصبح رفيقها ..لكنها أدركت عدم رغبته بحضورها الآن بحياته ..بعد أن اعتاد أن تكون جدته هي مخبأ أسراره ومنطلق أحلامه.
استعجلت العبور بين المراحل ففقدت متعة العيش بملذات كل مرحلة …شعرت بوحدة قاتلة تلفها ..لاشيء يجعلها تغرف من السعادة وتستقي بمايرويها ..ذهبت إلى حضن أمها يوما ..وأفضت لها بمخزون سنين من الضياع
كان البكاء صراخا يعاتب السنين بحرقة تشابه الرغبة بالخروج من العاصفة

بقلم المهندسة و الفنانة نيللي مرجانة

التماثيل منحوتات من أعمال الفنانة نيللي مرجانة

إنتِ من وين؟؟

مع كل مرة كُنت أُسأل هذا السؤال اتذكر سكيتش غنائي لفيروز في مسرحية جبل الصوان تقول فيه فيروز

بيضلوا يسألوك إنت شو إسمك؟

بتقلن إسمي فلان

ما فيك تكون بلا إسم

بيضلوا يسألوك إنت منين؟

بدك تقول منين

ما فيك تكون مش من مطرح

كانت هذه الأغنية تراودني و أبتسم مفاخرة بالجواب

!أنا من سوريا

بتُّ أدرك تماماً ما يرمون إليه عبر سؤالهم هذا، وأتقصّد من خلال جوابي، لفت انتباههم و إمهالهم، لبرهة من الوقت، ليفكروا بما أقول

نعم من سوريا! فلست أنتمي لقرية، قبيلة، أو مدينة، ولا حتى مدينة أبي، لأنّ لي أمّاً أفتخر بوجودها ككيان هام و أصيل ساهم مع أبي في تكويني، بل ربما لها الفضل الأكبر في ذلك، فأنا أنثى مثلها

فما الذي يدعوني للتعصّب لنسب أبي وطرح نسبها جانباً ؟ و لماذا أتعصّب لانتماء والديَّ و تأثير المدارس و المدن التي عشت فيها عليّ، كان أعظم من تأثير أهلي ؟

لم أتعمق يوماً ولم يشغلني هاجس السؤال الذي دأب السويديّون على طرحه عليّ، منذ بدأت غربتي بعمر صغير (١٩ عام) : من أين أنتِ؟ فالجواب كان سهلاً جداً وبديهياً إنّني من سوريا.. و هل هناك أجمل من جواب ينطلق تلقائياً بكل سلاسة دون حاجة للتفكير فيه، أنا لست من السويد إنّما أنا من سوريا

 بعد إنقضاء بضع سنوات في الغربة، بدأ بعض شعور بالغرابة بالتسلّل إلى نفسي خلال زياراتي للوطن، بدأت ألحظ استغراب البعض من بساطة واختلاف ملبسي، أو من سذاجة أسئلتي -حسب رأيهم- ، حين يبادرني سائلاً : من وين إنتِ؟ 

و كأنّها محاولة لتنبيهي إلى أنّني لا أنتمي إلى هنا …أيّا كان ما يقصده ب “هنا”، فكان الأمر يلتبس عليّ وأبدأ بالتشكّك… ؟ 

هل بت ّلا أنتمي لسوريا حقّاً ؟ 

وهل بدأ أثر البلد الآخر بالظهور عليّ، بشكل  أشدّ  وضوحاً، من أثر سوريتي! ؟ 

عندما كنت أسأل أصدقائي في السويد ذات السؤال، كانت الإجابة تأتي، غالباً، ذاكرة المدينة التي وُلِدوا أو تلك التي عاشوا فيها طفولتهم.. حتى ولو كان أهلهم موُلِدين في مدينة غيرها

عندما انتقلت مع طفلتي الأولى الى مدينة أخرى، وذلك لمباشرة العمل بأولى وظائفي الثابتة، كان زملاء طفلتي الجدد في المدرسة، يتعرفون على بعضهم البعض و يسأل كلٌّ منهم الآخر من أين أنت ؟ كان كل طفل يذكر اسم مدينته التي وُلِد فيها، و يتمازحون قائلين ( واضح من اللهجة ) مُلقين الدعابات حول لهجات بعضهم.. لم يسألها طفل من أين أنتِ أصلاً، بسبب لونها أو شكلها الذي يشي بأنّها ليست سويدية، لم يسألها أحد أو يهتمّ بأصل أبويها، لم يهتموا لنسبها لأنهم أبرياء التفكير و السريرة، و هذا ما يعمل الأهل على الحفاظ عليه تحديداً، وذلك منعاً من خلق حالة تفكّك في المجتمع. فالصديقة الجديدة هي كما هي إنسانة لها هويتها الخاصّة، و ستنضمّ إلى ذات المدرسة و تأخذ نفس الدروس، و هذا مايهمّهم .

توارت آثار السؤال الغريب إيّاه مع استقراري في المكان، وازدياد الوعيّ المدعوم بالتقدم في السّن … واستمر ذلك  لفترة طويلة، ولم أكد أرفل في نعيم الاعتقاد بأنّ المراحل الهادئة للتأمّل و التعمّق في الحياة قد حانت، حتي بدأت الحرب في سوريا، وحَملت إليّنا فيما حَملَت، صغائر لم يكن في الحسبان أنّها جديرة بالتعمّق بالتفكير، خاصّة بظروف الحرب العصيبة من تدمير وتشرّد وتيه وضياع انتماء

وعاد ذاك السؤال ليُطرح عليّ من جديد، لكن هذه المرّة، كان مطروحاً من السوريّين أنفسهم

 من وين إنتِ ؟ و كنت أجيبهم كالعادة، أنا من سوريا، وفي خضمّ إعادتهم لطرح السؤال، مع إصرارهم على استحصال بعض التفاصيل أو الكثير منها، عبر عبارات من نوع : منعرف إنّك من سوريا قصدي أبوكي من وين ؟ أصلك أصلك من وين؟ شو خايفة ندبحك إذا عرفنا إنتِ من وين؟ ماحدا رح يوصلّك إنتِ بالسويد ؟ جزعتُ

فقد تكشّف لي أنّ الكثير من الخوف، بات يُسيطرعلى حياة أبناء بلدي حتى وهم خارج حدوده، وأنّ ما عانوه في هذه الحرب البغيضة، التي ارتدت أثواب كل الحروب التي خيضت على مرّ التاريخ، قد لا يزول بسهولة، ولست أُنكر أنّ التاريخ قد حمّل هذه المنطقة ما لا تُطيق من بطش الحروب وصنٌاعها.. فكانت ذاكرة التاريخ الأسود تُعيد نقل ذات المشاهد في كل حرب، ناشرة الخوف ذاته 

ومع تيقُّني وعلمي بكل هذا… إلّا أنّني، وفي لحظة إجابتي عن السؤال حول انتمائي، كنت أطرد عتمة التاريخ من رأسي و أُجيب بما يتماشى مع قناعاتي و مبادئي، وقد يكون مردّ ذلك محاولتي الحثيثة دعوة السائل للتفكير خارج الصندوق .. إيّاكم والانصياع لضيق الأفق، الذي حُمِلتُم عليه بحكم كل ما يُحيط بتلك البقعة، ودعوا الإرث الأسود ليندثر.. تعلّموا الانفتاح على الحياة والمستقبل جميعاً، وتشبّثوا بما يُغني عقولكم وأرواحكم

تعلّمت، في سنيّ غربتي، كيف أصنع نفسي وأُعيد صياغة هويتي …. من   دراستي، إلى المجتمعات المختلفة التي عِشت فيها فأثّرت بي وأثّرت بها كذلك، فقراءاتي و اختلاطي بجنسيات وقوميات عديدة ومختلفة، وصولاً إلى عملي و خبراتي، تربيتي لأطفالي ….إلخ

هويتي أنا من يصنعُها، و ثقافتي هي هويتي

لا أعلم أين ومتى تحديداً، بدأت بعض الثقافات بربط هوية الطفل وتقيّيدها بهوية الأب

هويتي مطبوعة بأثر ذاكرتي وذكرياتها التي لا تُمحى، تلك التي أحملها معي أيّنما ذهبت وحيثما أقمت … فأنا أنتمي لمكان ولادتي و للنسيم المُحمّل بعبق الياسمين الدمشقيّ الذي تنشقته في بيتنا الشاميّ العتيق ؟ 

و أنتمي إلى حلب القلب التي نشأت و ترعرعت فيها، وكان لها الأثر الأكبر في تكوين شخصيتي حيث المجتمع الذي احتضن نشأتي، إذ غالبا ما يكون لذلك المجتمع الأثر الأكبر على الإنسان و تكوين هويته، وفقاً لعلماء الاجتماع

كلّنا يعلم أنّ لكلّ مدينة سوريّة خصائصها التي تسم بها أولادها بالإضافة إلى اللهجة

أنا لا لهجة محدّدة لي، أنا مزيج  سوريّ بامتياز .. والدي -الذي أُقدّس-حملت طباعه الكثير من طباع أبناء ساحلنا، وعاش، بحكم عمله ، مُتنقّلاً بين مختلف مدن سوريا، حيث اكتسب من خصال أهلها ما أحبّ وترك ما لم يتوافق وهواه، و أُميّ المولودة في زحلة، و التي عاشت بين حمص و حلب، ثمّ تنقّلت مع أبي وحلّت حيثما حلّ ..  ذلك التنوّع كان ما يُوجّهني منذ البداية، ومنه بدأت أتعلّم كيف يمكن للإنسان  أن يصنع هويته الخاصّة به دون الإلتصاق بجغرافيا منطقة مُعيّنة. فالإنسان نتاج مراحل عدّة و يحمل الوفاء و الإخلاص لكلّ بقعة عاش فيها، يُشبه في ذلك الأُمّ التي تُكِنّ الحبّ لجميع أطفالها بالتساوي غير قادرة على  تفضيل أحدهم على الآخر، فكلّهم أجزاء منها و تنتمي لهم مجتمعين، نضجت معهم وأصبحت  ماهي عليه بفضلهم جميعاً،  في سرّها فقط،  تعي حقيقة أن أحدهم يًشبهها إلى حدٍّ كبير، فلا تجعله الأثير عندها وإنّما تفخر بهذا التقارب والشبه … كما أفخر أنا، في جهري و في سرّي، بأنّ حلب هي طفلي الذي يُشبهني 

هويّتي هو ما حملته معي من عطرٍ سوريٍّ مُكثّف من كلّ مدينةٍ أحببتُها، و مزجّته بالمجتمع الجميل الذي كبرت فيه و اكتسبت أجمل خِصاله ..وما زلت اكتسب العطر وأنثره في محيطي يوماً إثر يوم ….! أليس أجمل جواب يُمكن أن يُقال بعد كل هذا الشرح أنّني ..من بلد الشبابيك المزروعة بالحبّ المفتوحة عالصدفة، من بلد الحكايات المحكيّة عالمجد المبنيّة عالإلفة ..بأنغام الرحابنة و شدوِّ فيروز ؟

هذه هي هويّتي

بقلم فاديا رستم

تدقيق لغوي: الاستاذة أميمة ابراهيم

اللوحات المرفقة ادناه للفنانة و المعلمة سلام برهوم

Website Built with WordPress.com.

Up ↑